الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كان مضاربا ) معه عشرة ( بالنصف ) اشترى بها ثوبا وباعه من رب المال بخمسة عشر ( باع ) الثوب ( مرابحة رب المال باثني عشر ونصف ) لأن نصف الربح ملكه [ ص: 140 ] وكذا عكسه كما سيجيء في بابه وتحقيقه في النهر يرابح مريدها ( بلا بيان ) أي من غير بيان ( أنه اشتراه سليما ) أما بيان نفس العيب فواجب ( فتعيب عنده بالتعيب ) بآفة سماوية أو بصنع المبيع [ ص: 141 ] ( ووطئ الثيب ولم ينقصها الوطء ) كقرض فأر وحرق نار للثوب المشترى ، وقال أبو يوسف وزفر والثلاثة لا بد من بيانه قال أبو الليث : وبه نأخذ ورجحه الكمال وأقره المصنف ( و ) يربح ببيان ( بالتعييب ) ولو بفعل غيره بغير أمره وإن لم يأخذ الأرش وقيد أخذه في الهداية وغيرها اتفاقي فتح ( ووطئ البكر كتكسره ) بنشره وطيه لصيرورة الأوصاف مقصودة بالإتلاف ; ولذا قال ولم ينقصها الوطء

التالي السابق


( قوله : بالنصف ) أي بنصف الربح له ، والباقي لرب المال وهو متعلق بقوله : مضاربا فكان الأوضح تقديمه على قوله معه عشرة كما قاله ح . ( قوله : باع مرابحة رب المال باثني عشر ونصف ) هذا في خصوص هذا المثال صحيح والتفصيل ما ذكره في مضاربة البحر عن المحيط ، ومن أنه على أربعة أقسام :

الأول : أن لا يكون في قيمة المبيع ولا في الثمن فضل على رأس المال ، بأن كان رأس المال ألفا فاشترى منها المضارب عبدا بخمسمائة قيمته ألف وباعه من رب المال بألف ، فإن رب المال يرابح على ما اشترى به المضارب

الثاني : أن يكون الفضل في قيمة المبيع دون الثمن فإنه كالأول .

الثالث : أن يكون فيهما ، فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب ، وحصة المضارب

الرابع : أن يكون الفضل في الثمن فقط وهو كالثالث ا هـ . ح ولا يخفى أن مثال الشارح يحتمل كونه من الثالث أو الرابع لصدقه على كون قيمة الثوب عشرة [ ص: 140 ] كرأس المال أو أكثر ; فلذا كان له أن يرابح على ما اشترى به المضارب ، وهو عشرة وعلى حصة المضارب من الربح وهو درهمان ونصف دون حصة رب المال ; لأنها سلمت له ، ولم تخرج عن ملكه ، ثم اعلم أن المصنف لم يسبق منه تمثيل المسألة بالشراء بالعشرة والبيع بالخمسة عشر ، حتى يظهر قوله : باثني عشر ونصف وهذا وإن وقع في عبارة الكنز كذلك ، لكنه صور المسألة قبله في مسألة المأذون كما قدمناه ; ولذا أوضح الشارح عبارة المصنف في أثناء تقرير المتن بذكر المثال .

( قوله : وكذا عكسه ) وهو ما إذا كان البائع رب المال ، وهذا أيضا على أربعة أقسام ، قسمان : لا يرابح فيهما إلا على ما اشترى به رب المال ، وهما إذا كان لا فضل في الثمن ، وقيمة المبيع على رأس المال كما لو اشترى المضارب من رب المال بألف المضاربة عبدا قيمته ألف وكان قد اشتراه رب المال بنصف ألف ، أولا فضل في قيمة المبيع فقط ، بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألف ، وباعه من المضارب بألفين ، وقسمان يرابح على ما اشترى به رب المال ، وحصة المضارب : هما إذا كان فيهما فضل بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين ، بعدما عمل المضارب في ألف المضاربة ، وربح فيها ألفا فإنه يرابح على ألف وخمسمائة أو كان في قيمة العبد فقط ، بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة ، فاشتراه رب المال بألف فباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب على ألف ومائتين وخمسين كذا في البحر عن المحيط ا هـ ح وبه ظهر أن قول الشارح ، وكذا عكسه أراد به القسمين الأخيرين .

( قوله : كما سيجيء في بابه ) وهو باب المضارب يضارب ط . ( قوله : وتحقيقه في النهر ) حاصله : أنه ذكر في مضاربة الكنز تبعا للهداية أنه لو اشترى المضارب من المالك بألف عبدا اشتراه بنصفه رابح بنصفه ا هـ . فاعتبر أقل الثمنين ، وقال الزيلعي هناك ، ولو بالعكس أي بأن اشترى رب المال بألف من المضارب عبدا مشترى بنصفه رابح بنصفه أيضا ، فصورة العكس هناك مفروضة في شراء رب المال من المضارب ، وهي مسألة المتون هنا فما ذكره الزيلعي هناك مخالف لما صرح به نفسه هنا ، من أنه يضم حصة المضارب ، وذكر في السراج أنه يضم حصة المضارب في صورة الأصل وصورة العكس وقد وفق في البحر بين كلامي الزيلعي بتوفيق رده في النهر وقال إن ما في السراج مخالف لصريح الرواية المصرح بها في كتاب المضاربة ، وما ذكره الزيلعي من أن رب المال لا يضم حصة المضارب محمول على رواية وذكر ح أن الجواب الحق ما في مضاربة البحر ، من أن صورة العكس التي ذكرها الزيلعي هناك هي القسم الأول من كلام المحيط ، فلم يكن فيه مخالفة لما ذكره في المرابحة أنه يضم حصة المضارب ; لأنه القسم الثالث أو الرابع من كلام المحيط ا هـ ما في مضاربة البحر ملخصا .

قلت : ولم يتعرض هناك للجواب عما في السراج ، وقد علمت صحته مما كتبنا على قول الشارح وكذا عكسه وقد أوضحنا هذا المقام بأكثر مما هنا فيما علقناه على البحر .

( قوله : مريدها ) أي مريد المرابحة . ( قوله : أي من غير بيان ) لا حاجة إلى هذا البيان لوضوحه ط . ( قوله : أما بيان نفس العيب فواجب ) لأن الغش حرام إلا في مسألتين كما قدمه آخر خيار العيب وقد مر الكلام على ذلك . ( قوله : فتعيب عنده ) أما لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن الذي اشتراه به ; لأن الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع مرابحة ، كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤية ، وكذا لو اشتراه مرابحة فاطلع على خيانة فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما ذكرنا أن الثابت له مجرد خيار بحر عن الفتح .

( قوله : بالتعيب ) مصدر تعيب صار معيبا بلا صنع أحد ، ويلحق [ ص: 141 ] به ما إذا كان بصنع المبيع ، وشمل ما إذا كان نقصان العيب يسيرا أو كثيرا وعن محمد لو نقص قدرا لا يتغابن الناس فيه لا يبيعه مرابحة بلا بيان ودل كلامه أنه لو نقص بتغير السعر بأمر الله تعالى لا يلزمه البيان بالأولى بحر . ( قوله : ووطئ الثيب ) بصيغة الفعل الماضي عطفا على قوله : اشتراه أو بصيغة المصدر عطفا على أنه اشتراه . ( قوله : كقرض فأر وحرق نار ) الأولى ذكرهما بعد قوله بآفة سماوية ا هـ . ح وقرض بالقاف وذكره أبو اليسر بالفاء فتح والذي في القاموس والمصباح الأول . ( قوله : المشترى ) بصيغة المفعول نعت للثوب . ( قوله : لا بد من بيانه ) أي بيان أنه تعيب عنده بالتعيب . ( قوله : ورجحه الكمال ) نعم رجحه أولا بقوله واختياره وهذا حسن ; لأن مبنى المرابحة على عدم الخيانة وعدم ذكره أنها انتقصت إيهاما للمشتري ، أن الثمن المذكور كان لها ناقصة والغالب أنه لو علم أن ذلك ثمنها صحيحة لم يأخذها معيبة إلا بحطيطة ا هـ .

لكنه قال بعده ، لكن قولهم هو كما لو تغير السعر بأمر الله تعالى فإنه لا يجب عليه أن يبين أنه اشتراه في حال غلائه ، وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ إلزام قوي ا هـ . نعم أجاب في النهر بقوله : وقد يفرق بأن الإبهام فيما ذكر ضعيف لا يعول عليه ، بخلاف ما لو اعورت الجارية فرابحه على ثمنها فإنه قوي جدا فلم يغتفر ا هـ .

قلت : وفيه كلام فقد يكون تفاوت السعرين أفحش من التفاوت بالعيب والكلام حيث لا علم للمشتري بكل ذلك ، والأحسن الجواب بأن ذلك مجرد وصف لا يقابله شيء من الثمن بخلاف الفائت بعور الجارية ، وقرض الفأر ونحوه ، فإنه جزء من المبيع ، ولا يرد ما اشتراه بأجل ، فإنه لا يرابح بلا بيان كما يأتي لقولهم : الأجل يقابله جزء من الثمن عادة ، فيكون كالجزء فيلزمه البيان . ( قوله : وأقره المصنف ) وكذا شيخه في بحره والمقدسي . ( قوله : بالتعييب ) مصدر عيبه إذا أحدث به عيبا بحر . ( قوله : ولو بفعل غيره إلخ ) دخل فيه ما إذا كان بفعله بالأولى ، وكذا ما إذا كان بفعل غيره بأمره ، واحترز به عما إذا كان بفعل المبيع فإنه ملحق بالآفة السماوية كما مر ; لأن المرابح لم يكن حابسا شيئا . ( قوله : وإن لم يأخذ الأرش ) لتحقق وجوب الضمان فتح . ( قوله : ووطئ البكر ) لأن العذرة جزء من العين يقابلها الثمن وقد حبسها فتح . ( قوله : كتكسره ) أي تكسر الثوب . ( قوله : لصيرورة الأوصاف مقصودة بالإتلاف ) أي فتخرج عن التبعة بالقصدية ، فوجب اعتبارها ، فتتقابل ببعض الثمن فتح وهذا علة لقوله ببيان بالتعييب . ( قوله : ولذا قال إلخ ) أي فإنه يفهم منه أن الثيب لو نقصها الوطء يلزمه البيان ; لأنه صار مقصودا بالإتلاف .




الخدمات العلمية