[ ص: 344 ] 850 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان منه في بروع ابنة واشق ، وتصحيح أسانيده عنه ، وبيان ما فيه من الأحكام
5318 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، عن همام ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو عبد الله بن عتبة ، وعن أبي حسان ، عن عبد الله بن عتبة : في رجل تزوج امرأة ، فمات عنها ولم يفرض لها ، ولم يدخل بها ، فاختلفوا إليه شهرا ، ثم قضى أن لها صدقة نسائها ، ولها الميراث ، وعليها العدة ، ثم قال : إن يك صوابا ، فمن الله - عز وجل - وإن يك خطأ ، فمني ابن مسعود . أنه اختلف إلى
فقام الجراح ، وأبو سنان بروع ابنة واشق الأشجعية ، وكان زوجها هلال بن مروان . فشهدا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في
[ ص: 345 ] قال : ولا نعلم أحدا خالف أبو جعفر هماما في إسناد هذا الحديث .
5319 - وحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : علقمة عبد الله في امرأة توفي عنها زوجها ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، فترددوا إليه ، فلم يفتهم ، فلم يزالوا به حتى قال : إني سأقول برأيي ، إني أرى لها صدقة نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام ، فشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في معقل بن سنان بروع ابنة واشق الأشجعية بمثل ما قضيت ، ففرح عبد الله . أتي
[ ص: 346 ]
5320 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، ثم ذكر مثله سواء ، غير أنه لم يقل : صدقة نسائها ، وقال : عبد الله صداق مثلها . قال سفيان : وبه نأخذ .
قال : ولا نعلم أحدا من رواة هذا الحديث عن أبو جعفر منصور خالف فيما رواه عليه عنه ، ولا في الإسناد الذي رواه عليه به عنه ، وقد رواه أيضا عن الثوري منصور ، ، فوافق زائدة بن قدامة في متنه ، وفي إسناده ، غير أنه زاد فيه الثوري الأسود مع علقمة .
5321 - كما حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري ، قال : حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله - قال : يعني مولى بني هاشم - عن أبو جعفر ، عن زائدة بن قدامة ، عن منصور ، عن إبراهيم علقمة ، قالا : والأسود عبد الله في رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها ، فتوفي قبل أن يدخل بها ، فقال عبد الله : سلوا : هل تجدون فيها أثرا ؟ فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ، ما نجد فيها أثرا ، فقال : أقول برأيي ، فإن كان صوابا ، فمن الله - عز وجل - : لها مهر نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، ولها [ ص: 347 ] الميراث ، وعليها العدة ، فقام رجل من أشجع ، فقال : في مثل هذا قضى رسول الله فينا في امرأة يقال لها : بروع ابنة واشق تزوجت رجلا ، فمات قبل أن يدخل بها ، فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل صداق نسائها ، ولها الميراث ، وعليها العدة . فرفع عبد الله يديه وكبر . أتي
وأما فقد اختلف عنه في من أخذ هذا الحديث عنه ، فأما الشعبي عبد الله بن عون ، فروى عنه أنه أخذه عن الأشجعي ، ولم يسمه في حديثه .
5322 - كما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن عبد الله بن عون ، عن الشعبي ، قال : الأشجعي فرح فرحة لم أره فرح مثلها ، أتاه إنسان ، فسأله عن رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، فمات عنها ، فقال : ما سمعت فيها شيئا ، فقال الرجل : لو ترددت شهرا ، ما سألت عنها أحدا غيرك ، وما وجدت أحدا أسأل عنها غيرك ، فقال : إني سأقول فيها برأيي ، فإن أصبت ، فالله - عز وجل - يوفقني : أرى لها [ ص: 348 ] صدقة نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، فقال ابن مسعود : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بمثل ما قضيت الأشجعي رأيت .
قال : أبو جعفر والأشجعي المذكور الذي أخذ هذا الحديث عنه هو الشعبي معقل بن سنان ، وهو ممن تأخر موته من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان موته في يوم الحرة ، وهو أحد المقتولين بها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأما ، فذكر عن داود بن أبي هند أنه أخذه عن الشعبي علقمة .
5323 - كما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة : ابن مسعود ، فقال : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في امرأة منا ، يقال لها : معقل بن سنان بروع ابنة واشق أنهم سألوه عن رجل تزوج امرأة فمات ولم [ ص: 349 ] يفرض لها صداقا ، قال : فرددهم شهرا ، ثم قال : أقول فيها برأيي ، فإن يك صوابا ، فمن قبل الله ، وإن يك خطأ ، فمن قبلي : لها صداق نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، لها الميراث ، وعليها العدة ، فقام .
وأما إسماعيل بن أبي خالد ، فذكر أيضا عنه أنه أخذه عن علقمة .
5324 - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثني ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، فذكره عن الشعبي ، ثم ذكره بمعنى ما ذكره به علقمة داود عنه .
[ ص: 350 ] وأما فراس بن يحيى ، فذكر أنه - يعني - أخذه عن الشعبي مسروق
5325 - كما حدثنا أحمد بن يحيى الصوري ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، عن شريك بن عبد الله فراس ، عن ، عن عامر ، عن مسروق ثم ذكر مثل حديث ابن مسعود الربيع ، عن أسد ، عن حماد ، عن داود .
5326 - وكما حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور - يعني الكوسج - قال : أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - ، عن سفيان فراس ، عن ، عن الشعبي ثم ذكر مثله سواء . مسروق
قال : وقد يحتمل أن يكون أبو جعفر أخذه عن هؤلاء [ ص: 351 ] الثلاثة جميعا ، فحدث به مرة عن أحدهم ، وحدث به مرة أخرى عن آخر منهم ، وحدث به مرة أخرى عن آخر منهم . الشعبي
وأما عبد خير ، فرواه عن معقل بغير اختلاف عنه في إسناده .
5326 م - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثني ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب عبد خير ، قال : ، فسأله عن رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها ، ثم مات ، ولم يدخل بها ، فجعل عبد الله بن مسعود عبد الله يرددهم ، ثم قال : أقول فيها برأيي ، فإن يك صوابا ، فمن الله - عز وجل - وإن يك خطأ ، فمني ومن الشيطان : أرى لها صداق نسائها ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقال ، وكان حاضرا : أشهد لقضى بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة منا ، يقال لها : معقل بن سنان الأشجعي بروع ابنة واشق ، قال : فما رئي عبد الله أشد فرحا منه يومئذ ; لموافقته قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . جاء رجل إلى
ثم رجعنا إلى ما في هذا الحديث من الأحكام ، فكان فيه جواز التزويج بلا صداق مسمى فيه كما يقول ، أبو حنيفة والثوري ، وأصحاب ، أبي حنيفة والشافعي ، بخلاف ما يقول مالك في ذلك من فسخه إياه في حياة الزوجين قبل الدخول ، ومن تركه فسخه بعد الدخول ، وبعد موت أحد الزوجين ، وكان كتاب الله - عز وجل - يشهد لما قاله الأولون [ ص: 352 ] في ذلك مما ذكرناه عنهم ، وهو قوله - عز وجل - فيه : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن الآية .
ولا يقع الطلاق من زوج على زوجة إلا في تزويج صحيح ، فثبت ما ذكرنا بكتاب الله - عز وجل - ثم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بما دل عليه من إجماع المسلمين عليه ; لأنهم لا يختلفون أن الميراث واجب للباقي منهما بعد موت من يتوفى منهما من تركته ، ولا يجب الميراث لأحدهما من صاحبه إلا بصحة التزويج الذي كان بينهما قبل الموت الذي كان أوجب ذلك الميراث ، ثم لإجماعهم جميعا أنه إذا دخل بها لم يفسخ ذلك التزويج الذي كان بينهما ، وكان الدخول لا يصلح فاسدا .
فعقلنا بذلك : أن التزويج يقوم بنفسه ، لا بالصداق الذي يوجبه ، ثم قد وجدنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجمعوا على وجوب صحة العقد إذا وقع كذلك ، وعلى وجوب الميراث فيه عن الباقي من الزوجين بعد موت أحدهما للباقي منهما ، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق للزوجة بعد موت الزوج أو بعد موتها .
فقال بعضهم : لها الصداق على زوجها إن كان حيا ، وفي تركته إن كان ميتا ، وممن قال ذلك منهم : فيما قد رويناه [ ص: 353 ] عنه في هذا الباب . عبد الله بن مسعود
وممن قال : لا صداق لها : ، علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - .
كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، قال : حدثني عطاء بن السائب عبد خير ، عن - عليه السلام - علي . في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، قال : لها الميراث ، وعليها العدة ، ولا صداق لها
وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، عن خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب عبد خير ، عن نحوه . علي
[ ص: 354 ] وكما حدثنا ، قال : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : القاسم بن معن عن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول ، ولم يسم لها مهرا ، فحدثني عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : حسبها الميراث ابن عباس . سألت
حدثنا ، قال : أخبرنا يونس : أن ابن وهب أخبره عن مالكا : نافع عبيد الله بن عمر ، وأمها ابنة زيد بن الخطاب ، كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر ، فمات ولم يدخل بها ، فابتغت أمها صداقها ، فقال : ليس لها صداق ، ولو كان لها صداق لم نمسكه ، ولم نظلمها ، فأبت أن تقبل ذلك ، فجعلوا بينهم عبد الله بن عمر ، فقضى أن لا صداق لها ، ولها الميراث زيد بن ثابت . أن ابنة
[ ص: 355 ] وكما حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : أخبرنا هشيم ، عن يحيى بن سعيد : سليمان بن يسار زوج ابنا له ابنة أخيه ابن عمر عبيد الله بن عمر ، وابنه يومئذ صغير ، ولم يفرض لها صداقا ، فمكث الغلام ما مكث ، ثم مات ، فخاصم خال الجارية إلى ابن عمر ، فقال زيد بن ثابت ابن عمر لزيد بن ثابت : زوجت ابني ، وأنا أحدث نفسي أن أصنع به خيرا ، فمات قبل ذلك ، ولم يفرض للجارية صداقا ، فقال : لها الميراث ، إن كان للغلام مال ، وعليها العدة ، ولا صداق لها زيد . أن
ثم رجعنا إلى ما يوجبه القياس في ذلك ، فوجدنا الأصل المتفق عليه أن المطلقة قبل الدخول ، وقد سمي لها صداق ، لها نصف ذلك الصداق ، ولا عدة عليها ، وإن كان لم يسم لها صداق ، كانت لها المتعة ، ولا عدة عليها ، وكان لو دخل بها ثم طلقها ، كان لها صداق مثلها إن كان لم يسم لها صداقا ، وكان لها جميع ما سماه لها إن كان سمى لها صداقا ، وكانت عليها العدة في ذلك .
فكان الموضع الذي يكون عليها فيه العدة يكون لها فيه الصداق ، والموضع الذي لا يكون عليها فيه عدة يكون لها فيه نصف الصداق إن كان سمى لها صداقا ، أو المتعة إن كان لم يسم لها صداقا .
وكان إذا توفي عنها ، ولم يسم لها صداقا ، ولم يدخل بها ، عليها [ ص: 356 ] العدة في قولهم جميعا ، فكان في ذلك ما قد دل أن الموت إذا كان من المواضع التي تجب العدة فيها أن يكون من المواضع التي يجب الصداق فيها .
وكان في حديث بروع ابنة واشق من الأحكام أيضا قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بصداق مثلها من نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وكان نساؤها المعقولات هن نساء عشيرتها ، كذلك هو موجود في كلام العرب حتى تعالى ذلك إلى أن جاء به كتاب الله - عز وجل - وهو قوله : تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ، فكان أولئك النساء هن أمثالها من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونساء من دعاه إلى المباهلة لا من سواهم ، فكان مثل ذلك نساء المرأة المرجوع في صداقها فيما يجب لها فيه صداق مثلها من نسائها ، وهذا معنى وأصحابه ، أبي حنيفة والشافعي .
وأما ابن أبي ليلى ، فكان يقول : نساؤها : هن هؤلاء اللائي من قبل أبيها ، وهن عماتها أخوات أبيها لأبيه وأمه أو لأمه ، وأخواتها لأبيها وأمها أو لأبيها ، وخالاتها أخوات أمها .
وأما مالك ، فكان يقول : هن أمثالها في منصبها وجمالها ، ولا يراعى أنسابها .
وكان الذي دل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى ما قيل في ذلك ، فأما ما قال ابن أبي ليلى في ذلك من إدخاله خالاتها في ذلك ، فلا معنى له عندنا ; لأنه قد تكون المرأة من قريش وتكون خالاتها إماء ، ولما فسد قوله هذا ، اعتبرنا القولين الآخرين ، فكان ما قال مالك منهما [ ص: 357 ] هو الذي يقع في القلوب قبوله ، لا ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ما يخالفه ، غير أنا اعتبرنا ما قال مالك في ذلك ، فوجدناه مراعاة أحوال المرأة التي يرغب فيها منها من أجلها ، وهي جمالها وعقلها ، والأشياء التي ذكرنا مما يرغب فيها من أجلها ، ووجدناها يرغب فيها بنسبها وبشرفها وبأحوالها التي تبين به عن أحوال من سواها ممن هو مثلها في جمالها وعقلها ، وإذا كان جمالها وعقلها يعتبر في أمرها لرغبة الناس في مثلها من أجله ، كان مثل ذلك جنسها وبيتها الذي هي منه وآباؤها التي يرغب فيها لمكانهم ، يعتبر ذلك أيضا فيها .
ولقد قال مالك في المرأة تختلط عليها حيضتها : إنها تعتبر في ذلك أيام نسائها في مثله ، وإذا كان ذلك معتبرا في الحيض الذي قد تختلف فيه المرأة وأمها ، والمرأة وأختها ، فتكون كل واحدة منها ومن نسائها هؤلاء بخلاف ما عليه سواها من نسائها في ذلك ، كان اعتبار ذلك لها في الصداق أولى ، وكان بالقول به في ذلك أحرى ، والله نسأله التوفيق .