الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 332 ] آ . (43) قوله تعالى : لا عاصم اليوم : فيه أقوال ، أحدها : أنه استثناء منقطع ، وذلك أن تجعل عاصما على حقيقته ، ومن رحم هو المعصوم ، وفي " رحم " ضمير مرفوع يعود على الله تعالى ، ومفعوله ضمير الموصول وهو " من " حذف لاستكمال الشروط ، والتقدير : لا عاصم اليوم البتة من أمر الله ، لكن من رحمه الله فهو معصوم . الثاني : أن يكون المراد بـ " من رحم " هو الباري تعالى كأنه قيل : لا عاصم اليوم إلا الراحم . الثالث : أن عاصما بمعنى معصوم ، وفاعل قد يجيء بمعنى مفعول نحو : ماء دافق ، أي : مدفوق ، وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                      2666 - بطيء القيام رخيم الكلا م أمسى فؤادي به فاتنا

                                                                                                                                                                                                                                      أي مفتونا ، و " من " مراد بها المعصوم ، والتقدير : لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله فإنه يعصم . الرابع : أن يكون " عاصم " هنا بمعنى النسب ، أي : ذا عصمة نحو : لابن وتامر ، وذو العصمة ينطلق على العاصم وعلى المعصوم ، والمراد به هنا المعصوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو على هذه التقادير استثناء متصل ، وقد جعله الزمخشري متصلا لمدرك آخر ، وهو حذف مضاف تقديره : لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد ، وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم ، يعني في السفينة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما خبر " لا " فالأحسن أن يجعل محذوفا ، وذلك لأنه إذا دل عليه دليل وجب حذفه عند تميم ، وكثر عند الحجاز ، والتقدير : لا عاصم موجود . وجوز الحوفي وابن عطية أن يكون خبرها هو الظرف وهو اليوم . قال الحوفي : [ ص: 333 ] " ويجوز أن يكون " اليوم " خبرا فيتعلق بالاستقرار ، وبه يتعلق من أمر الله . وقد رد أبو البقاء ذلك فقال : " فأما خبر " لا " فلا يجوز أن يكون " اليوم " ؛ لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، بل الخبر من أمر الله و " اليوم " معمول من أمر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما " اليوم " و من أمر الله فقد تقدم أن بعضهم جعل أحدها خبرا ، فيتعلق الآخر بالاستقرار الذي يتضمنه الواقع خبرا . ويجوز في " اليوم " أن يتعلق بنفس من أمر الله لكونه بمعنى الفعل . وجوز الحوفي أن يكون " اليوم " نعتا لـ " عاصم " ، وهو فاسد بما أفسد بوقوعه خبرا عن الجثث .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ ( إلا من رحم ) مبنيا للمفعول ، وهي مقوية لقول من يدعي أن " من رحم " في قراءة العامة المراد به المرحوم لا الراحم ، كما تقدم تأويله . ولا يجوز أن يكون " اليوم " ولا من أمر الله متعلقين بـ " عاصم " وكذلك الواحد منهما ؛ لأنه كان يكون الاسم مطولا ، ومتى كان مطولا أعرب ، ومتى أعرب نون ، ولا عبرة بخلاف الزجاج : حيث زعم أن اسم " لا " معرب حذف تنوينه تخفيفا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية