الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (46) قوله تعالى : عمل غير صالح : قرأ الكسائي " عمل " فعلا ماضيا ، و " غير " نصبا ، والباقون " عمل " بفتح الميم وتنوينه على أنه اسم ، و " غير " بالرفع . فقراءة الكسائي : الضمير فيها يتعين عوده على ابن نوح ، وفاعل " عمل " ضمير يعود عليه أيضا ، و " غير " مفعول به . ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : عمل عملا غير صالح كقوله واعملوا صالحا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة الباقين ففي الضمير أوجه ، أظهرها : أنه عائد على ابن نوح ، ويكون في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في " رجل عدل " . والثاني : أنه يعود على النداء المفهوم من قوله " ونادى " ، أي : نداؤك وسؤالك . وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكي والزمخشري . وهذا فيه خطر عظيم ، كيف يقال ذلك في حق نبي من الأنبياء ، فضلا عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض من بعد آدم عليهما السلام ؟ ولما حكاه أبو القاسم قال : " وليس [ ص: 337 ] بذاك " ولقد أصاب . واستدل من قال بذلك أن في حرف عبد الله بن مسعود " إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم " وهذا مخالف للسواد .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أنه يعود على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله " اركب معنا " . الرابع : أنه يعود على تركه الركوب وكونه مع المؤمنين ، أي : إن تركه الركوب مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عمل غير صالح ، وعلى الأوجه الثلاثة لا يحتاج في الإخبار بالمصدر [إلى] تأويل ، لأن كليهما معنى من المعاني ، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح عليه السلام ، أي : إن نوحا قال : إن كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا غير صالح ، بخلاف ما تقدم فإنه من قول الله تعالى فقط ، هكذا قال مكي وفيه نظر ، بل الظاهر أن الكل من كلام الله تعالى . قال الزمخشري : " فإن قلت : هلا قيل : إنه عمل فاسد . قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستبقي معها لفظ المنفي ، وآذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى لصلاحهم لا لأنهم أهلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فلا تسألني قرأ نافع وابن عامر " فلا تسألن " بتشديد النون مكسورة من غير ياء . وابن كثير بتشديدها مع الفتح ، وأبو عمرو والكوفيون بنون مكسورة خفيفة ، وياء وصلا [لأبي عمرو] ، ودون ياء في [الحالين] للكوفيين . وفي الكهف فلا تسألني عن شيء قرأه أبو عمرو [ ص: 338 ] والكوفيون كقراءتهم هنا ، وافقهم ابن كثير في الكهف ، وأما نافع وابن عامر فكقراءتهما هنا ، ولابن ذكوان خلاف في ثبوت الياء وحذفها ، وإنما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهف ؛ لأن الياء في هود ساقطة في الرسم ، فكانت قراءته بفتح النون محتملة بخلاف الكهف فإن الياء ثابتة في الرسم فلا يوافق فيه فتحها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم خلاف ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهف .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن خفف النون فهي نون الوقاية وحدها ، ومن شددها فهي نون التوكيد . وابن كثير لم يجعل في هود الفعل متصلا بياء المتكلم ، والباقون جعلوه ، فلزمهم الكسر . وقد تقدم أن " سأل " يتعدى لاثنين أولهما ياء المتكلم ، والثاني ما ليس لك به علم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله أن تكون على حذف حرف الجر ، أي : من أن تكون أو لأجل أن ، وقوله ما ليس لك به علم يجوز في " به " أن يتعلق بـ " علم " . قال الفارسي : " ويكون مثل قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2669 - كان جزائي بالعصا أن أجلدا



                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به " لك " . والباء بمعنى " في " ، أي : ما ليس لك به علم . وفيه نظر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية