الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فرع ] : لو صالح من الدنانير على دراهم وقبض الدراهم فاستحقت بعد التفرق رجع بالدينار لأن هذا الصلح في معنى الصرف فإذا استحق البدل بطل الصلح فوجب الرجوع درر وفيها فروع أخر فلتنظر ، وفي المنظومة المحبية مهمة منها : لو مستحقا ظهر المبيع له على بائعه الرجوع     بالثمن الذي له قد دفعا
إلا إذا البائع هاهنا ادعى     بأنه كان قديما اشترى
ذلك من ذا المشتري بلا مرا      [ ص: 205 ] لو اشترى خرابة وأنفقا
شيئا على تعميرها وطفقا     ذاك يسوي بعدها آكامها
ثم استحق رجل تمامها     فالمشتري في ذاك ليس راجعا
على الذي غدا لتلك بائعا     ولا على ذا المستحق مطلقا
بذا الذي كان عليها أنفقا     وإن مبيع مستحقا ظهرا
ثم قضى القاضي على من اشترى     به فصالح الذي ادعاه
صلحا على شيء له أداه     يرجع في ذاك بكل الثمن
على الذي قد باعه فاستبن وفي المنية شرى دارا وبنى فيها فاستحقت رجع بالثمن وقيمة البناء مبنيا على البائع إذا سلم النقض إليه [ ص: 206 ] يوم تسليمه وإن لم يسلم فبالثمن لا غير كما لو استحقت بجميع بنائها لما تقرر أن الاستحقاق متى ورد على ملك المشتري لا يوجب الرجوع على البائع بقيمة البناء مثلا حفر بئرا أو نقى البلوعة أو رم من الدار شيئا ثم استحقت لم يرجع بشيء على البائع لأن الحكم يوجب الرجوع بالقيمة لا بالنفقة كما في مسألة الخرابة حتى لو كتب في الصك فما أنفق المشتري فيها من نفقة أو رم فيها من مرمة فعلى البائع يفسد البيع ولو حفر بئرا وطواها يرجع بقيمة الطي لا بقيمة الحفر فلو شرطاه فسد وكذا لو حفر ساقية إن قنطر عليها رجع بقيمة بناء القنطرة لا بنفقة حفر الساقية .

وبالجملة فإنما يرجع إذا بنى فيها أو غرس بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه إلى البائع فلا يرجع بقيمة جص وطين [ ص: 207 ] وتمامه في الفصل الخامس عشر من الفصولين : وفيه شرى كرما فاستحق نصفه له رد الباقي إن لم يتغير في يده ولم يأكل من ثمره ولو شرى أرضين فاستحقت إحداهما إن قبل القبض خير المشتري وإن بعده لزمه غير المستحق بحصته من الثمن بلا خيار .

التالي السابق


( قوله فوجب الرجوع ) أي بأصل المدعي وهو الدنانير ط ( قوله وفيها فروع أخر فلتنظر ) منها استحقاق بعض المبيع وسيأتي ومنها مسائل أخر تقدمت في فصل الفضولي ( قوله إلا إذا البائع هاهنا ادعى إلخ ) أي فلا يرجع بالثمن لأنه لو رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه بزازية . لكن هذا ظاهر إذا اتحد الثمن فلو زاد فله الرجوع [ ص: 205 ] عليه بالزيادة كما قاله ط وكذا لو ادعى إقراره بأنه اشتراه مني وهي حيلة لا من البائع غائلة الرد بالاستحقاق وبيانها أن يقر المشتري بأن بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فحينئذ لا يرجع بعد الاستحقاق لما قلنا أما لو قال لا أرجع بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع ، ولا يعمل ما قاله لأن الإبراء لا يصح تعليقه بالشرط كما في الفتح ( قوله وطفقا ذاك ) أي شرع واسم الإشارة للمشتري ( قوله آكامها ) بمد الهمزة جمع أكمة محركة التل ( قوله تمامها ) أي الخرابة وما بناه فيها ( قوله مطلقا ) لم يظهر لي المراد به تأمل ( قوله بذا الذي كان عليها أنفقا ) متعلق بقوله راجعا المقدر في المعطوف أو المذكور في المعطوف عليه ولو قدم هذا الشرط على الذي قبله لكان أظهر ويكون المراد بقوله مطلقا أنه لا يرجع على المستحق بما أنفق ، ولا بالثمن أما على البائع فلا رجوع بما أنفق فقط ، ويرجع بالثمن كما صرح به في جامع الفصولين ، ثم المراد بما أنفق قيمة البناء إن كان بنى فيها أو أجرة التسوية ونحوها كما يظهر مما يأتي .

ثم اعلم أنا قدمنا أنه لا يرجع المشتري على البائع بالثمن إذا صار المبيع بحال لو كان غصبا لملكه كما لو قطع الثوب وخاطه قميصا فاستحق القميص أو طحن البر فاستحق الدقيق . وقد اختلفوا فيما لو غصب أرضا وبنى فيها أو غرس ما قيمته أكثر من قيمة الأرض هل يملك الأرض بقيمتها أم يؤمر بالقلع ؟ والرد إلى المالك : أفتى المفتي أبو السعود بالثاني ، وعليه يظهر إطلاقهم هنا إما على القول الأول فتقيد المسألة بما إذا كان قيمة البناء أقل وإلا كان الاستحقاق واردا على ملك المشتري وهو الأرض والبناء بلا رجوع له على البائع أصلا فتنبه لذلك ( قوله به ) أي بالمبيع أو بالاستحقاق وهو متعلق بقوله قضي والضمير في قوله فصالح عائد على من اشترى والذي ادعاه وهو المستحق مفعول صالح وصلحا مفعول مطلق وضمير له عائد على الذي ( قوله يرجع إلخ ) أي لأنه صار شاريا للمبيع من المستحق ومر تمام الكلام على ذلك أول الباب ( قوله شرى دارا ) أي ولو كان الشراء فاسدا كما في جامع الفصولين معللا بتحقق الغرور فيه ( قوله وبنى فيها ) أي من ماله فلو بنى بنقضها لم يرجع بقيمته ، كما هو ظاهر ولا بما أنفق كما يعلم مما يأتي ( قوله فاستحقت ) أي الدار وحدها دون ما بناه فيها ( قوله وقيمة البناء مبنيا ) أي يقوم مبنيا فيرجع بقيمته لا مقلوعا والمراد بالبناء ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي فلا يرجع بما أنفق من طين ونحوه ولا بأجرة الباني ونحوه ( قوله على البائع ) ثم هذا البائع يرجع على بائعه بالثمن فقط لا بقيمة البناء وعنده وعندهما يرجع بقيمة البناء ذخيرة ( قوله إذا سلم النقض إليه ) ظاهره أنه يرجع بعد ما كلفه المستحق الهدم فهدمه والبائع غائب ، ثم سلم نقضه إلى البائع وذكر في الخانية عن ظاهر الرواية أنه لا يرجع عليه إلا إذا سلمه البناء قائما فهدمه البائع ثم قال : والأول أقرب إلى النظر . [ ص: 206 ]

قلت : وعزاه في الذخيرة إلى عامة الكتب ( قوله يوم تسليمه ) متعلق بقيمة فلو سكن فيه وانهدم بعضه أو زادت قيمته يرجع عليه بقيمة البناء يوم التسليم كما بسطه في جامع الفصولين ، ونقلناه في آخر المرابحة عن الخانية ( قوله فبالثمن لا غير ) وعند البعض له إمساك النقض والرجوع بنقصانه أيضا كما في الذخيرة ( قوله كما لو استحقت بجميع بنائها ) أي فإنه يرجع بالثمن لا غير وهذه مسألة الخرابة السابقة ( قوله لما تقرر إلخ ) قال في جامع الفصولين لأن الاستحقاق إذا ورد على ملك المشتري لا يوجب الرجوع على البائع والبناء ملك المشتري فلا يرجع به ولأنه لما استحق الكل لا يقدر المشتري أن يسلم البناء إلى البائع ، وقد مر أنه يرجع بقيمة بنائه ما لم يسلمه إلى البائع ا هـ ( قوله لأن الحكم إلخ ) أي حكم القاضي بالاستحقاق يوجب الرجوع بالقيمة : أي بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي لا بالنفقة أي لا بما أنفقه وهو هنا أجرة الحفر والترميم بطين ونحوه مما لا يمكن نقضه وتسليمه ، وأفاد أنه لا فرق بين أن يستحق لجهة وقف أو ملك وعبارة الشارح آخر كتاب الوقف توهم خلافه وقدمنا الكلام عليها هناك ( قوله كما في مسألة الخرابة ) أي المتقدمة في النظم وهذا تشبيه ، لقوله لا بالنفقة إن كان لم يبن في الخرابة ، وإن كان بنى فيها فهو تمثيل لقوله كما لو استحقت إلخ ( قوله حتى لو كتب في الصك ) أي صك عقد البيع وهو تفريع على قوله إلا بالنفقة ( قوله فعلى البائع ) أي إذا ظهرت مستحقة ط ( قوله يفسد البيع ) لأنه شرط فاسد لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ط ( وقوله وطواها ) أي بناها بحجر أو آجر ( قوله لا بقيمة الحفر ) كذا في جامع الفصولين ، والأظهر التعبير بنفقة الحفر لأن الحفر غير متقوم ( قوله فلو شرطاه ) أي الرجوع بنفقة الحفر ( قوله بالجملة ) أي وأقول قولا ملتبسا بالجملة أي مشتملا على جملة ما تقرر ( قوله بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه ) أي بعد أن يسلمه للبائع كما مر ، وهذا إن لم يكن عالما بأن البائع غاصب فلو علم لم يرجع لأنه مغتر لا مغرور بزازية ولو قال البائع : بعتها مبنية وقال المشتري أنا بنيتها فأرجع عليك فالقول للبائع ، لأنه منكر حق الرجوع ، ولو أخذ دارا بشفعة فبنى ثم استحق منه رجع المشتري بثمنه لا بقيمة بنائه لأنه أخذها برأيه جامع الفصولين ، وفيه لو أضر الزرع بالأرض فللمستحق أن يضمنه للنقصان ولا يرجع المشتري على بائعه إلا بالثمن .

