[ ص: 259 ] 515 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي كان يكتب له فكان يملي عليه : عليما حكيما ، فيكتب : سميعا عليما ، ولا ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فارتد عن الإسلام ، هل كان من قريش ، أو من الأنصار ، أو من غيرهم ؟
3226 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن عبد العزيز بن صهيب رضي الله عنه ، قال : أنس بن مالك محمد إلا ما كتبت له ، فأماته الله عز وجل ، فدفنوه ، فأصبح قد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا عمل محمد ، إنه وأصحابه نبشوا على صاحبنا ، فألقوه فحفروا فأعمقوا ، فأصبحوا قد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا عمل محمد [وأصحابه] نبشوا على صاحبنا ، فألقوه ، فحفروا له ، فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح قد لفظته [ ص: 260 ] الأرض ، فعلموا أنه ليس من الناس ، فألقوه . كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانيا ، فكان يقول : ما يقرأ
قال : فبان بهذا الحديث بحمد الله أنه لم يكن من أبو جعفر قريش ولا من الأنصار ، وأنه كان نصرانيا .
فقال قائل : قد ذكرت قبل هذا الباب في كتابك هذا ما دفعت أن يكون هذا الرجل كان الذي يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكتب خلافه ، يمضيه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من معنى ما أملى عليه معنى ما كتبه ، وفي هذا الحديث أن ذلك الرجل كان يقول : ما يقرأ محمد إلا ما كتبت له ، ففي ذلك ما قد دل أن الذي كان يكتبه للنبي صلى الله عليه وسلم كان من القرآن .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه ليس في هذا الذي ذكره ما يجب أن يكون الذي كان يكتبه للنبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا ، إذ كان قد يحتمل أن يكون غير قرآن مما كان يكتبه إلى من يدعوه إلى الله عز وجل من أهل الكفر ، ثم يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس الذين يحضرونه ليسمعوه ويعلموه ، وليس ذلك على أنه كان يقرؤه بنفسه ، ولكنه كان يقرؤه بأمره ، فيكون ذلك قراءة له ، وليس كل مقروء قرآنا ، قال الله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه ، [ ص: 261 ] وقال عز وجل : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، في نظائر لذلك في القرآن كثيرة ، يغني ما ذكرناه منها عن ذكر بقيتها .
فعاد معنى ما في هذا الحديث إلى ما في الحديث الأول ، وليس في واحد منهما ما قد دل على أن الذي كان يمليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الرجل ، فيكتب ذلك الرجل خلافه مما معناه معنى القرآن في واحد من ذينك الحديثين من القرآن ، والله عز وجل نسأله التوفيق .