[ ص: 30 ] 727 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي فيه نزلت : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .
4616 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن يعقوب القمي جعفر بن أبي المغيرة ، عن ، عن سعيد بن جبير ، قال : ابن عباس قريش اليهود قالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين ، وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فدعا به ، فنزلت هذه الآية : إن في خلق السماوات والأرض الآية ، فليتفكروا فيها أتت .
[ ص: 31 ] ففي هذا الحديث ، أن السبب الذي نزلت فيه هذه الآية ما كان من سؤال قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله عز وجل ، أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، ودعاؤه بذلك ، وأن الله تبارك وتعالى أنزل عليه في ذلك هذه الآية .
وقد روي عن من وجه آخر في ذلك . ابن عباس
4617 - ما قد حدثنا ، حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل عمران السلمي ، عن ، قال : ابن عباس قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فإن أصبح ذهبا اتبعناك ، فدعا ربه فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال : إن ربك يقرؤك السلام ، ويقول : إن شئت أصبح لهم ذهبا ، ومن كفر بعده منهم عذبته عذابا أليما لم أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة ، قال : بل يا رب التوبة والرحمة قالت .
[ ص: 32 ] ففي هذا الحديث ، تخيير جبريل صلى الله عليه وسلم ، عن الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بين الشيئين المذكورين في هذا الحديث ، واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما ما ذكر في اختياره منهما .
فعقلنا بذلك أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما اختاره من هذين الشيئين اللذين خير بينهما هو كراهية أن يختار السبب الآخر منهما ، فتكفر قريش بعد ذلك فيصيبهم العذاب الذي أوعدهم الله به ، إن فعل لهم ما سألوه ، ثم كفروا به بعد ذلك ، كما فعله بمن تقدمهم من الأمم بعد أن أراهم الآيات التي كانوا سألوها منه ، وإن اختياره لهم المعنى الآخر من المعنيين اللذين خيره الله بينهما ، نظرا لهم ورأفة [ ص: 33 ] بهم واختيارا لهم خير لهم مما اختاروه لأنفسهم ، ثم أنزل الله تعالى على نبيه بعد ذلك احتجاجا عليهم وتنبيها لهم وإعلاما منه إياهم ، أن معهم من آياته عز وجل ما هو أكبر مما سألوه من ذلك وأدل عليه ، وأوجب عليهم معه الإيمان به ، والتصديق لرسوله بما جاءهم به من عنده من خلقه السماوات والأرض ، ومن اختلاف الليل والنهار الذي يرونه منذ خلقهم ، ويراه من قبلهم من آبائهم على ما يرونه عليه ، وعلى ما قامت الحجة له عز وجل لعجز الخلق عنه ، وإذا كان معهم من آياته ما ذكرنا غنوا به عما سواه مما هو دونه ، لا سيما ما لو جاءهم فلم يؤمنوا بعقبه تلاه هلاكهم ، كما قد كان منه عز وجل في أمثالهم لما سألوا أن يروا ما أروا فلم يرعووا عن ذلك ، ولم يؤمنوا فأصابهم من عذابه ما أصابهم به ، وعاجلهم من عقوبته بما عاجلهم به حتى لا يرى لهم باقية .
4618 - وقد حدثنا ، حدثنا أبو أمية محمد بن القاسم الأسدي ، عن أبي جناب الكلبي ، عن ، قال : عطاء بن أبي رباح عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على رضي الله عنهم ، وهي في خدرها ، فقالت : من هؤلاء ، قلنا : عائشة عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير ، فقالت : يا عبيد بن عمير أنت كما قال الأول : زر غبا تزدد حبا ، فقال : دعونا من باطلكم هذا ، حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت بكاء شديدا ، ثم قالت : كل أمره كان عجبا ، أتاني ذات ليلة ، وقد دخلت فراشي فدخل معي حتى لصق جلده بجلدي ، ثم قال : يا ابن عمر ائذني لي أتعبد لربي عز وجل ، قالت : قلت يا رسول الله ، إني لأحب قربك وأحب هواك [ ص: 34 ] قالت : فقام إلى قربة في البيت فتوضأ منها ، ثم قرأ القرآن ، ثم بكى حتى ظننت أن دموعه بلغت حبوته ، ثم جلس فدعا وبكى حتى ظننت أن دموعه بلغت حجزته ، ثم اضطجع على يمينه وجعل يده اليمنى تحت خده اليمنى ، ثم بكى حتى ظننت أن دموعه قد بلغت الأرض ، ثم جاءه عائشة بلال بعدما أذن فسلم فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : وما لي لا أبكي وقد أنزلت علي الليلة : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار الآية ، ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ، ويحك يا بلال ، ألا أكون عبدا شكورا دخلت مع .
[ ص: 35 ] وكان في هذا الحديث ، إنزال الله عليه هذه الآية في الليلة التي كان فيها عند ، وكان منه فيما بينه وبين ربه عز وجل ما كان ، وإخباره عائشة بما أنزل الله عليه في ليلته تلك من هذه الآية ، وإعلامه إياها أنه من لم يتفكر فيها فويل له . عائشة
فقال قائل : فهذا بخلاف حديث الذي رويته في هذا الباب ، لأن في حديث ابن عباس : أن إنزال الله تعالى كان لهذه الآية على رسوله للسبب الذي ذكره ابن عباس في حديثه ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنها هذا إنزاله إياها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذي كان منه من صلاته ورقة قلبه عندها . عائشة
فكان جوابنا له في ذلك : أنه لا اختلاف في هذين الحديثين ولا تضاد ، لأن الذي في حديث هو ذكر سؤال ابن عباس قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر من سؤالها إياه فيه ، وتخيير الله عز وجل إياه صلى الله عليه وسلم بين الشيئين المذكورين في ذلك الحديث ، واختياره صلى الله عليه وسلم لسائليه ما هو في العاقبة أحمد ، ومآلهم فيه السبب الذي يكون إيصالا لهم إلى الجنة [ ص: 36 ] وفوزا لهم من عذابه ، وكان إنزال الله عز وجل الآية التي أقام بها الحجة عليهم في الليلة التي أنزلها فيها عليه ، وهو في بيت ، وكان عائشة قد تقدم علمه بالسبب الذي كان من أجله نزولها ، ولم يكن ذلك تقدم عند ابن عباس فعاد بحمد الله ونعمته جميع الآثار التي رويناها في هذا الباب إلى انتفاء التضاد لها والاختلاف عنها ، والله الموفق . عائشة