الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني : قوله " لم تحل له حتى يحرم على نفسه الأولى " بإخراج عن ملكه أو تزويج ، ويعلم أنها ليست بحامل . وهذا بلا نزاع في الجملة . وقال ابن عقيل : لا يكفي في إباحة الثانية مجرد إزالة ملكه عنها . بل لا بد أن تحيض حيضة وتنقضي ، فتكون الحيضة كالعدة . وتبعه على ذلك صاحب الترغيب ، والمحرر ، وغيرهما . وجزم به الزركشي ، وغيره . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ليس هذا القيد في كلام الإمام أحمد رحمه الله ، وعامة الأصحاب . انتهى .

[ ص: 127 ] ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك . على الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وهو ظاهر كلام المصنف هنا . وقال ابن عقيل : ينبغي أن يكتفى بذلك . إذ به يزول الفراش المحرم للجمع . ثم في الاكتفاء بتحريمها بكتابة أو رهن ، أو بيع بشرط الخيار : وجهان . وأطلقهما في الفروع ، والقواعد الأصولية . وأطلقهما في المحرر ، والحاوي في الكتابة . قطع في الكافي ، والمغني ، والشرح : أن الأخت لا تباح إذا رهنها أو كاتبها . وهو ظاهر كلام الخرقي ، والمصنف هنا . قال الزركشي : هذا الأشهر في الرهن . وقال : ظاهر إطلاق الإمام أحمد رحمه الله وكثير من الأصحاب : الاكتفاء بزوال الملك . ولو أمكنه الاسترجاع ، كهبتها لولده ، أو بيعها بشرط الخيار . وجزم ابن رزين في شرحه : أنه إذا رهنها ، أو كاتبها ، أو دبرها : لا تباح أختها . وقدم في الرعايتين : أنه يكفي كتابتها . واختاره القاضي ، وغيره . وهو ظاهر كلامه في الوجيز ، وابن عقيل في الجميع ، حيث قال : فإن وطئ إحداهما لم تحل الأخرى حتى يحرم الموطوءة بما لا يمكن أن يرفعه وحده . وجزم به ابن عبدوس في تذكرته . ولو أزال ملكه عن بعضها . فقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : كفاه ذلك . وهو قياس قول أصحابنا .

الثالثة : شمل قوله ( بإخراج عن ملكه ) . الإخراج بالبيع وغيره . وقد صرح به الأصحاب . فيحتمل أن يقال : هذا منهم مبني على القول بجواز التفريق ، على ما مر في كتاب الجهاد . [ ص: 128 ] لكن ينكر على ذلك ما قبل البلوغ . فإنه ليس فيه نزاع . ويحتمل أن يقال : يجوز البيع هنا للحاجة والمصلحة ، وإن منعناه في غيره . قال العلامة ابن رجب : أطلق الإمام أحمد رحمه الله والأصحاب : تحريم الثانية حتى يخرج الأولى عن ملكه ببيع أو غيره . فإن بنيت هذه المسألة على ما ذكره الأصحاب في التفريق : لزم أن لا يجوز التفريق بغير العتق ، فيما دون البلوغ . وبعده . على روايتين . ولم يتعرضوا هنا لشيء من ذلك . ولعله مستثنى من التفريق المحرم للحاجة ، وإلا لزم تحريم هذه الأمة بلا موجب . انتهى .

وسبقه إلى ذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى . قلت : فيعايى بها قوله ( فإن عادت إلى ملكه : لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ) . سواء كان وطئ الثانية أو لا . وهذا المذهب . قال في الفروع : هذا ظاهر نصوصه واختاره الخرقي . قال في القاعدة الأربعين : هذا الأشهر . وهو المنصوص . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأزجي ، ونظم المفردات . وقدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع . قال الزركشي : فإن عادت بعد وطء الأخرى : فالمنصوص في رواية جماعة وعليه عامة الأصحاب اجتنابهما حتى يحرم إحداهما . وإن عادت قبل وطء الأخرى : فظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، والخرقي وكثير من الأصحاب : أن الحكم كذلك . [ ص: 129 ] واختار المصنف ، والشارح ، والناظم : أنها إن عادت قبل وطء أختها فهي المباحة دون أختها . واختار المجد في المحرر : أنها إذا رجعت إليه ، بعد أن وطئ الباقية : أنه يقيم على وطئها ، ويجتنب الراجعة . وإن رجعت قبل وطء الباقية وطئ أيتهما شاء قال ابن نصر الله : هذا إذا عادت إليه على وجه لا يجب الاستبراء عليه . أما إن وجب الاستبراء : لم يلزمه ترك أختها حتى يستبرئها .

التالي السابق


الخدمات العلمية