الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (42) قوله تعالى : لو كان عرضا : اسم كان ضمير يعود على ما دل عليه السياق ، أي : لو كان ما دعوتهم إليه . وقرأ عيسى بن عمر والأعرج " بعدت " بكسر العين . وقرأ عيسى " الشقة " بكسر الشين أيضا . قال أبو حاتم : " هما لغة تميم " .

                                                                                                                                                                                                                                      والشقة : الأرض التي يشق ركوبها اشتقاقا من الشق أو المشقة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : بالله متعلق بـ " سيحلفون " ، وقال الزمخشري : " بالله " متعلق بـ " سيحلفون " ، أو هو من جملة كلامهم ، والقول مراد في الوجهين ، أي : سيحلفون ، يعني المتخلفين عند رجوعك متعذرين يقولون : بالله لو استطعنا ، أو وسيحلفون بالله يقولون : لو استطعنا ، وقوله " لخرجنا " سد مسد جواب القسم و " لو " جميعا " . قال الشيخ : " قوله : لخرجنا سد مسد [ ص: 54 ] جواب القسم و " لو " جميعا ليس بجيد ، بل للنحويين في نحو هذا مذهبان ، أحدهما : أن " لخرجنا " جواب القسم ، وجواب " لو " محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط ، إذ تقدم القسم على الشرط ، وهذا اختيار أبي الحسن ابن عصفور . والآخر : أن " لخرجنا " جواب " لو " ، و " لو " وجوابها جواب القسم ، وهذا اختيار ابن مالك ، أما أن " لخرجنا " ساد مسدهما فلا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك . ويحتمل أن يتأول كلامه على أنه لما حذف جواب " لو " ودل عليه جواب القسم جعل كأنه سد مسد جواب القسم وجواب لو "

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش وزيد بن علي " لو استطعنا " بضم الواو ، كأنهما فرا من الكسرة على الواو ، وإن كان الأصل ، وشبها واو " لو " بواو الضمير كما شبهوا واو الضمير بواو " لو " ، حيث كسروها نحو " اشتروا الضلالة " لالتقاء الساكنين . وقرأ الحسن " اشتروا الضلالة " ، و " لو استطعنا " بفتح الواو تخفيفا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله " : يهلكون في هذه الجملة ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها حال من فاعل " سيحلفون " ، أي : سيحلفون مهلكين أنفسهم . والثاني : أنها بدل من الجملة قبلها وهي " سيحلفون " . الثالث : أنها حال من فاعل " لخرجنا " . وقد ذكر الزمخشري هذه الأوجه الثلاثة ، فقال : " يهلكون : إما أن يكون بدلا من " سيحلفون " أو حالا بمعنى مهلكين . والمعنى : أنهم يوقعون في الهلاك أنفسهم بحلفهم الكاذب . ويحتمل أن يكون حالا من فاعل " خرجنا " ، أي : لخرجنا [ ص: 55 ] وإن أهلكنا أنفسنا . وجاء بلفظ الغائب لأنه مخبر عنهم ، ألا ترى أنه لو قيل : سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا ، يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن ، فالغيبة على حكم الإخبار ، والتكلم على الحكاية " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : " أما كون " يهلكون " بدلا من " سيحلفون " فبعيد ؛ لأن الإهلاك ليس مرادفا للحلف ولا هو نوع منه ، ولا يبدل فعل من فعل إلا إن كان مرادفا له أو نوعا منه " قلت : يصح البدل على معنى أنه بدل اشتمال ؛ وذلك لأن الحلف سبب للإهلاك فهو مشتمل عليه ، فأبدل المسبب من سببه لاشتماله عليه ، وله نظائر كثيرة منها قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2487 - إن علي الله أن تبايعا تؤخذ كرها أو تجيء طائعا



                                                                                                                                                                                                                                      فـ " تؤخذ " بدل من " تبايع " بدل اشتمال بالمعنى المذكور ، وليس أحدهما نوعا من الآخر . ثم قال الشيخ : " وأما كونه حالا من قوله " لخرجنا " فيه ضمير المتكلم ، فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم ، فلو كان حالا من فاعل " لخرجنا " " لكان التركيب : نهلك أنفسنا أي مهلكي أنفسنا . وأما قياسه ذلك على " حلف زيد ليفعلن " و " لأفعلن " فليس بصحيح ؛ لأنه إذا أجراه على ضمير الغيبة لا يخرج منه إلى ضمير المتكلم ، لو قلت : " حلف زيد ليفعلن وأنا قائم " على أن يكون " وأنا قائم " حالا من ضمير " ليفعلن " لم يجز ، وكذا عكسه نحو : " حلف زيد لأفعلن يقوم " تريد : قائما لم يجز . وأما قوله " وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم " فمغالطة ، ليس مخبرا عنهم بقوله " لو استطعنا لخرجنا " ، بل هو حاك لفظ قولهم . ثم قال : " ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا [ ص: 56 ] لخرجوا لكان سديدا إلى آخره " كلام صحيح لكنه تعالى لم يقل ذلك إخبارا عنهم ، بل حكاية ، والحال من جملة كلامهم المحكي ، فلا يجوز أن يخالف بين ذي الحال وحاله لاشتراكهما في العامل . لو قلت : " قال زيد خرجت يضرب خالدا " تريد : اضرب خالدا ، لم يجز . ولو قلت : " قالت هند : خرج زيد اضرب خالدا " تريد : خرج زيد ضاربا خالدا لم يجز " انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أنها جملة استئنافية أخبر الله عنهم بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية