الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (89) قوله تعالى : لا يجرمنكم : العامة على فتح ياء المضارعة من جرم ثلاثيا . وقرأ الأعمش وابن وثاب بضمها من أجرم . وقد تقدم أن " جرم " يتعدى لواحد ولاثنين مثل كسب ، فيقال : جرم زيد مالا نحو : كسبه ، وجرمته ذنبا ، أي : كسبته إياه فهو مثل كسب ، وأنشد الزمخشري على تعديه لاثنين قول الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 377 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2698 - ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

                                                                                                                                                                                                                                      فيكون الكاف والميم هو المفعول الأول ، والثاني هو : أن يصيبكم أي : لا تكسبنكم عداوتي إصابة العذاب . وقد تقدم أن جرم وأجرم بمعنى ، أو بينهما فرق . ونسب الزمخشري ضم الياء من أجرم لابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      والعامة أيضا على ضم لام " مثل " رفعا على أنه فاعل " يصيبكم " ، وقرأ مجاهد والجحدري بفتحها ، وفيها وجهان ، أحدهما : أنها فتحة بناء وذلك أنه فاعل كحاله في القراءة المشهورة ، وإنما بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله تعالى : إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون وكقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2699 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت     حمامة في غصون ذات أوقال

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم تحقيق هذه القاعدة في الأنعام . والثاني : أنه نعت لمصدر محذوف فالفتحة للإعراب ، والفاعل على هذا مضمر يفسره سياق الكلام ، أي : يصيبكم العذاب إصابة مثل ما أصاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ببعيد أتى بـ " بعيد " مفردا وإن كان خبرا عن جمع لأحد أوجه : إما لحذف مضاف تقديره : وما إهلاك قوم ، وإما باعتبار زمان ، أي : بزمان بعيد ، وإما باعتبار مكان ، أي : بمكان بعيد ، وإما باعتبار موصوف غيرهما ، أي : بشيء بعيد ، كذا قدره الزمخشري ، وتبعه الشيخ ، وفيه إشكال من [ ص: 378 ] حيث إن تقديره بزمان يلزم فيه الإخبار بالزمان عن الجثة . وقال الزمخشري أيضا : " ويجوز أن يسوى في " قريب " و " بعيد " و " قليل " و " كثير " بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر التي هي كالصهيل والنهيق ونحوهما " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية