الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (46) قوله تعالى : وإما نرينك : " إما " هذه قد تقدم الكلام عليها مستوفى . وقال ابن عطية : " ولأجلها أي : لأجل زيادة " ما " جاز دخول النون الثقيلة ولو كانت " إن " وحدها لم يجز " يعني أن توكيد الفعل بالنون مشروط بزيادة " ما " بعد " إن " ، وهو مخالف لظاهر كلام سيبويه ، وقد جاء التوكيد في الشرط بغير " إن " كقوله : [ ص: 212 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2598 - من نثقفن منهم فليس بآيب أبدا وقتل بني قتيبة شافي



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خروف : " أجاز سيبويه الإتيان بـ " ما " وأن لا يؤتى بها ، والإتيان بالنون مع " ما " وأن لا يؤتى بها " والإراءة هنا من البصر ؛ ولذلك تعدى الفعل إلى اثنين بالهمزة أي : نجعلك رائيا بعض الموعودين " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فإلينا مرجعهم مبتدأ وخبر ، وفيه وجهان أظهرهما : أنه جواب للشرط وما عطف عليه ، إذ معناه صالح لذلك . وإلى هذا ذهب الحوفي وابن عطية . والثاني : أنه جواب لقوله " أو نتوفينك " ، وجواب الأول محذوف قال الزمخشري : " كأنه قيل : وإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك ، أو نتوفينك قبل أن نريك فنحن نريك في الآخرة " . قال الشيخ : " فجعل الزمخشري في الكلام شرطين لهما جوابان ، ولا حاجة إلى [تقدير] جواب محذوف لأن قوله " فإلينا مرجعهم " صالح لأن يكون جوابا للشرط والمعطوف عليه ، وأيضا فقول الزمخشري " فذاك " هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط فكان ينبغي أن يأتي بجملة يصح منها جواب الشرط إذ لا يفهم من قوله " فذاك " الجزء الذي حذف ، المتحصل به فائدة الإسناد " . قلت : قد تقرر أن اسم الإشارة قد يشار به إلى شيئين فأكثر وهو بلفظ الإفراد ، فكأن ذاك واقع موقع الجملة الواقعة جوابا ، ويجوز أن يكون قد حذف الخبر لدلالة المعنى عليه إذ التقدير : فذاك المراد أو المتمنى أو نحوه . وقوله : " إذ لا يفهم الجزء الذي حذف " إلى آخره ممنوع بل هو مفهوم كما رأيت ، وهي شيء يتبارد إليه الذهن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 213 ] قوله : ثم الله شهيد ليست هنا للترتيب الزماني بل هي لترتيب الأخبار لا لترتيب القصص في أنفسها . قال أبو البقاء : " كقولك زيد عالم ثم هو كريم " . وقال الزمخشري : " فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم ؟ قلت : ذكرت الشهادة ، والمراد مقتضاها ونتيجتها ، وهو العقاب ، كأنه قيل : ثم الله معاقب على ما يفعلونه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة " ثم " بفتح الثاء جعله ظرفا لشهادة الله ، فيكون " ثم " منصوبا بـ " شهيد " أي : الله شهيد عليهم في ذلك المكان ، وهو مكان حشرهم . ويجوز أن يكون ظرفا لمرجعهم أي : فإلينا مرجعهم يعني رجوعهم في ذلك المكان الذي يثاب فيه المحسن ويعاقب فيه المسيء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية