[ ص: 389 ] 703 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان منه في سبايا هوازن لما سألوه أن يمن عليهم وأنه لم يفعل ذلك إلا بعد رضا المسلمين به
4509 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثني عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد قال : وزعم ابن شهاب أن عروة مروان بن الحكم أخبراه والمسور بن مخرمة وفد هوازن مسلمين ، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ، [ ص: 390 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معي من ترون ، وأحب القول إلي أصدقه ، واختاروا إحدى الطائفتين ; إما السبي ، وإما المال ، وقد كنت استأنيت بهم " ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف ، [ ص: 391 ] فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين ، قالوا : نختار سبينا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد : فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤوا تائبين ، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم ، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ، ومن أحب منكم أن يكون على حقه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل " ، فقال الناس : قد طيبنا لك يا رسول الله ولهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أدري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم " ، فرجع الناس ، فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه [ ص: 392 ] فقال قائل في هذا الحديث : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق من أطلق من سبايا هوازن حتى أطلق المسلمون ذلك فيهم ، وقد رويت لنا في الباب الذي قبل هذا الباب من كتابك هذا أن رسول الله قال لجبير بن مطعم لما كلمه في أسرى بدر : " شيخ لو جاءني - يعني أباه - فكلمني فيهم ، لأطلقتهم له " . ففي هذا إخباره جبيرا أن أباه لو كان كلمه في الأسرى الذين كلمه فيهم جبير ، لأطلقهم له بغير ذكر منه حاجته إلى إطلاق المسلمين ذلك له فيهم ، وهذا اختلاف شديد .
فكان جوابنا له في ذلك أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما [ ص: 393 ] خاطب به جبيرا في أسرى بدر ، كان ذلك منه في أسرى سبيلهم القتل لهم ، أو المن عليهم ، أو أخذ الفداء منهم وإطلاقهم ، ولم يكن في ذلك وقوع ملك للمسلمين على أحد منهم إنما كانت السبيل فيهم هذه الوجوه التي ذكرنا لا غيرها ، فكان إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمضي فيهم ما رآه منها لا حاجة به إلى إطلاق المسلمين له ذلك فيهم ، وسبي هوازن كان في نساء قد وقعت الأملاك عليهن ، لأنهن في ذلك بخلاف الرجال ; إذ كن لا يقتلن والرجال يقتلون ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قسمهن بين المسلمين ، فملكوهن ، فلم يصلح له صلى الله عليه وسلم إخراجهن عن أملاكهم إلا بطيب أنفسهم بذلك ، ورضاهم به . ومما روي مما قد دل على قسمته كانت إياهن بين المسلمين قبل أن يسأل فيهن ما يسأل مما قد ذكرناه .
4510 - ما قد حدثنا ، حدثني ابن أبي داود ، حدثني عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، عن عقيل ، حدثني ابن شهاب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير هوازن من النساء والرجال والصبيان إلى هوازن حين أسلموا ، وخير نساء كن عند رجال من قريش ، منهم : عبد الرحمن ، وصفوان بن أمية ، قد كانا استسرا المرأتين اللتين كانتا عندهما من هوازن ، فخيرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاختارتا قومهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ستة آلاف من سبي .
[ ص: 394 ] فقال هذا القائل : هذا حديث منقطع ، فهل عندك في المعنى الذي ذكرت حديث متصل ؟
فكان جوابنا له في ذلك أنه قد روي في ذلك من الحديث المتصل .
4511 - ما قد حدثنا ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرني ابن وهب أن جرير بن حازم حدثه أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه عبد الله بن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن الخطاب بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام ، فكيف ترى ؟ قال : اذهب فاعتكف يوما ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس ، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا أوطاس سمع أصواتهم يقولون : أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا عمر بن الخطاب أوطاس ، فقال عمر : يا عبد الله ، اذهب إلى تلك الجارية ، فخل سبيلها أن .
[ ص: 395 ] قال : وهذا الحديث ، ففي سبي أبو جعفر هوازن وإن ذلك لم يذكر في هذا الحديث ، لأن ذلك إنما كان بالجعرانة ، وكانت الجعرانة في سنة ثمان من الهجرة ، وفيها كانت غزوة هوازن ، وقد دل على ما ذكرنا من هذا المعنى .
4512 - ما قد حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا عبد الملك بن هشام قال : قال زياد بن عبد الله البكائي : ابن إسحاق رضي الله عنه جارية من سبي عمر بن الخطاب هوازن ، فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه . قال : فحدثني ابن إسحاق ، عن نافع مولى ابن عمر قال : بعثت بها إلى أخوالي من عبد الله بن عمر بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم ، وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها ، فخرجت من المسجد حين فرغت ، [ ص: 396 ] فإذا الناس يشتدون ، فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا : رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، قلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا فأخذوها أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكشف هذا الحديث ما قد ذكرنا ، وبان بحمد الله تعالى أنه لا تضاد في شيء مما قد رويناه في هذا الباب وفي الباب الذي قبله مما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا أهل بدر ، وما كان منه في سبايا هوازن ، وأن الذي كان منه في سبايا بدر كان في سبايا لم يقع عليهم أملاك المسلمين ، فلم يكن به حاجة إلى إطلاق المسلمين له فيهم ما يريد أن يفعله فيهم من من ومن غيره ، وأن الذي كان منه في سبايا هوازن من طلبه من المسلمين بطيب ذلك له إنما كان منه لوقوع أملاكهم عليهم قبل ذلك ، فلم يصلح رفع أملاكهم عنهم إلا بطيب أنفسهم بذلك ، وإطلاقهم إياه ، وإذنهم فيه ، وبالله التوفيق .