الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 121 ] ( وتتوقف على قبول الآخر ) في المجلس ولو كان القبول ( فعلا ) كما لو قطعه أو قبضه فور قول المشتري أقلتك ; لأن من شرائطها اتحاد المجلس ورضا المتعاقدين أو الورثة أو الوصي وبقاء المحل [ ص: 122 ] القابل للفسخ بخيار فلو زاد زيادة تمنع الفسخ لم تصح خلافا لهما وقبض بدلي الصرف في إقالته وأن لا يهب البائع الثمن للمشتري قبل قبضه ، وأن لا يكون البيع بأكثر من القيمة في بيع مأذون ووصي ومتول .

التالي السابق


( قوله : وتتوقف على القبول ) فلو اشترى حمارا ثم جاء به ليرده ، فلم يقبله البائع صريحا واستعمل الحمار أياما ثم امتنع عن رد الثمن وقبول الإقالة كان له ذلك ; لأنه لما رد كلام المشتري بطل فلا تتم الإقالة باستعماله خانية . ( قوله : في المجلس ) فلو قبل بعد زوال المجلس أو بعدما صدر عنه فيه ما يدل على الإعراض لا تتم الإقالة ابن مالك . وفي القنية : جاء الدلال بالثمن إلى البائع بعدما باعه بالأمر المطلق ، فقال له البائع لا أدفعه بهذا الثمن فأخبر به المشتري فقال : أنا لا أريده أيضا لا ينفسخ ; لأنه ليس من ألفاظ الفسخ ; ولأن اتحاد المجلس في الإيجاب والقبول شرط في الإقالة ولم يوجد اشترى حمارا ثم جاء ليرده فلم يجد البائع فأدخله في إصطبله فجاء البائع بالبيطار فبزغه فليس بفسخ ; لأن فعل البائع وإن كان قبولا ولكن يشترط فيه اتحاد المجلس ا هـ . ( قوله : ولو كان القبول فعلا ) أفاد أنه بعد الإيجاب لا يكون من التعاطي ; لأن التعاطي ليس فيه إيجاب لما قدمناه أول البيوع عن الفتح من أنه إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا خلافا لمن قال إنه بيع بالتعاطي ; لأن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ا هـ . [ تنبيه ]

قال في البزازية : جاء بقبالة العقار المشترى ، فأخذها البائع وتصرف في العقار فأقاله وفي الخزانة دفع القبالة إلى البائع وقبضه ليس بإقالة وكذا لو تصرف البائع في المبيع بعد قبض القبالة وسكت المشتري لعدم تسليم المبيع وقبض الثمن . ا هـ .

قلت : والقبالة بالفتح الصك الذي يكتب فيه الدين ونحوه والظاهر أن ما ذكره أولا من كون ذلك إقالة مبني على ما هو الصحيح من الاكتفاء بالتعاطي من أحد الجانبين وهو تصرفه في المبيع بعد قبض القبالة ، وما ذكره عن الخزانة مبني على أنه لا بد لكونه من الجانبين بقرينة التعليل تأمل . ( قوله : فور قول المشتري أقلتك ) متعلق بالأمرين قال في الفتح : ويجوز قبول الإقالة دلالة بالفعل كما إذا قطعه قميصا في فور قول المشتري : أقلتك ا هـ . والمراد بالفورية : أن يكون في المجلس بأن يقطعه قبل أن يتفرقا ولم يتكلم بشيء كما في ح عن الخانية وظاهر هذا أن القبض فورا بلا قطع لا يكفي وهو خلاف قول الشارح ، أو قبضه ولعل المسألة مفروضة فيما إذا كان الثوب بيد البائع قبل قوله : أقلتك فتأمل . ثم رأيت في الذخيرة وكذا في الحاوي صورة المسألة بما يرفع الإشكال حيث قال : وكذا دلالة بالفعل ألا ترى أن من باع ثوبا وسلمه ثم قال للمشتري أقلت البيع فاقطعه لي قميصا فإن قطعه في المجلس فهو إقالة وإلا فلا ا هـ ، فالمتكلم بقوله : أقلت هو البائع ، والقاطع هو المشتري لا البائع عكس ما في الفتح والخانية فقطع المشتري الثوب قبل قبض البائع قبول دلالة ولا إشكال فيه فتدبر . ( قوله : لأن من شرائطها إلخ ) علة لقوله وتتوقف إلخ ، ولا يرد أن المعطوفات لا تصلح تعليلا له ; لأن العلة مجموع ما ذكر فكأنه قال : لأن لها شروطا منها اتحاد المجلس فافهم . ( قوله : ورضا المتعاقدين ) لأن الكلام في رفع عقد لازم ، وأما رفع ما ليس بلازم فلمن له الخيار بعلم صاحبه لا برضاه بحر .

