[ ص: 239 ] 444 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره باتخاذ المساجد في الدور .
2805 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود خالد بن أبي يزيد القطربلي ، قال : حدثنا ، عن عبد الله بن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه رضي الله عنها قالت : عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر ببناء المساجد في الدور ويأمر بتنظيفها .
2806 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، عن عبد الله بن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه الفرافصة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
[ ص: 240 ] قال : فاختلف أبو جعفر خالد بن أبي يزيد ، ويعقوب بن إسحاق على في من بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عبد الله بن المبارك عروة في إسناد هذا الحديث ، فقال كل واحد منهما فيه ما ذكرناه فيه عنه .
2807 - حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري مالك بن سعير ، عن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه رضي الله عنها قالت : عائشة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمساجد أن تبنى في الدور ، وأن تنظف وتطيب ، أو كما قال : [ ص: 241 ] واحتج بعض من يذهب إلى أن الرجل إذا بنى في داره مسجدا ، وخلى بين الناس وبينه حتى صلوا فيه أنه يكون بذلك كسائر المساجد ، وأنه يزول ملكه عنه بذلك على من يخالف ذلك ، ويقول فيه : إنه لا يكون مسجدا ، ولا يخرج بذلك من ملكه إذ كان في دار يغلق بابها عليه ، ويحول بين الناس وبينه في حال ما ، وذلك من حقوقه بحق ملكه لبقية الدار التي أحدثه ، وممن كان يقول ذلك ، رحمه الله ، وأصحابه . أبو حنيفة
فتأملنا نحن هذا الحديث هل يدل على شيء مما ذكره هذا المحتج به فيما ذكرنا أم لا ، فوجدنا أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ المساجد في الدور قد يحتمل أن يكون أراد به المواضع التي فيها الدور ، لا الدور التي تغلق عليها الأبواب ، فيكون ذلك الاتخاذ لتلك المساجد في خلال الدور التي يبنى فيها وفي أفنيتها لا داخل شيء منها مما يغلق عليه أبوابها ؛ لأن ما جمع الدور من المواضع يسمى بجملته دورا إذ كانت الدور لا تتهيأ سكناها إلا به كما سمى الله عز وجل البلدة التي ذكرها في كتابه أنها دار الفاسقين بدار الفاسقين ، فقال عز وجل : سأريكم دار الفاسقين ، وفيها الطرقات وما سواها مما لا يكون البلدان إلا به .
ومثل ذلك قوله - عز وجل - في الوعيد لقوم نبيه صالح صلى الله عليه وسلم : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام [ ص: 242 ] ، ثم قال بعد ذلك : فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، ومن ذلك قوله - عز وجل - في الموضع الذي ذكر فيه الصيحة فيمن ذكرها فيه : وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، فذكر عز وجل مواضعهم بالديار ، وذكر أنها دار ، فدل ذلك أن البلد قد تسمى دارا ، وأنها قد تسمى دورا .
ومن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى .
2808 - كما حدثنا ، إبراهيم بن أبي داود ، وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي والليث بن عبدة ، قالوا : حدثنا . يحيى بن صالح الوحاظي
وكما حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قالا : حدثنا وعلي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثني سليمان بن بلال عمرو بن يحيى المازني ، عن ، عن عباس بن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي حميد الساعدي الأنصار دار بني النجار ، ثم دار بني عبد الأشهل ، ثم دار بلحارث ، ثم دار بني ساعدة ، وفي كل دور الأنصار خير إن خير دور .
[ ص: 243 ]
2809 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد الطويل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس بن مالك ألا أخبركم ، ثم ذكر مثله .
[ ص: 244 ] قال : فكانت هذه الدور هي الدور الجامعة لأهلها المذكورين في هذين الحديثين ، كل دار منها دار لأهلها ، ولهم العدد الكثير مما يحيط علما أنه لا يسعهم دار واحدة كدورنا هذه ، وأن المراد بذلك المحلة تجمع الدور التي يسكنونها ، فذكر ذلك بالدار التي تجمع الأفنية والطرقات ، وما هو معقول مما يكون بين الدور التي ينفرد كل رجل بسكنى دار منها ، ويجمع بأن يقال لجملتها دار أو دور ، فمثل ذلك ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ المساجد في الدور قد يحتمل أن يكون المراد به مثل ذلك أيضا ، وتكون المساجد التي أمر باتخاذها فيها خلالها لا في أحوالها ، وقد يحتمل أن يكون في أجوافها ، وتكون تلك المساجد هي التي يتخذها الناس في بيوتهم ليصلوا فيها لا ليدخلوا إليها أحدا من الناس ، فأملاكهم غير مرتفعة عنها عند جميع أهل العلم ، ولا يكون وقوع اسم المساجد عليها مما يرفع أملاكهم عنها ، ولا مما يبيح غيرهم الدخول إليها ، ولا مما يمنع أن تكون موروثة عنهم إذا توفوا . أبو جعفر
وفيما ذكرنا من هذا دليل على ما وصفنا من أن يكون في هذا الحديث حجة لبعض المختلفين في هذا المعنى الذي ذكرناه في هذا الباب على بعض ، والله نسأله التوفيق .