[ ص: 321 ] 979 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حب الغنى الذي يتوهم بعض الناس أنه الغنى من المال ، وما روي عنه في ذلك من سؤال الله عز وجل الغنى .
6050 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو بكر الحنفي بكير بن مسمار قال : سمعت - عامر بن سعد بن أبي وقاص في إبل له وغنم - فأتاه ابنه سعد بن أبي وقاص عمر ، فلما رآه قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما انتهى إليه قال : يا أبت أرضيت أن تكون في إبلك وغنمك والناس بالمدينة يتنازعون في الملك ؟ فضرب سعد صدر عمر بيده ، ثم قال : اسكت يا بني ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله عز وجل يحب العبد التقي الغني الخفي وكان .
[ ص: 322 ]
6051 - وحدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق أبي الأحوص .
عن قال : عبد الله كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفة والغنى .
[ ص: 323 ] قال : فقال قائل : في الحديث الأول من هذين الحديثين أن الله تعالى يحب من عباده الغني ، وفي الحديث الثاني منهما : سؤاله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل الغنى ، ففي ذلك ما قد دل على تفضيله الغني على الفقير . أبو جعفر
فكان جوابنا له في ذلك : أن الغنى المذكور في هذين الحديثين ليس هو الغنى بالمال ، وكيف يظن ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روى عنه ما قد ذكرنا فيما قد تقدم منا في كتابنا هذا أنه قال : ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي علي ليلة وعندي منه دينار ، إلا دينارا أرصده لدين ، أو أقول به في عباد الله هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، ولكن الغنى المذكور في هذين الحديثين - والله أعلم - غنى النفس القاطع عن المال الذي يقطع عن طاعات الله عز وجل ، ويشغل القلوب عما سواه ويقطعه عنه . أبو ذر
6052 - كما حدثنا ، أخبرني يونس ، عن أنس بن عياض ، عن محمد [ ص: 324 ] بن عمرو بن علقمة . أبي سلمة
عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة ليس الغنى عن كثرة العرض ، إنما الغنى غنى النفس .
فالغنى المحمود في الحديثين الأولين هو : هذا الغنى الذي تتفرغ به القلوب عن الدنيا ، وعن الاهتمام لها ، وتقبل معها إلى أضداد ذلك مما يحمده الله عز وجل من أهله ، وكيف يجوز أن يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف هذا ، أو يكون أحد عند الله بمنزلة أفضل من المنزلة التي هو صلى الله عليه وسلم عليها من الأحوال التي هي أضداد ما ظن هذا القائل أنه صلى الله عليه وسلم أراده في الحديثين اللذين ذكرناهما في هذا الباب ، وبالله التوفيق .