وحاصله : أن رفع العقد غير اللازم وهو ما فيه خيار لا يسمى إقالة بل هو فسخ ; لأنه لا يشترط فيه رضاهما فافهم . ( قوله : أو الورثة أو الوصي ) أشار إلى ما في البحر من أنه لا يشترط لصحتها بقاء المتعاقدين فتصح إقالة الوارث والوصي ، ولا تصح إقالة الموصى له كما في القنية ا هـ . ( قوله وبقاء المحل ) أي المبيع كلا أو بعضا لما سيذكره المصنف [ ص: 122 ] من أنه يمنع صحتها هلاك المبيع ، وهلاك بعضه يمنع بقدره .

( قوله : القابل للفسخ بخيار ) نعت للمحل وبخيار متعلق بالفسخ ووصف المحل بقبوله الفسخ مجاز ; لأن القابل لذلك عقده قال ح أي القابل للفسخ بخيار من الخيارات كخيار العيب والشرط والرؤية كما في الفتاوى الهندية ا هـ ، وفي الخلاصة : والذي يمنع الرد بالعيب يمنع الإقالة ومثله في الفتح .

( قوله : فلو زاد إلخ ) تفريع على قوله القابل للفسخ بخيار ، وقدمنا في خيار العيب أن الزيادة إما متصلة متولدة كسمن وجمال أو غير متولدة كغرس وبناء وخياطة ، وإما منفصلة متولدة كولد وثمرة وأرش أو غير متولدة ككسب وهبة ، والكل إما قبل القبض أو بعده ويمتنع الفسخ بخيار العيب في موضعين في المتصلة الغير المتولدة مطلقا وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط فافهم ويأتي زيادة بيان . ( قوله : وقبض بدلي الصرف في إقالته ) أي إقالة عقد الصرف أما على قول أبي يوسف فظاهر ; لأنها بيع ، وأما على أصلها فلأنها بائع في حق ثالث وهو حق الشرع بحر .

( قوله : وأن لا يهب البائع الثمن للمشتري ) أي المشتري المأذون . فلو وهبه لم تصح الإقالة بعدها وقوله : قبل قبضه أي قبل قبض البائع الثمن من المأذون وذلك لأنها لو صحت الإقالة حينئذ لكان تبرعا بالمبيع للبائع ، ولا يقدر على الرجوع عليه بالثمن ; لأنه لم يصل إلى البائع منه شيء ، وهو ليس من أهل التبرع . أما بعد القبض فيرجع المأذون عليه بالثمن لوصوله ليده فلم يكن متبرعا فصحت الإقالة ، ويرجع على البائع بعدها بقدر الموهوب له فيكون الواصل إليه قدر الثمن مرتين الموهوب وقدره وقاس ح على المأذون وصي اليتيم ومتولي الوقف نظرا للصغير والوقف ، فيجري فيهما حكمه ط . ( قوله : في بيع مأذون ووصي ومتول ) وكذا إذا اشتروا بأقل من القيمة ، فإن الإقالة لا تصح نهر وكان على الشارح أن يقول : وأن لا يهب الثمن للمشتري المأذون أو الوصي أو المتولي قبل قبضه وأن لا يكون بيعهم بأكثر من القيمة ولا شراؤهم بأقل منها ا هـ . ح ويمكن أن يكون قوله في بيع مأذون إلخ قيدا للمسألتين لكن المأذون مع ما عطف عليه بالنسبة إلى المسألة الأولى مشتر وبالنسبة إلى الثانية بائع فتكون إضافة بيع بالنظر إلى الأولى من إضافة المصدر إلى مفعوله وبالنظر إلى الثانية إلى فاعله تأمل .




الخدمات العلمية