الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويشهد الجنازة ويعود المريض ) إن لم يكن لهما ولا عليهما دعوى شرنبلالية عن البرهان ( ويسوي ) وجوبا ( بين الخصمين جلوسا وإقبالا وإشارة ونظرا ويمتنع من مسارة أحدهما والإشارة إليه ) ورفع صوته عليه ( والضحك في وجهه ) وكذا القيام له بالأولى ( وضيافته ) نعم لو فعل ذلك معهما معا جاز نهر ( ولا يمزح ) في مجلس الحكم ( مطلقا ) ولو لغيرهما لذهابه بمهابته ( ولا يلقنه حجته ) وعن الثاني لا بأس به عيني ( ولا ) يلقن ( الشاهد شهادته ) واستحسنه أبو يوسف فيما لا يستفيد به زيادة علم والفتوى على قوله فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته ، بزازية في الولوالجية ، حكي أن أبا يوسف وقت موته قال : اللهم إنك تعلم أني لم أمل إلى أحد الخصمين [ ص: 376 ] حتى بالقلب إلا في خصومة نصراني مع الرشيد لم أسو بينهما وقضيت على الرشيد ثم بكى ا هـ ، قلت : ومفاده أن القاضي يقضي على من ولاه وفي الملتقى ويصح لمن ولاه وعليه وسيجيء [ فروع ]

في البدائع من جملة أدب القاضي أنه لا يكلم أحد الخصمين بلسان لا يعرفه الآخر . وفي التتارخانية : والأحوط أن يقول للخصمين أحكم بينكما حتى إذا كان في التقليد خلل يصير حكما بتحكيمهما . قضى بحق ثم أمره السلطان بالاستئناف بمحضر من العلماء لم يلزمه بزازية . طلب المقضي عليه نسخة السجل ومن المقضى له ليعرضه على العلماء أهو صحيح أم لا ، فامتنع ألزمه القاضي بذلك ، جواهر الفتاوى وفي الفتح متى أمكن إقامة الحق بلا إيغار صدور كان أولى . وهل يقبل قصص الخصوم إن جلس للقضاء لا ، وإلا أخذها ولا يأخذ بما فيها إلا إذا أقر بلفظه صريحا .

التالي السابق


( قوله : ويعود المريض ) إلا أنه لا يطيل المكث عنده بحر .

( قوله : إن لم يكن لهما ولا عليهما دعوى ) الذي في الفتح وغيره الاقتصار على ذكر المريض تأمل .

( قوله : ويسوي وجوبا بين الخصمين إلخ ) إطلاقه يعم الصغير والكبير والخليفة والرعية والدنيء والشريف والأب والابن والمسلم والكافر إلا إذا كان المدعى عليه هو الخليفة ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ، وأن يجلسه مع خصمه ، ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما ولا ينبغي أن يجلس أحدهما عن يمينه ، والآخر عن يساره ; لأن لليمين فضلا ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص به الشيخين بل المستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه كالمتعلم بين يدي معلمه ، ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحوهما ولا يمكنهما من التربع ونحوه ، ويكون أعوانه قائمة بين يديه وأما قيام الأخصام بين يديه فليس معروفا ، وإنما حدث لما فيه من الحاجة إليه والناس مختلفو الأحوال والأدب وقد حدث في هذا الزمان أمور وسفهاء ، فيعمل القاضي بمقتضى الحال كذا في الفتح يعني فمنهم من لا يستحق الجلوس بين يديه ، ومنهم من يستحق فيعطي كل إنسان ما يستحقه بقي ما لو كان أحدهما يستحقه دون الآخر وأبى الآخر إلا القيام لم أر المسألة وقياس ما في الفتح أن القاضي لا يلتفت إليه نهر .

( قوله : وإقبالا ) أي نظرا قهستاني والأولى تفسيره بالتوجيه إليه صورة أو معنى لئلا يتكرر بما بعده .

( قوله : ويمتنع من مساواة أحدهما ) أي يجتنب التكلم معه خفية ، وكذا القائم بين يديه كما في الولوالجية وهو الجلواز الذي يمنع الناس من التقدم إليه بل يقيمهم بين يديه على البعد ومعه سوط والشهود يقربون نهر .

( قوله : والإشارة إليه ) مستدرك بما قبله ط .

( قوله : ورفع صوته عليه ) ينبغي أن يستثني ما لو كان بسبب كإساءة أدب ونحوه .

( قوله : لو فعل ذلك ) أي الضيافة .

وقال في النهر أيضا وقياسه أنه لو سارهما أو أشار إليهما معا جاز .