[ تنبيه ] نظم في المحبية مسألة أخرى وعزاها شارحها سيدي عبد الغني النابلسي إلى جامع الفتاوى وهي رجل اشترى كرما فقبضه ، وتصرف فيه ثلاث سنين ، ثم استحقه رجل وبرهن وأخذه بقضاء القاضي ، ثم طلب الغلة التي أتلفها المشتري هل يجوز رده أم لا ؟ الجواب فيه يوضع من الغلة مقدار ما أنفق في عمارة الكرم من قطع الكرم وإصلاح السواقي وبنيان الحيطان ومرمته وما فضل من ذلك يأخذه المستحق من المشتري ا هـ وبه أفتى في الحامدية أيضا وعزاه إلى جامع الفتاوى ، وقال بمثله أفتى الشيخ خير الدين في فتاواه وأيضا أبو السعود أفندي مفتي السلطنة نقلا عن التوفيق كما في صورة المسائل من الاستحقاق ونقله الأنقروي في فتاواه ا هـ . [ ص: 207 ]

قلت : وهذا مشكل لأنه مثل قيمة الجص والطين ، فلا يرجع به على البائع ولا على المستحق لأن زوائد المغصوب متصلة أو منفصلة تضمن بالاستهلاك والغلة منهما ، ولعل وجهه أنه إذا اقتطع من الغلة ما أنفقه لم يكن رجوعا من كل وجه لأن الغلة إنما نمت وصلحت بإنفاقه كما في الإنفاق على الدابة كما يأتي لكن كان الأوفق الرجوع على البائع ، لأنه غر المشتري في ضمن عقد البيع ولا صنع للمستحق في ذلك فليتأمل ( قوله في الفصل الخامس عشر ) صوابه السادس عشر ( قوله له رد الباقي ) لعيب الشركة ( قوله إن لم يتغير إلخ ) لأن ذلك مانع من الرد بالعيب ( قوله ولو شرى أرضين إلخ ) قال في جامع الفصولين : استحق بعض المبيع فلو لم يميز إلا بضرر كدار وكرم وأرض وزوجي خف ومصراعي باب وقن يتخير المشتري ، وإلا فلا كثوبين لأن منفعة الدار يتعلق بعضها ببعض ومنفعة الثوب لا تتعلق بمنفعة ثوب آخر ا هـ . وهذا إذا كان بعد القبض ولذا قال بعده ولو استحق بعض المبيع قبل قبضه بطل البيع في قدر المستحق ، ويخير المشتري في الباقي كما مر سواء أورث الاستحقاق عيبا في الباقي أو لا لتفرق الصفقة قبل التمام وكذا لو استحق بعد قبضه ، سواء استحق المقبوض أو غيره يخير كما مر لما مر من التفرق ، ولو قبض كله فاستحق بعضه بطل البيع بقدره ثم لو ورث الاستحقاق عيبا فيما بقي يخير المشتري كما مر ولو يورث عيبا فيه كثوبين أو قنين استحق أحدهما أو كيلي أو وزني استحق بعضه أو لا يضر تبعيضه فالمشتري يأخذ الباقي بلا خيار ا هـ وتقدم تمام الكلام على ذلك في خيار العيب .




الخدمات العلمية