[ ص: 392 ]
856 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفأرة تموت في سمن ، من حل الانتفاع به
5354 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن ، قال : إن كان جامدا فخذوها وما حولها فألقوه ، وإن كان ذائبا أو مائعا فاستصبحوا به ، أو فاستنفعوا به .
[ ص: 393 ] فكان في هذا الحديث إباحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستصباح أو الاستنفاع بالسمن النجس ، ولا نعلم أحدا ممن يحتج بروايته روى في هذا المعنى حديثا بين فيه هذا المعنى كما بينه معمر في حديثه هذا .
فقال قائل : فإن محمد بن دينار الطاحي قد روى هذا الحديث عن معمر بغير هذه الألفاظ ، فذكر .
5355 - ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي محمد بن دينار الطاحي ، قال : حدثنا ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة في الفأرة تقع في السمن ، قال : إن كان مائعا أهريق ، وإذا كان جامدا أخذت وما حولها وأكل الآخر .
[ ص: 394 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أن كل واحد من ، ومن عبد الواحد بن زياد محمد بن دينار لو تفرد بحديث لكان مقبولا منه ، ومن كان كذلك ، فانفرد بزيادة في حديث ، كانت تلك الزيادة مقبولة منه .
قال : فقد روى هذا الحديث عن غير الزهري معمر ، وهو ، ابن عيينة ومالك فخالفا معمرا في إسناده ، وفي متنه فذكر .
5356 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : ميمونة سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فأرة وقعت في سمن ، فماتت ، فقال : ألقوها ، وما حولها وكلوه .
[ ص: 395 ]
5357 - وما قد حدثنا ، قال : أخبرناه يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، ولم يذكر ميمونة في حديثه . ابن عباس
5358 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن جويرية بن أسماء ، عن مالك أن الزهري : أخبره : أن عبيد الله بن عبد الله أخبره : ابن عباس سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، فأرة وقعت في سمن فماتت ، فقال : خذوها ، وما حولها من السمن فاطرحوه . ميمونة أن
5359 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي مريم مالك ، عن وابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . ميمونة
[ ص: 396 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يحتمل أن يكون كان عند في هذا الباب عن الزهري ما رواه عنه سعيد بن المسيب معمر ، وعن عبيد الله ما رواه عنه ابن عيينة ومالك ، فلا نجعل إحدى الروايتين دافعة للأخرى ، ولكن نصححهما جميعا ، ونعمل بما فيهما .
فقال هذا القائل : فقد وجدناكم تروون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنع مما أطلقه هذا الحديث الذي رويتموه عن معمر من إباحته الاستصباح بما أباح الاستصباح به فيه .
5360 - كما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي شعيب بن الليث .
5361 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، قالا : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب : أنه سمع عطاء بن أبي رباح ، يقول : جابر بن عبد الله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عام الفتح ، فقال : إن الله - عز وجل - قد حرم بيع الخمر والأصنام والميتة والخنزير . فقال له بعض المسلمين : كيف ترى في شحوم الميتة تدهن به السفن والجلود ، ويستصبح به الناس ؟ فقال : " هو حرام ، قاتل الله اليهود ، لما حرم عليهم الشحوم جملوها فباعوه ، فأكلوا ثمنه .
[ ص: 397 ] قال : ففي هذا الحديث منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الاستصباح بشحوم الميتة ، ولا فرق بين شحوم الميتة ، وبين السمن الذي قد خالطته الميتة .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أن الذي في الفصل الأول من هذا الباب من حديث معمر ، والذي في هذا الفصل الثاني منه من حديث جابر ، مختلفان ; لأن حديث جابر في شحوم الميتة التي هي في نفسها حرام ، وشحومها كذلك ، ولا يحل الانتفاع بالحرام ، والذي في حديث معمر الذي في الفصل الأول من هذا الباب [ ص: 398 ] إنما هو الانتفاع بالسمن النجس ; لأن الأشياء النجسة يحل الانتفاع بها من الثياب النجسة التي لا تمنع نجاستها من لبسها ومن النوم فيها إذا كانت يابسة لا يصيب الأبدان منها شيء ، فكذلك يجوز الانتفاع بالسمن النجس ، إذ كان ليس بميتة في نفسه ، وإن كان الذي نجسه هو الميتة حتى يصح الحديثان اللذان رويناهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين المعنيين ، ولا يتضادان .
وقد روي هذا المعنى في السمن النجس عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
كما حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن موسى بن أعين عن عطاء - يعني ابن السائب - ميسرة ، عن وزاذان - عليه السلام - ، قال : علي . إذا سقطت الفأرة في السمن وهو جامد ، فاطرحها وما حولها من السمن ، ثم كله ، وإن كان السمن ذائبا ، فخذها فألقها ، واستنفع به للسراج ، ولا تأكله
وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن يحيى بن وثاب [ ص: 399 ] ، عن مسروق عبد الله . في فأرة وقعت في سمن ، قال : إن كان جامدا ، ألقي وما حوله ، وإن كان ذائبا ، استصبح به
وكما حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن نافع ابن عمر . في الفأرة تموت في الدهن : أنه كان يرخص فيه للمصباح
وكما حدثنا ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة علي بن ثابت ، عن عن نافع ابن عمر . في فأرة ماتت في زيت ، فأمرهم أن يستصبحوا به ويعطوه الدباغة
[ ص: 400 ] وكما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن أسامة ، عن نافع وكما حدثنا صفية عبيد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن نافع : صفية لآل عبد الله ، فقال : استصبحوا به وادهنوا به الأدم عبد الله . أن فأرة وقعت في أمراق
وكما حدثنا عبيد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي الحارث بن عمير ، عن ، عن أيوب : نافع أمرهم أن يستصبحوا به ، ويدهنوا به الجلود - يعني في فأرة وقعت في سمن - ابن عمر . أن
[ ص: 401 ]
وكما حدثنا عبيد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحارث بن عمير ، عن ، عن أيوب : ابن سيرين : لا تأكلوا وبيعوا ، ولا تبيعوه من المسلمين ، وبينوا لمن تبيعونه منه أبو موسى . أنهم أتوا سويقا ، فوجدوا فيه وزغة ميتة ، فقال
وكان في حديث أبي موسى هذا إطلاق بيعه ، فقال قائل : أفتجيزون بيعه ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه لما جاز الانتفاع به مع نجاسته كجواز الانتفاع بالثياب مع نجاستها ، وكان بيع الثياب التي هي كذلك جائزا ، كان بيع السمن الذي هو أيضا كذلك جائزا .
فإن قال : إن الثياب قد يجوز أن تغسل فتعود طاهرة ، والسمن لا يعود طاهرا أبدا .
قيل له : إن الثياب ، وإن كانت كما ذكرت ، فإنها قبل أن تعود إلى ما وصفت كالسمن الذي ذكرنا في نجاسته ، وقد وجدنا الدور التي لا تخلو من المخارج التي قد نجست مواضعها بما صار إليها مما بنيت [ ص: 402 ] من أجله مما لا يستطاع تطهيرها ، ولم يكن ذلك بمانع من بيعها ، فالسمن الذي ذكرنا كهي فيما وصفنا ، وقد قال بجواز بيعه من أئمة أهل العلم القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر .
كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد طلحة بن أبي سعيد ، عن ، عن خالد بن أبي عمران القاسم : وسالم . أنه سألهما عن الزيت تموت فيه الفأرة ، هل يصلح أن يؤكل منه ؟ فقالا : لا . فقلنا : نبيعه ؟! فقالا : نعم . ثم كلوا ثمنه ، وبينوا لمن تبيعونه ما وقع فيه
وبهذا القول كان - رضي الله عنه - وأصحابه يقولون في هذا المعنى ، وبه نأخذ ، والله عز وجل نسأله التوفيق . أبو حنيفة