[ ص: 423 ] 351 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصاب ذنبا في الدنيا فعوقب به وفيمن أصاب ذنبا في الدنيا فستره الله عز وجل عليه في الدنيا وعفا عنه
2181 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا ، عن حجاج بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن أبي جحيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي من أصاب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله عز وجل أكرم من أن يثني عقوبته على عبده ، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستر الله عز وجل عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه .
[ ص: 424 ]
2182 - حدثنا الحسين بن غليب ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي إسحاق ، [ ص: 425 ] عن أبي جحيفة رضي الله عنه أنه قال : علي بن أبي طالب وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ألا أحدثكم حديثا حق على كل مسلم أن يوعيه ، فقلنا : ألا تحدثنا به؟ فحدثناه أول النهار فنسيناه آخر النهار ، فرجعنا إليه فقلنا : الحديث الذي ذكرت أنه حق على كل مسلم أن يوعيه فقد نسيناه فأعده ، فقال : ما من مسلم يذنب ذنبا فيؤاخذه الله به في الدنيا فيعاقبه في الآخرة إلا كان الله عز وجل أعظم وأكرم أن يعود في عقوبته يوم القيامة ، وما من عبد مسلم يذنب ذنبا فيعفو الله عز وجل عنه إلا كان الله عز وجل أحلم وأكرم من أن يعود فيه يوم القيامة ، ثم قرأ : .
[ ص: 426 ] قال : وفي هذا الحديث ما قد دل على أن أبو جعفر عليا رضي الله عنه لم يقل ما فيه استنباطا ولكنه قاله توقيفا ، فيلحق بذلك بالحديث الذي قبله .
فقال قائل : وكيف يجوز أن تضيفوا إلى الله عز وجل العفو عن ذنب في الدنيا ثم تضيفوا إليه عز وجل أن تركه العقوبة عليه في الآخرة كرم منه وهو قد عفا عنه في الدنيا ولا يجوز أن يعفو عنه في الدنيا ثم يعاقب عليه في الآخرة ؟ وإذا كان ذلك كذلك لم يكن تركه العقوبة عليه في الآخرة كرما ؛ لأن الكرم إنما هو ترك الكريم فعل ما له أن يفعله ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون للعباد ذنوب يستحقون من الله عز وجل العقوبة في الدنيا والعقوبة في الآخرة جميعا كمثل ما قال عز وجل في آية المحاربين : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم فتكون تلك العقوبة الدنيوية إذا أقيمت على المذنبين لم تعد عليهم في الآخرة وكانت عليهم في الآخرة عقوبات أخر سواها ، ويكون الله عز وجل إذا ستر عليهم في الدنيا تلك الذنوب وعفا لهم عنها بتركه أخذهم بالعقوبات الدنيوية عليهم فيها لم يسقط بذلك عنهم العقوبات الأخروية عليهم فيها وكانت أمورهم إليه عز وجل إن شاء عذبهم عليها وإن شاء عفا لهم عنها . ومثل ذلك ما [ ص: 427 ] قد رواه رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . عبادة بن الصامت
2183 - كما حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس رضي الله عنه ، قال : عبادة بن الصامت كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال لنا : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، وقرأ عليهم الآية ، ومن وفى منكم فأجره على الله عز وجل ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستر الله عز وجل عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه .
2184 - وكما قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا ، عن الفريابي ، عن الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني رضي الله عنه ، قال : عبادة بن الصامت يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين الآية ، فمن أصاب منكم حدا فعجلت له عقوبته فهو كفارته ، ومن أخر عنه فأمره إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه .
أخذ علينا رسول الله [ ص: 428 ] صلى الله عليه وسلم شيئا كما أخذ على النساء في القرآن : قال : فالعقوبة التي يعاقب بها الله عز وجل على ذلك في الآخرة والعفو عنها على ما شاء عز وجل أن يجري أمورهم عليه على مثل ما في حديث أبو جعفر علي الذي رويناه وما يقيمه عليهم عز وجل في الآخرة هو خلاف ما أقامه عليهم في الدنيا إن كان أقامه عليهم فيها وخلاف ما قد عفا لهم عنه في الدنيا إن كان عفا لهم عنه في الدنيا على ما كان منه عز وجل في ذلك من عفو أو من ستر ومن عقوبة ، ومما يدخل في هذا الباب أيضا ما قد روي عن رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . عائشة
2185 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يزيد بن هارون . همام
وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد هشام بن [ ص: 429 ] عبد الملك الطيالسي ، قال : سمعت همام ، قال : حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة شيبة الخضري أنه شهد يحدث عروة بن الزبير عمر بن عبد العزيز ، عن رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عائشة ثلاثة أشهد عليهم والرابعة لو شهدت رجوت أن لا آثم لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ، وسهام الإسلام الصوم والصلاة والصدقة ولا يتولى الله عز وجل رجلا في الدنيا فيوليه في الآخرة غيره ، ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة ، والرابعة لا يستر الله عز وجل على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة .
قال : وذكر أبو جعفر أبو عبيد في كتابه في النسب في أنساب [ ص: 430 ] بني محارب بن خصفة فقال : ومنهم مالك بن طريف بن خلف بن محارب بن خصفة ومالك هذا هو الخضر ، لأن كان آدم ، فبذلك قيل لولده مالكا الخضر .
قال : فكان ما في هذا الحديث من قوله : والرابعة لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة هو ما يجب أن يكون العباد من حسن ظنونهم بربهم عز وجل فيما يتولاه من أمورهم في الآخرة ؛ لأنه أهل التقوى وأهل المغفرة فيكون المرجو منه فيما ستر عليهم في الدنيا مما لم يخرجوا به عن الإسلام أن يكون لا يؤاخذهم به في الآخرة . أبو جعفر
وفي حديث عبادة حرف يجب أن يوقف عليه ، وهو قوله فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ليس ذلك على من أصاب شيئا من كل ما فيه ؛ لأن فيه مبايعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما في الآية المأخوذة على النساء ، وهي قوله عز وجل : يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف .
[ ص: 431 ] فكان قوله صلى الله عليه وسلم ما في حديث عبادة من الكفارة ومن الستر الذي قد يجوز أن يكون معه العفو إنما يرجع على ما سوى الشرك لأن الله عز وجل قال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والله عز وجل نسأله التوفيق .