[ ص: 199 ] 245 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من سن سنة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينتقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها من بعده... فذكر من وزرها ووزر من عمل بها من بعده مثل ما ذكر في الحسنة .
1539 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن سفيان ، عن عاصم { عن أبي وائل ، جرير أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب مجتابي النمار ، فحث النبي صلى الله عليه وسلم الناس على الصدقة ، وكأنهم أبطؤوا حتى رأوا ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من الأنصار بقطعة تبر ، فألقاها فتتابع الناس حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة - كأنه يعني حسنة - فعمل بها من بعده كان له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة ، فعمل بها من بعده كان عليه مثل وزر من عمل بها [ ص: 200 ] من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء } .
1540 - حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن الأعمش مسلم بن صبيح وعبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي ، عن ، قال : { جرير بن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من الأعراب فأبصر عليهم الخصاصة والجهد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أمرهم بالصدقة وحضهم عليها ورغبهم فيها ، فأبطؤوا حتى رئي ذلك في وجهه ، فجاء رجل من الأنصار بقبضة من ورق فأعطاها إياه ، ثم جاء آخر ، ثم تتابع الناس في الصدقة حتى رئي في وجهه السرور ، فقال : من سن في الإسلام سنة حسنة } ، ثم ذكر بقية ما في الحديث الذي قبله .
1541 - حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود محمد بن عبد الرحمن العلاف ، قال : حدثنا محمد بن سواء ، قال : حدثنا ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حميد بن هلال عبد الرحمن الأسدي ، { عن جرير بن عبد الله البجلي مسجد الكوفة ، أن رجلا من الأنصار قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصرة من ذهب تملأ ما [ ص: 201 ] بين الأصابع ، فقال : يا رسول الله ، هذه في سبيل الله ، ثم قام أبو بكر فأعطى ثم قام عمر فأعطى ثم قام المهاجرون والأنصار فأعطوا ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الفرح في وجهه ، فقال : عند ذلك من سن سنة أنه حدثهم في ناحية ... ثم ذكر بقية الحديث الذي قبله .
قال : وقد روينا مما يدخل في هذا الباب مما تقدم منا في كتابنا هذا أحاديث في هذا الباب الذي اخترنا فيه قراءة من قرأ في أول سورة النساء : أبو جعفر والأرحام بالنصب على قراءة من قرأ : والأرحام بالجر فغنينا بذلك عن إعادتها هاهنا .
فقال قائل : كيف يكون له أجرها كما لمن عمل بها بعده أجرها ومع العامل من معاناة العمل بها ما ليس مع الذي قد كان سنها ، فكان معقولا أن يكون في الأجر في عمله بها فوق الأجر الذي يكون للذي سنها .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه بعد أن احتج علينا بشيء يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من غير طريق دله فيما ذكر على ما قال . جرير بن عبد الله
1542 - وهو ما حدثنا ، قال : حدثنا بكار ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن هشام بن حسان ، عن محمد أبي عبيدة بن حذيفة ، عن قال : { أبيه قام سائل فسأل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك [ ص: 202 ] القوم ، ثم إن رجلا من القوم أعطى وأعطى القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن خيرا فاستن به ، فله أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ، ومن سن شرا فاستن به فعليه وزره ومن أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا } .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه: أنه قد يحتمل أن يكون المراد بقوله : { ومثل أجر من عمل بها } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ومن أجر من عمل بها بمعنى واحد ، وتكون من صلة ، وهذا جائز في اللغة ، ومنه قول الله عز وجل : هل من خالق غير الله بمعنى : هل خالق غير الله ، ومنه قوله عز وجل : وما من إله إلا الله بمعنى وما إله إلا الله ، فيرجع معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن أجور من عمل بها في حديث حذيفة إلى معنى : وأجور من عمل بها ، في حديث جرير ، فيتفقان ولا يتضادان .
فقال هذا القائل : فقد روي عن ما يدل على خلاف ما ذكرت . عبد الله بن مسعود
1543 - وذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن الأعمش عبد الله بن مرة ، عن ، عن مسروق ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عبد الله لا تقتل نفس ظلما إلا [ ص: 203 ] كان على ابن آدم الأول كفل منها } .
1544 - وما قد حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا عبدان بن عثمان - عن أبو حمزة - وهو السكري ... ثم ذكر بإسناده مثله ، وزاد : الأعمش لأنه سن القتل .
فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الكفل هو المثل كما قال الله عز وجل : ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها بمعنى مثل منها من جنسها وكمثل قوله : يؤتكم كفلين من رحمته ، أي : مثلين كما قد :
حدثنا ولاد ، قال : حدثنا المصادري ، أبي عبيدة كفلين من رحمته [ ص: 204 ] " . قال : مثلين ، فكان ما احتج به هذا المخالف علينا حجة لنا عليه كما قد ذكرنا . عن
ومما يدل على ما ذهبنا إليه في هذا الباب وحملنا معناه عليه ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدال على الخير أنه كفاعله .
1545 - كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن أبي حنيفة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { : أبيه } الدال على الخير كفاعله .
[ ص: 205 ]
1546 - وكما قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي عن شيبان - يعني النحوي - ، عن الأعمش ، قال سعد بن إياس : وهو ابو عمرو الشيباني ، عن أبو جعفر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . أبي مسعود
1547 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله الحمال يعلى ، قالا : حدثنا ومحمد ابنا عبيد ، عن الأعمش ، عن سعد بن إياس ، وقال أبي مسعود الأنصاري يعلى : عن ، عن أبي عمرو الشيباني قال { أبي مسعود جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أبدع بي فاحملني ، فقال : ما أجد ما أحملك عليه ائت فلانا ، فأتاه فحمله ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير له مثل أجر فاعله } . هذا لفظ محمد .
[ ص: 206 ]
1548 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا العائشي عمران بن يزيد القرشي ، عن ، عن أبي حازم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سهل بن سعد الدال على الخير كفاعله } .
قال : وإذا كان الدال يستحق بدلالته على الخير ما يستحقه العامل بذلك الخير كان من سن سنة حسنة دل بعمله بها [ ص: 207 ] الناس فعملوها بعده ، يكون في سنته إياها لهم في الأجر كهم فيه في عملهم إياها ، وكذلك في الوزر يكون سنه إياه لهم في عملهم بعده به في الوزر كهم فيه . أبو جعفر
ومما يقوي ذلك أيضا :
ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قالا : حدثنا ومحمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا همام ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : عبد الله بن عمرو . إن ابن آدم الذي قتل أخاه يقاسم أهل النار نصف عذاب جهنم قسمة صحاحا
فدل ذلك على ما قد ذكرناه في الحديث الأول ، والله نسأله التوفيق .
[ ص: 208 ]