الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (71) قوله تعالى : وامرأته قائمة : في محل نصب على الحال من مرفوع " أرسلنا " . وقال أبو البقاء : " من ضمير الفاعل في " أرسلنا " وهي عبارة غير مشهورة ، إذ مفعول ما لم يسم فاعله لا يطلق عليه فاعل على المشهور ، وعلى الجملة فجعلها حالا غير واضح بل هي استئناف إخبار ، ويجوز جعلها حالا من فاعل " قالوا " أي : قالوا ذلك في حال قيام امرأته .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فضحكت العامة على كسر الحاء ، وقرأ محمد بن زياد الأعرابي - رجل من مكة - بفتحها ، وهي لغتان ، يقال : ضحك وضحك . وقال المهدوي : " الفتح غير معروف " . والجمهور على أن الضحك على بابه . واختلف أهل التفسير في سببه ، وقيل : بمعنى حاضت ، ضحكت الأرنب : أي : حاضت ، وأنكره أبو عبيدة وأبو عبيد والفراء . وأنشد غيرهم على ذلك : [ ص: 355 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2681 - وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2682 - وعهدي بسلمى ضاحكا في لبانة     ولم يعد حقا ثديها أن يحملا

                                                                                                                                                                                                                                      أي : حائضا . وضحكت الكافورة : تشققت . وضحكت الشجرة : سال صمغها . وضحك الحوض : امتلأ وفاض . وظاهر كلام أبي البقاء أن ضحك بالفتح مختص بالحيض فإنه قال : " بمعنى حاضت ، يقال : ضحكت الأرنب بفتح الحاء " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يعقوب قرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بفتح الباء ، والباقون برفعها . فأما القراءة الأولى فاختلفوا فيها : هل الفتحة علامة نصب أو جر ؟ والقائلون بأنها علامة نصب اختلفوا : فقيل : هو منصوب عطفا على قوله : " بإسحاق " قال الزمخشري : " كأنه قيل : ووهبنا له إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2683 - ... ... ... ... ليسوا مصلحين عشيرة     ولا ناعب ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      يعني أنه عطف على التوهم فنصب ، كما عطف الشاعر على توهم وجود الباء في خبر " ليس " فجر ، ولكنه لا ينقاس . وقيل : هو منصوب بفعل مقدر تقديره : ووهبنا يعقوب ، وهو على هذا غير داخل في البشارة . ورجح [ ص: 356 ] الفارسي هذا الوجه . وقيل : هو منصوب عطفا على محل " بإسحاق " لأن موضعه نصب كقوله : وأرجلكم بالنصب عطفا على " برءوسكم " . والفرق بين هذا والوجه الأول : أن الأول ضمن الفعل معنى : " وهبنا " توهما ، وهنا باق على مدلوله من غير توهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قال بأنه مجرور جعله عطفا على " بإسحاق " والمعنى : أنها بشرت بهما . وفي هذا الوجه والذي قبله بحث : وهو الفصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف ، وقد تقدم ذلك مستوفى في النساء فعليك بالالتفات إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      ونسب مكي الخفض للكسائي ثم قال : " وهو ضعيف إلا بإعادة الخافض ، لأنك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " بإعادة الخافض " ليس ذلك لازما ، إذ لو قدم ولم يفصل لم يلتزم الإتيان به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة الرفع ففيها أوجه ، أحدها : أنه مبتدأ وخبره الظرف السابق فقدره الزمخشري " مولود أو موجود " وقدره غيره بكائن . ولما حكى النحاس هذا قال : " والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب " . والثاني : أنه مرفوع على الفاعلية بالجار قبله ، وهذا يجيء [ ص: 357 ] على رأي الأخفش . والثالث : أن يرتفع بإضمار فعل أي : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب ، ولا مدخل له في البشارة . والرابع : أنه مرفوع على القطع يعنون الاستئناف ، وهو راجع لأحد ما تقدم من كونه مبتدأ وخبرا ، أو فاعلا بالجار بعده ، أو بفعل مقدر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية