[ ص: 329 ] 761 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته على النجاشي بالمدينة ، وهل كان ذلك والنجاشي حينئذ بأرض الحبشة أو بالمدينة ؟
4850 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، عن أبان بن يزيد العطار ، عن يحيى ، يعني : ابن أبي كثير ، عن أبي قلابة أبي المهلب ، عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : عمران بن حصين النجاشي قد مات فصلوا عليه ، قال : ونحن نرى أن الجنازة قد أتت ، قال : فصفنا فصلينا عليه ، وإنما مات بالحبشة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة إن أخاكم .
[ ص: 330 ] قال : ففي هذا الحديث ، مما كان عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبو جعفر النجاشي أنه حمل إلى المدينة بلطيف قدرة الله - عز وجل - في اليوم الذي مات فيه حتى صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصلي على من مات عنده بالمدينة .
ودفع ذلك أن يكون في هذا الحديث حجة لمن أطلق الصلاة على الميت الغائب ، وكان ما كان من الله - عز وجل - في ذلك من لطيف قدرته ، كمثل ما كان منه لنبيه صلى الله عليه وسلم لما كذبته قريش حين أخبرهم أنه أسري به إلى بيت المقدس ، ثم رجع إلى بيته من ليلته .
4851 - كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود شجاع بن أشرس ، قال : حدثنا ، عن عبد العزيز وهو الماجشون عبد الله بن [ ص: 331 ] الفضل وهو الهاشمي ، عن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة وقريش تسألني عن مسراي ، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لما أتيتها ، فكربت كربا ما كربت مثله قط ، فرفعه الله - عز وجل - إلي أنظر إليه ، فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به لقد رأيتني في الحجر .
4852 - كما حدثنا ، قال : أخبرنا يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : قال يونس بن يزيد ، قال ابن شهاب : سمعت أبو سلمة بن عبد الرحمن يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : جابر بن عبد الله قريش قمت في الحجر ، فجلى الله - عز وجل - لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن أثاثه ، وأنا أنظر إليه لما كذبتني .
[ ص: 332 ]
4853 - وحدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . جابر
فقال قائل : تفسير هذا الحديث الذي رويته عن عمران محال ; لأن فيه أن الجنازة أتت فيما يرونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن صلاته عليه كان حين دخل المدينة والجنازة لا إتيان لها والنجاشي لا دخول له ; لأن الدخول إنما يكون من الأحياء لا من الأموات .
[ ص: 333 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه : أن هذا ونحوه قد يذكر به الأموات ، كما يذكر به الأحياء ; لأنهم يقولون : قد حضرت الجنازة ، بمعنى : قد أحضرت الجنازة ، ومثل هذا كثير في كلامهم ، حتى يقال ذلك في كتاب الله - عز وجل - قال الله تبارك وتعالى : أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ، فأضاف الإتيان إلى البأس ، والبأس لا يأتي ، إنما يؤتى به .
ومثل ذلك قوله - عز وجل - : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان الآية ، وكان إتيان الرزق إياها إنما هو بإتيان من يأتي به إليها ، فمثل ذلك أيضا إتيان الجنازة إلى ما كان عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيانها إليه ، ودخول النجاشي المدينة في الوقت الذي دخلها هو على ذلك مما فعله من سوى الجنازة ، وسوى النجاشي ، فارتفع بحمد الله أن يكون في هذا الحديث استحالة كما ذكر هذا المدعي لذلك ، وكان في هذا الحديث ما يدفع أن يكون لمن يرى الصلاة على الميت الغائب فيه حجة ، وممن كان لا يرى الصلاة على الميت الغائب أبو حنيفة ومالك وأصحابهما ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .