الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 18 ] ( وله الرد برضا البائع ) إلا لمانع عيب أو زيادة [ ص: 19 ] ( كأن اشترى ثوبا فقطعه فاطلع على عيب رجع به ) أي بنقصانه لتعذر الرد بالقطع ( فإن قبله البائع كذلك له ذلك ) ; لأنه أسقط حقه .

التالي السابق


( قوله وله الرد برضا البائع ) ; لأن في الرد إضرار بالبائع لكونه خرج عن ملكه سالما عن العيب الحادث ، فتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى بالضرر فيخير المشتري حينئذ بين الرد والإمساك من غير رجوع بنقصان ، وهذا المعنى لا يستفاد من المتن ، فلو قال ولم يرجع بنقصان لكان أولى نهر .

قلت : وقد أفاد الشارح هذا المعنى بذكر المسألة التي قبله كما قررناه آنفا ، ثم إن مقتضى قولهم إلا أن يرضى بالضرر أن المشتري يرجع عليه بجميع الثمن كاملا ، وبه صرح القهستاني حيث قال غير طالب : أي البائع لحصة النقصان . ا هـ فدل على أن البائع ليس له طلب حصة النقصان الحادث فيرد كل الثمن . ثم رأيته أيضا في حاشية نوح أفندي حيث قال لسقوط حقه برضاه بالضرر فلا يرجع على المشتري بنقصان العيب الحادث . ا هـ ولينظر الفرق بين هذا وبين ما قدمه الشارح عن العيني عند قوله والسرقة .

[ تنبيه ] أشار المصنف باشتراط رضا البائع إلى فرع في القنية لو رد المبيع بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو تقايلا ثم ظفر البائع بعيب حدث عند المشتري فللبائع الرد . ا هـ يعني لعدم رضاه به أولا ، وفي البزازية : رده المشتري بعيب وعلم البائع بحدوث عيب آخر عند المشتري رد على المشتري مع أرش العيب القديم أو رضي بالمردود ولا شيء به وإن حدث فيه عيب آخر عند البائع رجع البائع على المشتري بأرش العيب الثاني إلا أن يرضى أن يقبله بعيبه الثالث أيضا . ا هـ بحر : هذا ، وسيذكر المصنف أنه يعود الرد بالعيب القديم بعد زوال العيب الحادث ( قوله إلا لمانع عيب ) أي إلا لعيب مانع من الرد ; كما لو قتل المبيع عند المشتري رجلا خطأ ثم ظهر أنه قتل آخر عند البائع فقبله البائع بالجنايتين لا يجبر المشتري على ذلك ، وإنما يرجع بالنقصان على الجناية الأولى دفعا للضرر عنه ; لأنه لو رده على بائعه كان مختارا للداء فيهما ، وكما لو اشترى عصيرا فتخمر بعدم قبضه ثم وجد فيه عيبا لا يرده وإن رضي البائع ، وإنما ترجع بالنقصان كذا في النهر ح ( قوله أو زيادة ) أي أو إلا لزيادة مانعة كما سيأتي في نحو الخياطة ح مطلب في أنواع زيادة البيع ، ثم اعلم أن الزيادة في المبيع إما قبل القبض أو بعده وكل منهما نوعان : متصلة ومنفصلة . والمتصلة نوعان : متولدة كسمن وجمال فلا تمنع الرد قبل القبض ، وكذا بعده في ظاهر الرواية ، وللمشتري الرجوع بالنقصان ، وليس للبائع قبوله عندهما ، وعند محمد له ذلك ، وغير متولدة كغرس وبناء وصبغ وخياطة فتمنع الرد مطلقا .

والمنفصلة نوعان : متولدة كالولد والثمر والأرش ، فقبل القبض لا تمنع ، فإن شاء ردهما أو رضي بهما بجميع [ ص: 19 ] الثمن ، وبعد القبض يمتنع الرد ويرجع بحصة العيب ، وغير متولدة ككسب وغلة وهبة وصدقة ، فقبل القبض لا تمنع الرد فإذا رد فهي للمشتري بلا ثمن عنده ولا تطيب له : وعندهما للبائع ولا تطيب له ، وبعد القبض لا تمنع الرد أيضا وتطيب له الزيادة وتمامه في البحر عن القنية .

وحاصله أنه يمنع الرد في موضعين في المتصلة الغير المتولدة مطلقا وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض كما في البزازية وغيرهما ووقع في الفتح أن المنفصلة المتولدة تمنع الرد ، لكنه قال بعده إنه قبل القبض يخير كما مر ، وبعد القبض يرد المبيع وحده بحصته من الثمن .

واعترضه في البحر بأنه سهو ، وإذ هذا التفصيل لا يناسب قوله تمنع الرد ، وإنما يناسب الرد وهو خلاف ما مر عن القنية و البزازية وغيرهما ، وذكر نحوه في نور العين ، وأجاب في النهر بأن قول الفتح تمنع الرد معناه تمنع رد الأصل وحده .

قلت : ولا يخفى ما فيه ، فإن قول الفتح وبعد القبض يرد المبيع وحده ينافيه ، وقد صرح في الذخيرة أيضا بأنه لا يرده ; لأن الولد يصير ربا لكونه صار للمشتري بلا عوض ، بخلاف غير المتولدة كالكسب ; لأنها لم تتولد من المبيع بل من منافعه ، فلم تكن مبيعة فأمكن أن تسلم للمشتري مجانا ، أما الولد فإنه مبيع من وجه لتولده من المبيع فله صفته ، فلو سلم للمشتري مجانا كان ربا ، ونحوه في الزيلعي ( قوله كأن اشترى ثوبا ) تمثيل لأصل المسألة لا للزيادة قال في البحر : وهو تكرار ، ; لأن رجوعه وجواز رده برضا بائعه في الثوب من أفراد ما قدمه ولم تظهر فائدة لإفراد الثوب إلا ليترتب عليه مسألة ما إذا خاطه فإنه يمتنع الرد ولو برضاه . ا هـ ط ( قوله فقطعه ) ووطء الجارية كالقطع بكرا كانت أو ثيبا نهر ، وستأتي مسألة الجارية في المتن ( قوله فاطلع على عيب ) ذكر الفاء يفيد أن القطع لو كان بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان ، ووجهه ظاهر فليراجع . ا هـ ح ، ويشهد له قول المصنف الآتي واللبس والركوب والمداواة رضا بالعيب إلخ




الخدمات العلمية