الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (34) قوله تعالى : إن أردت أن أنصح لكم إن كان : قد تقدم حكم توالي الشرطين وأن ثانيهما قيد في الأول . وأنه لا بد من سبقه للأول . وقال الزمخشري هنا : " إن كان الله " جزاؤه ما دل عليه قوله : " لا ينفعكم نصحي " ، وهذا الدليل في حكم ما دل عليه ، فوصل بشرط ، كما وصل الجزاء بالشرط في قوله " إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : " حكم الشرط إذا دخل على الشرط أن يكون الشرط الثاني والجواب جوابا للشرط الأول نحو : " إن أتيتني إن كلمتني أكرمتك " فقولك " إن كلمتني أكرمتك " : جواب " إن أتيتني " جميع ما بعده ، وإذا كان كذلك صار الشرط الأول في الذكر مؤخرا في المعنى ، حتى إن أتاه ثم كلمه لم يجب الإكرام ، ولكن إن كلمه ثم أتاه وجب الإكرام ، وعلة ذلك أن الجواب صار معوقا بالشرط الثاني ، وقد جاء في القرآن منه إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ] قلت : أما قوله : " إن وهبت ... أن أراد " فظاهره - وظاهر القصة المروية - يدل على عدم اشتراط تقدم الشرط الثاني على الأول ، وذلك أن إرادته عليه السلام للنكاح إنما هو مرتب على هبة المرأة نفسها له ، وكذا الواقع في القصة لما وهبت أراد نكاحها ، ولم يرو أنه أراد نكاحها فوهبت ، وهو يحتاج إلى جواب ، وسيأتي هذا إن شاء الله في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية هنا : " وليس نصحي لكم بنافع ، ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا أراد الله تعالى بكم الإغواء ، والشرط الثاني اعتراض بين الكلام ، وفيه بلاغة من اقتران الإرادتين ، وأن إرادة البشر غير مغنية ، وتعلق هذا الشرط هو " بنصحي " ، وتعلق الآخر بـ " لا ينفع " .

                                                                                                                                                                                                                                      وتلخص من ذلك أن الشرط مدلول على جوابه بقوله : " ولا ينفعكم " لأنه عقبه ، وجواب الثاني أيضا ما دل على جواب الأول ، وكأن التقدير : وإن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي . وهو من حيث المعنى كالشرط إذا كان بالفاء نحو : إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور " نصحي " بضم النون وهو يحتمل وجهين ، أحدهما : المصدرية كالشكر والكفر . والثاني : أنه اسم لا مصدر . وقرأ عيسى ابن عمر " نصحي " بفتح النون ، وهو مصدر فقط .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي غضون كلام الزمخشري : " إذا عرف الله " وهذا لا يجوز ؛ لأن الله تعالى لا يسند إليه هذا الفعل ولا يوصف بمعناه ، وقد تقدم علة ذلك غير [ ص: 321 ] مرة . وفي غضون كلام الشيخ " وللمعتزلي أن يقول : لا يتعين أن تكون " إن " شرطية بل هي نافية والمعنى : ما كان الله يريد أن يغويكم " . قلت : لا أظن أحدا يرضى بهذه المقالة وإن كانت توافق مذهبه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية