[ ص: 304 ] 265 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يفعل على المزاح مما يروع المفعول به ، هل هو مباح لفاعله أو محظور عليه ؟
1620 - حدثنا علي بن معبد جميعا ، قالا : حدثنا وأبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة زمعة بن صالح ، قال سمعت يحدث ، عن ابن شهاب عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن ، { أم سلمة أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وكان سويبط على الزاد فجاءه نعيمان ، فقال : أطعمني . قال : لا ، حتى يأتي أبو بكر ، وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا ، فقال : لأغيظنك .
فذهب إلى أناس جلبوا ظهرا ، فقال : ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها ، وهو رعاد ولسان ، ولعله يقول : أنا حر ، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لي ، لا تفسدوا علي غلامي ، فقالوا : بل نبتاعه منك بعشرة قلائص ، فأقبل بها يسوقها ، وأقبل بالقوم حتى عقلها ، ثم قال : دونكم هذا ، فجاء القوم ، فقالوا : قد اشتريناك ، فقال سويبط : هو كاذب ، أنا رجل حر . قالوا : قد أخبرنا خبرك ، فطرحوا الحبل في عنقه وأخذوه ، فذهبوا به ، فجاء أبو بكر ، فذهب هو وأصحاب [ ص: 305 ] له ، فرد القلائص وأخذوه ، قال : فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا أن } .
فقال قائل : في هذا الحديث ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، مما ذكر فيه مما فعله نعيمان بسويبط حولا .
ففي ذلك دليل على إباحة ترويع المسلم المسلم على المزاح بمثل هذا .
قال هذا القائل : ومثل هذا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث .
1621 - فذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو عمر بن الحكم ، [ ص: 306 ] عن ، { أبي سعيد الخدري علقمة بن مجزز المدلجي على خيبر ، فبعث سرية ، واستعمل عليها عبد الله بن حذافة السهمي - وكان رجلا فيه دعابة وبين أيديهم نار قد أججت - فقال لأصحابه : أليس طاعتي عليكم واجبة . قالوا : بلى . قال : فقوموا فاقتحموا هذه النار ، فقام رجل حتى يدخلها ، فضحك ، وقال : إنما كنت ألعب .
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك ، فقال : أما إذا قد فعلوا هذا فلا تطيعوهم في معصية الله عز وجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل } .
1622 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا ، عن إسماعيل بن جعفر ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : محمد بن عمرو علقمة بن محزز بالحاء .
قال : ففي هذا الحديث أيضا مثل ما في الحديث الأول ، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله ، ففي ذلك ما قد دل على إباحة مثله على المزاح .
[ ص: 307 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه ليس في شيء من هذين الحديثين إباحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر فيهما أن يفعل مثله أحد بأحد ، وإنما في الحديث الأول منهما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفعل حولا .
كمثل ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون بأمور الجاهلية ، فيضحك أصحابه من ذلك بمحضره من غير نهي منه إياهم عن ذلك ، وإن كانت تلك الأفعال ليس بمباح لهم فعل مثلها في الإسلام .
1623 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : أخبرنا يونس بن محمد ، عن شريك بن عبد الله ، عن سماك بن حرب ، قال : { جابر بن سمرة جالست النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكثر من مائة مرة ، فكان أصحابه يتناشدون الشعر ، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ، فربما يتبسم معهم } .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من ترويع المسلم .
1624 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن ابن أبي ذئب عبد الله بن السائب بن يزيد ، عن ، عن أبيه جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يأخذ أحدكم متاع [ ص: 308 ] صاحبه لاعبا ، وإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه } .
قال : أبو جعفر والسائب أبو عبد الله بن السائب هذا هو السائب بن يزيد الكندي أحد بني عمرو بن معاوية حليف في قريش ، وهو ابن أخت النمر .
فقال قائل : فما الدليل على نسخ أحد هذين المعنيين بالآخر منهما ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الدليل على المنسوخ منه .
1625 - ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، عن فطر بن خليفة عبد الله بن يسار الجهني [ ص: 309 ] عن أبي ليلى الأنصاري ، قال : {
، فقال : لا يحل لمسلم أن يروع مسلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأخذ بعض أصحابه كنانة رجل ، فغيبوها ليمزحوا معه ، فطلبها الرجل ، ففقدها ، فراعه ذلك ، فجعلوا يضحكون منه ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أضحككم ؟ قالوا : لا والله ، إلا أنا أخذنا كنانة فلان لنمزح معه ، فراعه ذلك ، فذلك الذي أضحكنا . } .
ففي هذا الحديث ذكر ما فعله الرجل المذكور فيه من أخذ كنانة صاحبه ليرتاع بفقدها على ، أن ذلك عنده مباح له ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ، فكان قوله ذلك له بعد فعله ما فعله ، مما هو من جنس ما كان فعله نعيمان بسويبط ، وما كان فعله عبد الله بن حذافة في حديث علقمة المدلجي بأصحابه ليضحكوا من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في حديث أبي ليلى لفاعل [ ص: 310 ] ما ذكر فعله إياه فيه : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما } ، فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك ، ونسخا لما كان قد تقدمه ، مما ذكرناه في هذا الباب ، مما تعلق به من تعلق ممن يذهب إلى إباحة مثله إن كان مباحا حينئذ ، والله نسأله التوفيق .