وقوله : حقا مصدر آخر مؤكد لمعنى هذا الوعد ، وناصبه مضمر ، أي : أحق ذلك حقا . وقيل : انتصب " حقا " بـ " وعد " على تقدير " في " ، أي : وعد الله في حق ، يعني على التشبيه بالظرف . وقال : " التقدير : وقت حق " وأنشد : الأخفش الصغير
2566 - أحقا عباد الله أن لست ذاهبا ولا والجا إلا علي رقيب
قوله : إنه يبدأ الجمهور على كسر الهمزة للاستئناف . وقرأ عبد الله وابن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب بفتحها . وفيها تأويلات ، أحدها : أن تكون فاعلا بما نصب " حقا " ، أي : حق حقا بدء الخلق ، ثم إعادته ، كقوله :
2567 - أحقا عباد الله أن لست جائيا ... ... ... ...
البيت . وهو مذهب فإنه قال : " والتقدير : يحق أنه يبدأ الخلق . الثاني : أنه منصوب بالفعل الذي نصب " وعد الله " أي : وعد الله تعالى بدء الخلق ثم إعادته ، والمعنى إعادة الخلق بعد بدئه . الثالث : أنه [ ص: 149 ] على حذف لام الجر أي : لأنه ذكر هذه الأوجه الثلاثة الفراء وغيره . الرابع : أنه بدل من " وعد الله " قاله الزمخشري . الخامس : أنه مرفوع بنفس " حقا " أي : بالمصدر المنون ، وهذا إنما يتأتى على جعل " حقا " غير مؤكد ؛ لأن المصدر المؤكد لا عمل له إلا إذا ناب عن فعله ، وفيه بحث . السادس : أن يكون " حقا " مشبها بالظرف خبرا مقدما و " أنه " في محل رفع مبتدأ مؤخرا كقولهم : أحقا أنك ذاهب قالوا : تقديره : أفي حق ذهابك . ابن عطية
وقرأ : " حق أنه " برفع [حق] وفتح " أن " على الابتداء والخبر . قال الشيخ : " وكون حق " خبر مبتدأ ، و " أنه " هو المبتدأ هو الوجه في الإعراب ، كما تقول : " صحيح أنك تخرج " لأن [اسم] " أن " معرفة ، والذي تقدمها في هذا المثال نكرة " قلت : فظاهر هذه العبارة يشعر بجواز العكس ، وهذا قد ورد في باب " إن " كقوله : ابن أبي عبلة
2568 - وإن حراما أن أسب مجاشعا بآبائي الشم الكرام الخضارم
2569 - وإن شفاء عبرة أن سفحتها وهل عند رسم دارس من معول ...
2570 - ... ... ... ... ولا يك موقف منك الوداعا
وقوله :
2571 - ... ... ... ... يكون مزاجها عسل وماء
وقال : " وأجاز مكي رفع " وعد " ، يجعله خبرا لـ " مرجعكم " . الفراء
وأجاز رفع " وعد " و " حق " على الابتداء والخبر ، وهو حسن ، ولم يقرأ به أحد " . قلت : نعم لم يرفع وعد وحق معا أحد ، وأما رفع " حق " وحده فقد تقدم أن قرأه ، وتقدم توجيهه . ولا يجوز أن يكون " وعد الله " عاملا في " أنه " لأنه قد وصف بقوله " حقا " قاله ابن أبي عبلة أبو الفتح .
وقرئ " وعد الله " بلفظ الفعل الماضي ورفع الجلالة فاعلة ، وعلى هذه يكون " أنه يبدأ " معمولا له إن كان هذا القارئ يفتح " أنه " .
والجمهور على " يبدأ " بفتح الياء من بدأ ، وابن أبي طلحة " يبدئ " من أبدأ ، وبدأ وأبدأ بمعنى .
[ ص: 151 ] قوله : ليجزي متعلق بقوله " ثم يعيده " ، و " بالقسط " متعلق بـ " يجزي " . ويجوز أن يكون حالا : إما من الفاعل أو المفعول أي : يجزيهم ملتبسا بالقسط أو ملتبسين به . والقسط : العدل .
قوله : والذين كفروا يحتمل وجهين ، أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والجملة بعده [خبره] . الثاني : أن يكون منصوبا عطفا على الموصول قبله ، وتكون الجملة بعده مبينة لجزائهم . و " شراب " [يجوز أن] يكون فاعلا ، وأن يكون مبتدأ ، [والأول أولى] .
قوله : بما كانوا الظاهر تعلقه بالاستقرار المضمر في الجار الواقع خبرا ، والتقدير : استقر لهم شراب من جهنم وعذاب أليم بما كانوا . وجوز فيه وجهين - ولم يذكر غيرهما - الأول : أن يكون صفة أخرى لـ " عذاب " . والثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وهذا لا معنى له ولا حاجة إلى العدول عن الأول . أبو البقاء