الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باع ما اشتراه فرد ) المشتري الثاني ( عليه بعيب رده على بائعه [ ص: 27 ] لو رد عليه بقضاء ) ; لأنه فسخ ، ما لم يحدث به عيب آخر عنده فيرجع بالنقصان ، وهذا ( لو بعد قبضه ) فله قبله رده مطلقا في غير العقار كالرد بخيار الرؤية أو الشرط درر .

وهذا إذا باعه قبل اطلاعه على العيب ، فلو بعده فلا رد مطلقا بحر ، [ ص: 28 ] وهذا في غير النقدين لعدم تعينهما فله الرد مطلقا شرح مجمع :

التالي السابق


( قوله رده على بائعه ) معناه أن له أن يخاصم الأول ويفعل ما يجب أن يفعل عند قصد الرد ولا يكون الرد عليه ردا على بائعه ، بخلاف الوكيل بالبيع حيث يكون [ ص: 27 ] الرد عليه بالعيب القضاء ردا على موكله ; لأن البيع واحد ، فإذا ارتفع رجع إلى الموكل بحر ، وتمامه فيه ، وبخلاف الاستحقاق فإنه إذا حكم به على المشتري الأخير يكون حكما على كل الباعة كما سيأتي في بابه قال في النهر : وهذا الإطلاق قيده في المبسوط بما إذا ادعى المشتري العيب عند البائع الأول ، أما إذا أقام البينة أن العيب كان عند المشتري ولم يشهدا أنه كان عند البائع الأول ليس للمشتري الأول أن يرده إجماعا ، كذا في الفتح تبعا للدراية . ا هـ . وأقره في البحر أيضا ،

قلت : وهو مقيد أيضا بما إذا لم يعترف بالعيب بعد الرد . قال في الفتح : لو قال بعد الرد ليس به عيب لا يرده على البائع الأول بالاتفاق ( قوله لو رد عليه بقضاء ) شامل لما إذا أقر بالعيب وامتنع من القبول فرد عليه القاضي جبرا كما إذا أنكر العيب فأثبته بالبينة أو النكول عن اليمين أو بالبينة على إقرار البائع مع إنكاره الإقرار بهفإنه يرد على بائعه في الصور الأربع لكون القضاء فسخا فيها شرنبلالية .

[ تنبيه ] للبائع أن يمتنع عن القبول مع علمه بالعيب حتى يقضي عليه ليتعدى إلى بائعه بحر عن البزازية ( قوله ; لأنه فسخ ) أي لأن الرد بالقضاء فسخ من الأصل فجعل البيع كأن لم يكن غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء هداية ، والمراد أنه فسخ فيما يستقبل لا في الأحكام الماضية بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل ، وتمامه في البحر وسيذكر الشارح آخر الباب أنه فسخ في حق الكل إلا في مسألتين إلخ ، ويأتي تمامه .

مطلب لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب . ( قوله ما لم يحدث به عيب آخر عنده ) أي عند البائع الثاني ، قيد لقوله رده على بائعه ، وقوله فيرجع تفريغ على مفهوم القيد المذكور ، أي فإن حدث عيب آخر عند البائع الثاني ثم رده عليه المشتري منه بالعيب القديم فلا يرده على بائعه بل يرجع عليه بنقصان العيب القديم ; لأن العيب الحادث عنده يمنعه من الرد ، وما قلناه من إرجاع ضمير عنده إلى البائع الثاني أصوب من إرجاعه إلى المشتري الثاني لئلا يخالف قولي الإمام .

لما في البحر : لو باعه فاطلع مشتريه على عيب قديم به لا يحدث مثله ويحدث عنده عيب ، ورجع بنقصان العيب القديم ، فعنده لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب القديم وعندهما يرجع ، كذا ذكره الإسبيجابي ، ومثله في الصغرى . ا هـ فافهم ( قوله وهذا ) أي اشتراط القضاء للرد . ا هـ ح ( قوله لو بعد قبضه ) أي قبض المشتري الثاني المبيع ط ( قوله فلو قبله إلخ ) أي فلو كان الرد قبل قبضه فللمشتري الأول أن يرده على البائع الأول مطلقا سواء كان رده عليه بقضاء أو برضا المشتري الأول الذي هو البائع الثاني ; لأن بيع المبيع قبل قبضه لا يجوز فلا يمكن جعله بيعا جديدا في حق غيرهما فجعل فسخا من الأصل في حق الكل ، فصار كما لو باع المشتري الأول للثاني بشرط الخيار له أو بيعا فيه خيار رؤية فإنه إذا فسخ المشتري الثاني بحكم الخيار كان للأول أن يرده مطلقا ، والفسخ بالخيارين لا يتوقف على قضاء . قال الزيلعي : وفي العقار اختلاف المشايخ على قول أبي حنيفة والأظهر أنه بيع جديد في حق البائع الأول ، ; لأنه لا يجوز بيعه قبل القبض عنده فليس له أن يرده على بائعه كأنه اشتراه بعدما باعه . وعند محمد فسخ ; لأنه لا يجوز بيعه قبل القبض عنده وعند أبي يوسف بيع في حق الكل . ا هـ من حاشية نوح أفندي .

( قوله وهذا ) الإشارة إلى قوله رده على بائعه ( قوله فلا رد مطلقا ) [ ص: 28 ] أي لا بقضاء ولا رضا ; لأن بيعه بعد رؤية العيب دليل الرضا به ( قوله وهذا ) أي اشتراط القضاء للرد ( قوله في غير النقدين ) قال في البحر : وقيد بالمبيع وهو العين احترازا عن الصرف فإنه يجعل فسخا إذا رد بعيب لا فرق بين القضاء والرضا ; لأنه لا يمكن أنه يجعل بيعا جديدا ; لأن الدينار هنا لا يتعين في العقود فإذا اشترى دينارا بدراهم ثم باع الدينار من آخر ثم وجد المشتري الثاني بالدينار عيبا ورده المشتري بغير قضاء فإنه يرده على بائعه لما ذكرنا . ووجهه في الكافي بأن المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون المبيع ملك البائع فإذا رده على المشتري يرده على بائعه أما هنا المبيعان موجودان .



مطلب مهم .

قبض من غريمه دراهم فوجدها زيوفا فردها عليه بلا قضاء وذكر في الظهيرية : وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم على رجل وقضاها من غريمه فوجدها الغريم زيوفا فردها عليه بلا قضاء فله ردها على الأول . ا هـ ، وما ذكره في الظهيرية أفتى به الخير الرملي تبعا في فتاوى قارئ الهداية وفتاوى ابن نجيم ، وهذا إذا لم يكن أقر بقبض حقه أو الثمن أو الدين ، فلو أقر بذلك ثم جاء ليرده لم يقبل منه لتناقضه كما أوضح ذلك العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل ، ولخصت ذلك في تنقيح الحامدية .

وبقي ما إذا تصرف فيه القابض بعد علمه بعيبه فإنه لا يرده إذا رد عليه ، لما في القنية برمز القاضي عبد الجبار إذا أخذ من دينه دينارا فجعله في الروث ليروج أو جعل الدرهم في البصل ونحوه ليس له الرد كما لو داوى عيب مشريه ليس له الرد . ا هـ فليحفظ ، لكن سيذكر الشارح من موانع الرد العرض على البيع إلا الدراهم إذا وجدها زيوفا فعرضها على البيع فليس برضا ، وسيذكره أيضا في آخر متفرقات البيوع وعلله في البحر بأن حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه ، لكن صرحوا بأنه لو تجوز بها ملكها وصارت عين حقه فصار الحاصل أنه لو رضي بها امتنع الرد وإلا فله ردها وإن عرضها على البيع وبه يظهر أن عرضها على البيع لا يكون دليل الرضا بها فيحمل ما مر عن القنية على ما إذا رضي بها صريحا فليتأمل ، وسيأتي في متفرقات البيوع متنا وشرحا لو قبض زيفا بدل جيد كان له على آخر جاهلا به ، فلو علم وأنفقه كان قضاء اتفاقا ونفق أو أنفقه فهو قضاء لحقه ، فلو قائما رده اتفاقا . وقال أبو يوسف : إذا لم يعلم يرد مثل زيفه ويرجع بجيده استحسانا كما لو كانت ستوقة أو نبهرجة واختاروه للفتوى . ا هـ




الخدمات العلمية