الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (17) قوله تعالى : أفمن كان فيه وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، تقديره : أفمن كان على هذه الأشياء كغيره ، كذا قدره أبو البقاء ، وأحسن منه " أفمن كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها " ، وحذف المعادل الذي دخلت عليه الهمزة كثيرة نحو : أفمن زين له سوء عمله أمن هو قانت إلى غير ذلك . وهذا الاستفهام بمعنى التقرير . الثاني : - وإليه نحا الزمخشري - أن هذا معطوف على شيء محذوف قبله ، تقديره : أمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها كمن كان على بينة ، أي : لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم ، يريد أن بين الفريقين تفاوتا ، والمراد من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام ، وهذا [ ص: 300 ] على قاعدته من تقديره معطوفا بين همزة الاستفهام وحرف العطف ، وهو مبتدأ أيضا ، والخبر محذوف كما تقدم تقريره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ويتلوه اختلفوا في هذه الضمائر ، أعني في " يتلوه " ، وفي " منه " ، وفي " قبله " : فقيل : الهاء في " يتلوه " تعود على " من " ، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الضميران في " منه " و " قبله " والمراد بالشاهد لسانه عليه السلام ، والتقدير : ويتلو ذلك الذي على بينة ، أي : ويتلو محمدا - أي صدق محمد - لسانه ، ومن قبله ، أي قبل محمد . وقيل : الشاهد هو جبريل ، والضمير في " منه " لله تعالى ، و " من قبله " للنبي . وقيل : الشاهد الإنجيل و " كتاب موسى " عطف على " شاهد " ، والمعنى أن التوراة والإنجيل يتلوان محمدا في التصديق ، وقد فصل بين حرف العطف والمعطوف بقوله : " من قبله " ، والتقدير : شاهد منه ، وكتاب موسى من قبله ، وقد تقدم الكلام على الفصل بين حرف العطف والمعطوف مشبعا في النساء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الضمير في " يتلوه " للقرآن وفي " منه " لمحمد عليه السلام . وقيل : لجبريل ، والتقدير : ويتلو القرآن شاهد من محمد وهو لسانه ، أو من جبريل . والهاء في " من قبله " أيضا للقرآن . وقيل : الهاء في " يتلوه " تعود على البيان المدلول عليه بالبينة . وقيل : المراد بالشاهد إعجاز القرآن ، فالضمائر الثلاثة للقرآن . وهذا كاف ، ووراء ذلك أقوال مضطربة غالبها يرجع لما ذكرت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ محمد بن السائب الكلبي " كتاب موسى " بالنصب وفيه [ ص: 301 ] وجهان ، أحدهما - وهو الظاهر - أنه معطوف على الهاء في " يتلوه " ، أي : يتلوه ويتلو كتاب موسى ، وفصل بالجار بين العاطف والمعطوف . والثاني : أنه منصوب بإضمار فعل . قال أبو البقاء : وقيل : تم الكلام عند قوله " منه " و " كتاب موسى " ، أي : ويتلو كتاب موسى " فقدر فعلا مثل الملفوظ به ، وكأنه لم ير الفصل بين العاطف والمعطوف فلذلك قدر فعلا .

                                                                                                                                                                                                                                      و " إماما ورحمة " منصوبان على الحال من " كتاب موسى " سواء أقرئ رفعا أم نصبا .

                                                                                                                                                                                                                                      والهاء في " به " يجوز أن تعود على " كتاب موسى " وهو أقرب مذكور . وقيل : بالقرآن ، وقيل : بمحمد ، وكذلك الهاء في " به " .

                                                                                                                                                                                                                                      والأحزاب : الجماعة التي فيها غلظة ، كأنهم لكثرتهم وصفوا بذلك ، ومنه وصف حمار الوحش بـ " حزابية " لغلظه . والأحزاب : جمع حزب وهو جماعة الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      و " المرية " بكسر الميم وضمها الشك ، لغتان أشهرهما الكسر ، وهي لغة أهل الحجاز ، وبها قرأ جماهير الناس ، والضم لغة أسد وتميم ، وبها قرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي . و " وأولئك " إشارة إلى من كان على بينة ، جمع على معناها ، وهذا إن أريد بـ " من كان " النبي وصحابته ، وإن أريد هو وحده فيجوز أن يكون عظمه بإشارة الجمع كقوله : [ ص: 302 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2644 - فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

                                                                                                                                                                                                                                      و " موعده " اسم مكان وعده ، قال حسان رضي الله عنه :


                                                                                                                                                                                                                                      2645 - أوردتموها حياض الموت ضاحية     فالنار موعدها والموت ساقيها .

                                                                                                                                                                                                                                      (18) والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب ، أو جمع شهيد كشريف وأشراف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية