قال : قد ذكرنا هذا الحديث بإسناده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، فقال قائل : في هذا الحديث ما قد دل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان شاعرا لهجا ذلك الشاعر كما هجاه ، فكيف جاز لكم أن تقبلوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه التي تروونها عنه تدل على خلاف ذلك مما كان عليه ، فمما ذكر في ذلك . أبو جعفر
3370 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا سلام بن مسكين عقيل بن طلحة ، عن أبي جري الهجيمي ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبا جري ، لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تصب من دلوك في دلو المستسقي ، وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ، وإياك وإسبال الإزار ، فإنه من [ ص: 442 ] المخيلة ، والله لا يحب الخيلاء ، قلت : يا رسول الله ، الرجل يسبني بما في ، أسبه بما فيه ؟ قال : لا ، فإن أجر ذلك لك ، وإثمه ووباله عليه يا .
فكان في هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفح ، وترك السباب لمن سب ، والشعر من أكبر السب ، فمن أين جاز لكم أن ترووا عنه صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذه الأخلاق ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الذي توهمه في الحديث الأول ليس هو كما توهمه فيه ؛ لأن الذي فيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلانا هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فأهجوه ، إنما وجه ذلك عندنا - والله أعلم - على نفي الشعر عنه ؛ لأن رتبته صلى الله عليه وسلم أجل من رتب الشعراء وهي أعلى رتب النبوة وتبليغ الرسالة عن الله عز وجل ، ولما كانت تلك منزلته في الرفعة ، وكان من هجاه منزلته المنزلة الوضيعة ، إذ كان من أهل السباب ، وكانوا مع ذلك إنما يهاجون إذا هجوا أكفاءهم ، فأما من سوى أكفائهم فإنهم لم يكونوا يهاجونهم ، فكانوا يرفعون أنفسهم عن ذلك ، ومن ذلك هجاء حسان بن ثابت لأبي [ ص: 443 ] سفيان بن الحارث لما هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا ، عن مسلم بن خالد محمد بن السائب بن بركة ، عن ، قالت : أمه في نسوة ، فذكر عندها حسان بن ثابت ، فوقعن فسببنه ، فقالت عائشة : لا تسبوه ، فقد أصابه ما قال الله عز وجل ، قد عمي ، والله إني لأرجو أن يدخله الله عز وجل الجنة بكلمات قالهن في عائشة محمد صلى الله عليه وسلم حين يقول لأبي سفيان بن الحارث :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء