الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (3) قوله تعالى : وأن استغفروا : فيها وجهان : أحدهما : أنه عطف على " أن " الأولى سواء كانت " لا " بعدها نفيا أو نهيا ، فتعود الأوجه المنقولة فيها إلى " أن " هذه . والثاني : أن تكون منصوبة على الإغراء . قال [ ص: 282 ] الزمخشري في هذا الوجه : " ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم إغراء منه على اختصاص الله تعالى بالعبادة ، ويدل عليه قوله : إني لكم منه نذير وبشير كأنه قال : ترك عبادة غير الله إنني لكم منه نذير كقوله تعالى : فضرب الرقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ثم توبوا عطف على ما قبله من الأمر بالاستغفار و " ثم " على بابها من التراخي لأنه يستغفر أولا ثم يتوب ويتجرد من ذلك الذنب المستغفر منه . قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " ثم " في قوله ثم توبوا إليه ؟ قلت : معناه : استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة ، أو استغفروا - والاستغفار توبة - ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها كقوله تعالى : ثم استقاموا . قلت : قوله : " أو استغفروا " إلى آخره يعني أن بعضهم جعل الاستغفار والتوبة بمعنى واحد ، فلذلك احتاج إلى تأويل " توبوا " بـ " أخلصوا التوبة " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يمتعكم جواب الأمر . وقد تقدم الخلاف في الجازم : هل هو نفس الجملة الطلبية أو حرف شرط مقدر . وقرأ الحسن وابن هرمز وزيد بن علي وابن محيصن " يمتعكم " بالتخفيف من أمتع ، وقد تقدم أن نافعا وابن عامر قرأ فأمتعه قليلا في البقرة بالتخفيف كهذه القراءة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : متاعا في نصبه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على المصدر [ ص: 283 ] بحذف الزوائد ، إذ التقدير : تمتيعا فهو كقوله : أنبتكم من الأرض نباتا . والثاني : أنه ينتصب على المفعول به ، والمراد بالمتاع اسم ما يتمتع به فهو كقولك : " متعت زيدا أثوابا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كل ذي فضل فضله " كل " مفعول أول ، و " فضله " مفعول ثان ، وقد تقدم للسهيلي خلاف في ذلك . والضمير في " فضله " يجوز أن يعود على الله تعالى ، أي : يعطي كل صاحب فضل فضله ، أي : ثوابه ، وأن يعود على لفظ كل ، أي : يعطي كل صاحب فضل جزاء فضله ، لا يبخس منه شيئا أي : جزاء عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وإن تولوا قرأ الجمهور " تولوا " بفتح التاء والواو واللام المشددة ، وفيها احتمالان ، أحدهما : أن الفعل مضارع تولى ، وحذف منه إحدى التاءين تخفيفا نحو : تنزل ، وقد تقدم : أيتهما المحذوفة ، وهذا هو الظاهر ، ولذلك جاء الخطاب في قوله " عليكم " . والثاني : أنه فعل ماض مسند لضمير الغائبين ، وجاء الخطاب على إضمار القول ، أي : فقل لهم : إني أخاف عليكم ، ولولا ذلك لكان التركيب : فإني أخاف عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ اليماني وعيسى بن عمر : " تولوا " بضم التاء وفتح الواو وضم اللام ، وهو مضارع ولى كقولك زكى يزكي . ونقل صاحب " اللوامح " عن اليماني وعيسى : " وإن تولوا " بثلاث ضمات مبنيا للمفعول . قلت : ولم يبين ما هو ولا تصريفه ؟ وهو فعل ماض ، ولما بني للمفعول ضم أوله على الفاعل ، وضم ثانيه أيضا ؛ لأنه مفتتح بتاء مطاوعة وكل ما افتتح بتاء مطاوعة ضم أوله وثانيه ، وضمت اللام أيضا وإن كان أصلها الكسر لأجل واو الضمير ، والأصل " توليوا " نحو : تدحرجوا ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فحذفت فالتقى [ ص: 284 ] ساكنان ، فحذفت الياء لأنها أولهما ، فبقي ما قبل واو الضمير مكسورا فضم ليجانس الضمير ، فصار وزنه تفعوا بحذف لامه ، والواو قائمة مقام الفاعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعرج " تولوا " بضم التاء وسكون الواو وضم اللام مضارع أولى ، وهذه القراءة لا يظهر لها معنى طائل هنا ، والمفعول محذوف يقدر لائقا بالمعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      و " كبير " صفة لـ " يوم " مبالغة لما يقع فيه من الأهوال وقيل : بل " كبير " صفة لـ " عذاب " فهو منصوب وإنما خفض على الجوار كقولهم : " هذا جحر ضب خرب " بجر " خرب " وهو صفة لـ " جحر " وقول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      2634 - كأن ثبيرا في عرانين وبله كبير أناس في بجاد مزمل

                                                                                                                                                                                                                                      بجر " مزمل " وهو صفة لـ " كبير " . وقد تقدم القول في ذلك مشبعا في سورة المائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية