[ ص: 45 ] 292 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما روي عنه فيما كان فعله بالذين أغاروا على لقاحه وارتدوا عن الإسلام هل كان ذلك عقوبة منه لهم لمحاربتهم بما يكون عقوبة للمحاربين لذلك مرتدين كانوا أو غير مرتدين أو لارتدادهم مع أفعالهم التي فعلوها .
1795 - حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا أحمد بن شبويه ، عن علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه يزيد النحوي ، عن . عكرمة
عن ابن عباس إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا إلى قوله : غفور رحيم نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل ، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله [ ص: 46 ] ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه .
1796 - وحدثنا ، قال : أخبرني أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثني علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدثنا أبي يزيد النحوي ، عن . عكرمة
عن رضي الله عنهما ابن عباس إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية ، قال : نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل وليست هذه الآية للرجل المسلم من قتل وأفسد في الأرض وحارب الله ورسوله .
[ ص: 47 ] ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب في قوله عز وجل : .
1797 - حدثنا ، قال : أخبرني أحمد بن شعيب محمد بن وهب بن أبي كريمة ، قال : حدثنا ، قال : حدثني محمد بن سلمة أبو عبد الرحيم ، قال : حدثني ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن طلحة بن مصرف . يحيى بن سعيد
عن رضي الله عنه ، قال : أنس بن مالك عرينة إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم ، فبعث بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له فأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا ، فقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل ، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم قدم أعراب من .
قال أمير المؤمنين عبد الملك لأنس وهو يحدثه هذا الحديث بكفر أو بذنب ، قال : بكفر .
[ ص: 48 ] ففي الحديث الأول من هذين الحديثين أن الحكم المذكور فيه في المشركين إذا فعلوا هذه الأفعال لا فيمن سواهم ممن هو متمسك بالإسلام . وفي الحديث الثاني منهما ما قد دل على أن العقوبة في ذلك كانت عند ؛ إذ كانت تلك الأفعال مع الزيادة لا مع الإسلام . أنس بن مالك
ولما اختلفوا في ذلك هذا الاختلاف طلبنا الوجه فيه ووجدنا الله قد قال في كتابه : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا الآية ، فكان ما ذكر الله في هذه الآية قد ذكر فيه أن العقوبات المذكورات فيها جزاء لمن أصاب تلك الأشياء التي تلك العقوبات عقوبات لها ، وقد تكون تلك الأشياء ممن ينتحل الإسلام ، وممن سواهم ، وكانت المحاربة هي العداوة لله عز وجل بالأفعال التي لا يرضاها .
1798 - كما حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا ، قال : وأخبرنا سعيد بن أبي مريم نافع بن يزيد ، قال : حدثني عياش بن عباس ، وهو القتباني ، عن عيسى بن عبد الرحمن ، عن ، عن زيد بن أسلم . أبيه
رضي الله عنه خرج إلى عمر بن الخطاب مسجد رسول الله [ ص: 49 ] صلى الله عليه وسلم فإذا هو يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما يبكيك يا بمعاذ بن جبل معاذ ؟ قال : يبكيني شيء سمعته من صاحب هذا القبر ، قال : وما هو ؟ قال : سمعته يقول : إن يسيرا من الرياء شرك ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله - عز وجل - يحب الأبرار الأخفياء الأتقياء الذين إذا غابوا لم يفقدوا ، وإن حضروا لم يدعوا ولم يقربوا ، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة أن .
1799 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، عن عبد الله بن وهب ، عن الليث بن سعد عياش بن عباس ، عن ، عن زيد بن أسلم ، ثم ذكر مثله ولم يذكر في إسناده أبيه عيسى بن عبد الرحمن .
[ ص: 50 ] قال : فوجب بذلك استعمال ما في هذه الآية على من يكون منه هذه المحاربة والسعي المذكور فيها إلى يوم القيامة من أهل الملة الباقين على الإسلام ، ومن أهل الملة الخارجين عن الإسلام إلى ضده ، ومن أهل الذمة الباقين على ذمتهم ، ومن أهل الذمة الخارجين عن ذمتهم بنقض العهد الذي كان عليهم فيها . أبو جعفر
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث يوجب ما قلنا .
1800 - وهو ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن سنان العوقي ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن عبد العزيز بن [ ص: 51 ] رفيع . عبيد بن عمير
عن قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة لا يحل قتل امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : زان بعد إحصانه ، أو رجل قتل فقتل به ، أو رجل خرج محاربا لله ولرسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض .
فقال قائل : فقد خولف محمد بن سنان في هذا الحديث ، عن فروى عنه . إبراهيم بن طهمان
1801 - كما قد حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا العباس بن محمد - يعني الدوري - ، عن أبو عامر العقدي ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن عبد العزيز بن رفيع . عبيد بن عمير
عن رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عائشة لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم ، أو رجل قتل متعمدا فيقتل ، أو رجل يخرج من الإسلام فيحارب الله عز وجل [ ص: 52 ] ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض .
قال : فكان جوابنا له : أن قوله صلى الله عليه وسلم " أو رجل يخرج من الإسلام " بعد قوله : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال " فيثبت الإسلام لأهلها ثم ذكر هذه الحوادث منهم دليل على أنه أراد من له في الإسلام نصيب إذا فعل هذه الأفعال ، وكان قوله يخرج من الإسلام مما قد يحتمل أن يكون أراد به يخرج عن جملة أهل الإسلام إلى الخروج عليهم بسيفه ، فيكون ذلك موافقا لما روى أبو جعفر محمد بن سنان هذا الحديث ، عن عليه ، ولولا ذلك لما كان لذكر الإسلام في أوله معنى ؛ إذ كانت هذه الأفعال لو كانت من غير أهل الإسلام لاستحقوا هذه العقوبة في قول أهل العلم جميعا ، ولكن ذكر الإسلام يوجب أن يكون أهل هذه الأفعال الثلاثة من أهل الإسلام خارجين عن أخلاق أهله إلى تلك الأفعال المذمومة ونعوذ بالله منها . إبراهيم بن طهمان
[ ص: 53 ] فقال قائل : قد احتججت بحديث هذا ، وفيه تخير الإمام في هذه الأشياء أيها رأى أن يقيمه على أهل المحاربة ، وأنت لا تقول هذا ، وقد قال بالتخير قبلك في هذه العقوبة غير واحد من أهل العلم ؟ إبراهيم بن طهمان
فذكر .
ما قد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الفريابي ، عن سفيان عصام ، عن في قوله ( أو… أو… ) ، قال : الحسن . الإمام مخير إن شاء قتل ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قطع
وما قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، عن هشيم عبيدة ، عن إبراهيم وأبي حرة ، عن الحسن وجويبر ، عن الضحاك ، عن والحجاج عطاء ، عن وليث عطاء ومجاهد . أنهم كانوا يقولون الإمام مخير في ذلك أي ذلك ما شاء فعل
[ ص: 54 ]
وما قد حدثنا أحمد بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عون الزيادي ، عن ، عن حماد ، عن عمران بن حدير أبي مجلز .
وما قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد محمد ، عن ، عن حماد ، قال : قتادة . الإمام مخير
وما قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان سعيد بن أسد ، قال : حدثنا ، عن ضمرة ، عن سفيان ، عن يونس الحسن ، عن وابن جريج عطاء إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : الإمام مخير إن شاء قتل ، وإن شاء قتل وصلب ، وإن شاء قطع ، وإن شاء نفى .
[ ص: 55 ] وما قد حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي أبو العوام ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن حسان أبو هلال ، عن ، عن قتادة ، قال : سعيد . إذا أخذ الإمام المحارب حكم فيه بما شاء
قال : فهذه الآثار كلها ، عن هؤلاء التابعين في تخير الإمام وقد كان يذهب إلى هذا فإلى قول من خالفت ذلك ؟ قيل له : إلى قول مالك بن أنس عبد الله بن عباس .
كما قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا ، عن أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عطية العوفي ، قال : ابن عباس . إذا خرج الرجل محاربا فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف وإن هو أخذ المال ، وقتل قطعت يده ورجله من خلاف وصلب ، وإن هو قتل ولم يأخذ المال قتل ، وإن هو أخاف السبيل ولم يأخذ المال نفي
[ ص: 56 ] وإلى هذا القول كان محمد بن الحسن وأبو يوسف يذهبان .
وأما فكان يقول : أبو حنيفة . إذا أخذ المال وقتل كان الإمام بالخيار : إن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله ، وإن شاء قتله ولم يقطع يده ورجله من خلاف
هكذا حدثنا محمد بن العباس ، عن ، عن علي بن معبد محمد بن الحسن .
وأما ما حكيته عن مالك فقد غلطت عليه فيه ؛ لأن كان يستعمل التخير كما ذكرت ما لم يقتل أو يطول مكثه في المحاربة ، فإذا كان ذلك كان حكمه أن يقتله فقد عاد قوله بذلك إلى طائفة من قول الآخرين ممن يجعل الآية على المراتب لا على التخير . مالكا
فقال هذا القائل : فلم لم تجعل للإمام أن يقتل بالمحاربة إذا لم يصب أهلها القتل بظاهر الآية .
قلت : لما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدفع ذلك .
1802 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، [ ص: 57 ] وكما حدثنا محمد بن الفضل عارم ، قال : حدثنا يزيد بن سنان قالا : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه في الدار وهو محصور فدخل يوما لحاجة ثم خرج فقال : لم يقتلونني ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمانه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ، ولا تمنيت لي بديني بدلا مذ هداني الله عز وجل فلم يقتلونني . ؟ عثمان كنت مع
وكما حدثنا المطلب بن شعيب الأسدي قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد عبد الله بن عامر بن ربيعة [ ص: 58 ] رضي الله عنه في الدار فلما سمع أنهم يريدون قتله قال : ما أعلمه يحل قتل المؤمن إلا الكفر بعد الإيمان أو الزنى بعد الإحصان أو قتل النفس بغير نفس عثمان بن عفان أنهم كانوا مع .
1803 - وكما حدثنا ، قال : أخبرني أحمد بن شعيب إبراهيم بن يعقوب ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عيسى يعني : ابن الطباع ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، أبو أمامة بن سهل ، قال : وعبد الله بن عامر بن ربيعة وهو محصور ، فدخل يوما ثم خرج متغيرا لونه ، فقال : إنهم ليتواعدونني بالقتل ولم يقتلوني ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله عز وجل ، ولا قتلت نفسا ، فبم يقتلوني عثمان كنا مع .
[ ص: 59 ]
1804 - وما حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن سفيان ، عن الأعمش عبد الله بن مرة ، عن ، عن مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله والذي لا إله إلا هو لا يحل دم أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : التارك الإسلام المفارق الجماعة والثيب الزاني والنفس بالنفس .
1805 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا يعقوب الدورقي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ثم ذكر بإسناده مثله وزاد ، الأعمش
قال : فحدثنيه سفيان ، قال : حدثني إبراهيم ، عن الأسود بذلك عائشة
[ ص: 60 ]
1806 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية محمد بن سابق ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، ثم ذكر مثله بالإسنادين جميعا اللذين فيه . سليمان الأعمش
1807 - وكما حدثنا علي بن شيبة جميعا قالا : حدثنا وأبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان النحوي ثم ذكر مثله بالإسنادين اللذين فيه جميعا . الأعمش
1808 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عمرو بن غالب ، قال :
الأشتر على فقالت : أردت قتل ابن أختي ، فقال : [ ص: 61 ] قد حرص على قتلي ، وحرصت على قتله فقالت : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة دخل ثم ذكرت نحو الحديث الأول .
1809 - حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، عن أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق عمرو بن غالب ، قال : دخل عمار بن ياسر والأشتر على عائشة بالبصرة فقالت ، وأما أنت يا عمار فقد علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ، فكان فيما روينا نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حل دم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بواحدة من الثلاث المذكورات في هذا الحديث ، فثبت بذلك أنه لا يحل دم من خرج من المسلمين بخروجه حتى يكون في ذلك القتل ، وفيما ذكرنا موافقة ما رويناه عن والله نسأله التوفيق
ابن عباس