( قوله : ولا يمزح ) أي يداعب في الكلام من باب نفع .

( قوله : في مجلس الحكم ) أما في غيره فلا يكثر منه ; لأنه يذهب بالمهابة بحر .

( قوله : عيني ) عبارته وعن الثاني في رواية والشافعي في وجه لا بأس بتلقين الحجة ا هـ وظاهره ضعفها ، بل ظاهر الفتح أن هذا في تلقين الشاهد لا الخصم كما يأتي نعم في البحر عن الخانية ، ولو أمر القاضي رجلين ليعلماه الدعوى والخصومة فلا بأس به خصوصا على قول أبي يوسف .

( قوله : واستحسنه أبو يوسف ) قال في الفتح وعن أبي يوسف وهو وجه للشافعي لا بأس به لمن استولته الحيرة أو الهيبة فترك شيئا من شرائط الشهادة فيعينه بقوله أتشهد بكذا وكذا بشرط كونه في غير موضع التهمة ، وأما فيها بأن ادعى المدعي ألفا وخمسمائة والمدعى عليه ينكر الخمسمائة وشهد الشاهد بألف فيقول القاضي : يحتمل أنه أبرأ من الخمسمائة واستفاد الشاهد بذلك علما فوفق به في شهادته كما وفق القاضي ، فهذا لا يجوز بالاتفاق كما في تلقين أحد الخصمين ا هـ ، ثم ذكر أن ظاهر الهداية ترجيح قول أبي يوسف ا هـ . وحكاية الرواية في تلقين الشاهد والاتفاق في تلقين أحد الخصمين ينفي ما مر عن العيني تأمل .

( قوله : لزيادة تجربته ) قدمنا عن الكفاية أن محمدا تولى القضاء أيضا وذكر عبد القادر في طبقاته أن الرشيد ولاه قضاء الرقة ثم عزله وولاه قضاء الري ا هـ والظاهر أن مدته لم تطل ; ولذا لم يشتهر بالقضاء كما اشتهر أبو يوسف ، فلم يحصل له من التجربة [ ص: 376 ] ما حصل لأبي يوسف ; لأنه كان قاضي المشرق والمغرب وزيادة التجربة تفيد زيادة علم قال الحموي قال مجد الأئمة الترجماني والذي يؤيده وما ذكره في الفتاوى أن أبا حنيفة كان يقول الصدقة أفضل من حج التطوع ، فلما حج وعرف مشاقه رجع وقال الحج أفضل ا هـ .

( قوله : حتى بالقلب ) أي لم يحصل منه ميل قلبه إلى عدم التسوية بين الخصمين بقرينة الاستثناء .

( قوله : قلت ومفاده إلخ ) قال في الفتح والدليل عليه قضية شريح مع علي فإنه قام وأجلس عليا مجلسه ا هـ .

( قوله : وسيجيء ) أي في آخر باب كتاب القاضي .

( قوله : بلسان لا يعرفه الآخر ) لأنه كالمسارة .

( قوله : أحكم بينكما ) أي ويقولان نعم احكم بيننا .

( قوله : لم يلزمه ) أفاد أنه لو استأنف براءة لعرضة لا بأس به .

( قوله : نسخة السجل ) أي كتاب القاضي الذي فيه حكمه المسمى الآن بالحجة .

( قوله : ألزمه القاضي بذلك ) الظاهر أن الإشارة للعرض على العلماء ; لأن السجل أي الحجة لو كان ملكه لا يلزمه دفعه للمقضي عليه تأمل .

( قوله : وفي الفتح إلخ ) حيث قال وفي المبسوط ما حاصله أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ويبين له أنه فهم حجته ، ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره ، ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس ، ونسبته إلى أنه جار عليه ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة عرضه وهو بريء ، وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى ا هـ ، وفي الصحاح : الوغر شدة توقد الحر ومنه : قيل في صدره على وغر بالتسكين أي ضغن وعداوة وتوقد ومن الغيظ .

( قوله : قصص الخصوم ) جمع قصة وهي بالفتح الحصة والمراد بها هنا ورقة يكتب فيها قضيته مع خصمه ويسمى الآن عرض حال .

( قوله : لا ) أي لأن كلامه بلسانه أحسن من كتابته .

( قوله : ولا يأخذ بما فيها ) عبارة غيره ولا يؤاخذ أي لا يؤاخذ صاحبها بما كتبه فيها من إقرار ونحوه ما لم يقر بذلك صريحا ; لأنه لا عبرة بمجرد الخط فافهم والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية