[ ص: 24 ] 606 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بقول الله عز وجل : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم إلى قوله : أفتهلكنا بما فعل المبطلون .
3886 - حدثنا ، قال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أن عبد الله بن وهب أخبره ، عن مالك بن أنس ، أن زيد بن أبي أنيسة أخبره ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب . مسلم بن يسار الجهني
رضي الله عنه سئل ، عن هذه الآية عمر بن الخطاب وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم الآية إلى قوله : غافلون ، فقال عمر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت [ ص: 25 ] على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار أن .
قال : وكان هذا الحديث منقطعا ; لأن مسلم بن يسار الجهني لم يلق أبو جعفر عمر رضي الله عنه فنظرنا في الذي أخذه عنه ، عن عمر من هو .
3887 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبا أمية محمد بن يزيد بن سنان ، قال : حدثنا يعني أباه ، عن يزيد ، عن [ ص: 26 ] زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مسلم بن يسار الجهني نعيم بن ربيعة الأزدي ، قال مسلم :
نعيم بن ربيعة ، عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم فقال : كنت عند رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله عنها ، فقال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله عز وجل عمر بن الخطاب آدم سألت ... ثم ذكر بقية الحديث على نحو مما في حديث يونس .
قال : فوقفنا بذلك أن الذي أخذه عنه ، عن أبو جعفر عمر رضي الله عنه هو نعيم بن ربيعة الأزدي ، فعاد هذا الحديث متصل الإسناد [ ص: 27 ] غير أنا نحتاج إلى أن يكون الذي يصله ممن يصلح أن يقبل ما وصله به ، عن الذي قطعه ، فلم يكن هذا ممن يحل في هذا المحل ولا ممن يصلح لنا قبول زيادته في الحديث على يزيد بن سنان ; لجلالة مقدار مالك بن أنس مالك فيه ، ولتقصير يزيد هذا عنه في ذلك ، فالتمسناه من رواية غيره ممن يصلح لنا قبول زيادته على مالك فيه .
3888 - فوجدنا قد حدثنا قال : أخبرني أحمد بن شعيب محمد بن وهب بن أبي كريمة الجزري أبو المعافى ، قال : حدثنا ، قال : حدثني محمد بن سلمة الحراني أبو عبد الرحيم - وهو خالد بن أبي يزيد - قال : حدثني - عن زيد - يعني ابن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مسلم بن يسار الجهني نعيم بن ربيعة ، قال :
كنت عند رضي الله عنه فجاءه رجل فسأله عن هذه الآية عمر بن الخطاب وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ، ثم ذكر مثل حديث أبي أمية ، عن محمد بن يزيد بن سنان ، عن أبيه ، عن زيد سواء .
قال : فكان هذا مما يصلح لنا قبول زيادة من رواه ، عن أبو جعفر مالك على ما رواه مالك عليه ; لأن أبا عبد الرحيم مقبول الرواية ثبت [ ص: 28 ] عند أهل الحديث فجاز لنا بذلك إدخال هذا الحديث في الأحاديث المتصلة الأسانيد .
ثم رجعنا إلى طلب ما فيه من المراد بالآية المذكورة فيه ، فوجدنا فيه إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا ما كان من الله عز وجل من استخراجه ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من ظهره ، وكان المذكور في هذه الآية بني آدم لا آدم نفسه ، فاستخرج الله عز وجل من ظهره ذريته ، ثم كان منه فيهم ما ذكر في هذا الحديث ، ثم أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الله عز وجل أنه قال للذين استخرجهم منه أولا : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، وأنه قال للذين استخرجهم من بعدهم من ظهره : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون .
فعلمنا بذلك أن علم الله عز وجل قد تقدم في بني آدم من أهل السعادة ومن أهل الشقاء بما يكون منهم مما يسعدون به ومما يشقون به ، وأنهم يكونون إذا صاروا إلى الدنيا على ما تقدم في علمه أنهم يكونون عليه فيها ، وأنه يستعمل سعداءهم بعمل أهل الجنة حتى يدخلهم الجنة ثوابا لهم على أعمالهم ، وأنه يستعمل الأشقياء منهم بأعمال أهل النار حتى يدخلهم النار عقوبة لهم على أعمالهم .
ثم نظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بهذه الآية شيء غير المذكور في حديث عمر رضي الله عنه الذي رويناه ؟
[ ص: 29 ]
3889 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبا أمية ، قال : حدثنا الحسين بن محمد المروزي ، عن جرير بن حازم كلثوم بن جبر ، عن
عن سعيد بن جبير . ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرة ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا فقال : ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون أخذ الله عز وجل الميثاق من ظهر .
[ ص: 30 ] قال : فكان في هذا الحديث من استخراج الله عز وجل ذرية أبو جعفر آدم صلى الله عليه وسلم من صلبه مثل الذي في الحديث الأول وزيادة على ما في الحديث الأول وهو كلامه إياهم قبلا : ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ، ثم ذكر بقية ما في الآية التي تلونا وكان ذلك غير مستنكر في لطيف قدرة الله عز وجل .
[ ص: 31 ] وقد تأول آخرون هذه الآية ممن لم يقفوا على ما روي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بها ، أن الله عز وجل ألهم ذرية آدم صلى الله عليه وسلم في خلقه إياهم المعرفة به التي هي موجودة في جميعهم ، أن لهم خالقا سواهم وأنهم عاجزون عن خلق أمثالهم ، وأن الخالق لهم هو بخلافهم لأنه القادر على أن خلقهم ولأنهم عاجزون عن مثل ذلك فيما سواهم حتى لا يستطيعون مع ذلك أن يقولوا خلافه ، وكان ذلك شهادة منهم على أنفسهم لله عز وجل أنه ربهم ، وحجة عليهم أن قالوا عند أخذه إياهم يوم القيامة بعذاب الأشقياء منهم على أعمالهم التي كانوا عملوها في الدنيا : إنا كنا عن هذا غافلين أي عما يعاقبنا على ما عملنا أو على أن لم نقر لك بالربوبية ، وإذا كان عز وجل في الدنيا قد بعث إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وبين لهم فيها ما تعبدهم به وما أمرهم به وما أراده منهم وما نهاهم عنه ، وحذرهم من العقوبة عليه إن عملوه ، وهذا تأويل لو لم نكن سمعناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في الحديثين الأولين لاستحسناه من متأوليه ، إذ كانوا تأولوا الآية على ما هي محتملة له ، ولكن لما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله عز وجل الذي أراده بها كان ذلك هو الحجة الذي لا يجوز القول بخلافه ولا التأويل على ما سواه . والله عز وجل نسأله التوفيق .
[ ص: 32 ]