الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (3) قوله تعالى : وأذان : رفع بالابتداء ، و "من الله" : إما صفة أو متعلق به . "وإلى الناس" الخبر . ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : وهذا إعلام ، والجاران متعلقان به كما تقدم في "براءة " . قال الشيخ : "ولا وجه لقول من قال إنه معطوف على "براءة" ، كما لا يقال "عمرو" معطوف على "زيد" في "زيد قائم وعمرو قاعد" . وهو [كما قال] ، وهذه عبارة [الزمخشري بعينها] [ ص: 7 ] وقرأ الضحاك وعكرمة وأبو المتوكل : "وإذن" بكسر الهمزة وسكون الذال . وقرأ العامة : "أن الله" بفتح الهمزة على أحد وجهين : إما كونه خبرا لـ "أذان" أي : الإعلام من الله براءته من المشركين- وضعف الشيخ هذا الوجه ولم يذكر تضعيفه- وإما على حذف حرف الجر أي : بأن الله . ويتعلق هذا الجار إما بنفس المصدر ، وإما بمحذوف على أنه صفته . و "يوم" منصوب بما تعلق به الجار في قوله : "إلى الناس" . وزعم بعضهم أنه منصوب بـ "أذان" وهو فاسد من وجهين : أحدهما : وصف المصدر قبل عمله . الثاني : الفصل بينه وبين معموله بأجنبي وهو الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن والأعرج بكسر الهمزة ، وفيه المذهبان المشهوران : مذهب البصريين إضمار القول ، ومذهب الكوفيين إجراء الأذان مجرى القول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : من المشركين متعلق بنفس "برئ" كما يقال : "برئت منه" ، وهذا بخلاف " براءة من الله " فإنها هناك تحتمل هذا ، وتحتمل أن تكون صفة لـ "براءة" .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ورسوله الجمهور على رفعه ، وفيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه مبتدأ والخبر محذوف أي : ورسوله بريء منهم ، وإنما حذف للدلالة عليه . والثاني : أنه معطوف على الضمير المستتر في الخبر ، وجاز ذلك للفصل المسوغ للعطف فرفعه على هذا بالفاعلية . الثالث : أنه معطوف على محل اسم "أن" ، وهذا عند من يجيز ذلك في المفتوحة قياسا على المكسورة . قال [ ص: 8 ] ابن عطية : "ومذهب الأستاذ- يعني ابن الباذش- على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه "أن" ؛ إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل ، وأنه لا فرق بين "أن" وبين" ليت " ، والإجماع على أن لا موضع لما دخلت عليه هذه" . قال الشيخ : "وفيه تعقب ؛ لأن علة كون "أن" لا موضع لما دخلت عليه ليس ظهور عمل العامل بدليل : " ليس زيد بقائم " و " ما في الدار من رجل "فإنه ظهر عمل العامل ولهما موضع ، وقوله : " بالإجماع "يريد أن " ليت " لا موضع لما دخلت عليه بالإجماع- ليس كذلك ؛ لأن الفراء خالف ، وجعل حكم " ليت " وأخواتها جميعها حكم " إن " بالكسر " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : قوله : " بدليل ليس زيد بقائم " إلى آخره قد يظهر الفرق بينهما فإن هذا العامل وإن ظهر عمله فهو في حكم المعدوم ؛ إذ هو زائد فلذلك اعتبرنا الموضع معه بخلاف " أن " بالفتح فإنه عامل غير زائد ، وكان ينبغي أن يرد عليه قوله : " وأن لا فرق بين " أن " وبين " ليت " ، فإن الفرق قائم ، وذلك أن حكم الابتداء قد انتسخ مع ليت ولعل وكأن لفظا ومعنى بخلافه مع إن وأن فإن معناه معهما باق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عيسى بن عمر وزيد بن علي وابن أبي إسحاق " ورسوله " بالنصب . وفيه وجهان ، أظهرهما : أنه عطف على لفظ الجلالة . والثاني : أنه مفعول معه ، قاله الزمخشري . وقرأ الحسن " ورسوله " بالجر وفيها وجهان ، أحدهما : أنه مقسم به أي : ورسوله إن الأمر كذلك ، وحذف جوابه لفهم المعنى . والثاني : أنه على الجوار ، كما أنهم نعتوا وأكدوا على الجوار ، وقد [ ص: 9 ] تقدم تحقيقه . وهذه القراءة يبعد صحتها عن الحسن للإبهام ، حتى يحكى أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ " ورسوله " بالجر . فقال الأعرابي : إن كان الله قد برئ من رسوله فأنا بريء منه ، فلببه القارئ إلى عمر رضي الله عنه ، فحكى الأعرابي الواقعة ، فحينئذ أمر عمر بتعليم العربية . ويحكى أيضا هذه عن أمير المؤمنين علي وأبي الأسود الدؤلي . قال أبو البقاء : " ولا يكون عطفا على المشركين لأنه يؤدي إلى الكفر " . وهذا من الواضحات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية