[ ص: 154 ] 26 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من نهيه عن الجلوس بالصعدات ومن إباحته ذلك على الشرائط التي اشترطها في إباحته ذلك
165 - حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان عبد الله بن سنان الهروي ، حدثنا ، عن عبد الله بن المبارك قال : سمعت جرير بن حازم يحدث عن إسحاق بن سويد ابن حجير العدوي قال : سمعت يقول : { عمر بن الخطاب أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس على الطريق فقال : إياكم والجلوس على هذه الطرق ، فإنها مجالس الشيطان ، فإن كنتم لا محالة فأدوا حق الطريق ، ثم مضى رسول الله عليه السلام فقلت : قال رسول الله عليه السلام : أدوا حق الطريق ، ولم أسأله ما هو ، فلحقته فقلت : يا رسول الله ، إنك قلت كذا وكذا ، فما حق الطريق ؟ قال : حق الطريق : أن ترد السلام ، وتغض البصر ، وتكف الأذى ، وتهدي الضال ، وتعين الملهوف } .
[ ص: 155 ]
166 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا قال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن سويد ، عن النبي عليه السلام بهذا الحديث منقطع الإسناد كما ذكرنا ، وبدون الكلام الذي في حديث يحيى بن يعمر . يزيد بن سنان
167 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد عثمان بن حكيم ، حدثنا ، حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : قال أبي : { أبو طلحة كنا جلوسا بالأفنية فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما لكم ولمجالس الصعدات ؟ فقلنا : اجتمعنا لغير مراب نتذاكر ونتحدث ، قال : فأعطوا المجالس حقها . قالوا : وما حقها يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، ورد السلام ، وطيب الكلام } .
[ ص: 156 ]
168 - حدثنا ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا الأسود بن عامر هريم بن سفيان البجلي ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن ، عن أبيه أبي شريح الخزاعي ، عن النبي عليه السلام قال : { إياكم والجلوس في الصعدات ، فمن جلس في صعيد فليعطه حقه . قالوا : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : إغضاض البصر ، ورد التحية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } .
169 - حدثنا ، حدثنا يونس ، حدثني ابن وهب ، عن حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار أن رسول الله عليه السلام قال : { أبي سعيد الخدري إياكم والجلوس بالطرقات ، قالوا : يا رسول الله ، لا بد من مجالسنا نتحدث فيها . فقال رسول الله : فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } .
170 - حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثني شعبة قال : [ ص: 157 ] سمعت أبو إسحاق يقول : { البراء بن عازب الأنصار فقال : إن كنتم لا بد فاعلين ، فأفشوا السلام ، وأعينوا المظلوم ، واهدوا السبيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بناس من } .
171 - حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن أبو إسحاق : { البراء الأنصار ، فقال : إن كنتم لا بد فاعلين أن النبي عليه السلام مر بناس جلوس من } ، ثم ذكر مثله سواء غير أنه قال فيه : قال : ولم يسمع هذا الحديث أبو إسحاق من شعبة البراء .
قال : وهذا اختلاف شديد على أبو جعفر في هذا الحديث ؛ لأن شعبة حجاجا يذكر فيه سماع أبي إسحاق إياه من البراء ، وأبو الوليد ينفي ذلك ، والله أعلم ما الصواب فيه .
172 - حدثنا فهد ، حدثنا ، [ ص: 158 ] حدثنا أبو غسان النهدي مالك بن إسماعيل ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق قال : { البراء للأنصار فقال : إن أبيتم إلا أن تجلسوا ، فردوا السلام ، واهدوا السبيل ، وأعينوا المظلوم مر النبي عليه السلام على مجلس } .
قال : فتأملنا ما في هذه الآثار ، فوجدنا فيها نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بالصعدات ، ثم أباح بعد ذلك ما أباحه من الجلوس فيها على الشرائط التي اشترطها على من أباحه ذلك منها . أبو جعفر
فوقفنا بذلك على أن نهيه كان على الجلوس فيها ، إنما كان على الجلوس الذي ليس معه الشرائط التي اشترطها عند إباحته الجلوس فيها على من آثر أن يجلس فيها ، وعلى أن إباحته الجلوس فيها مضمن بالشرائط التي اشترطها في إباحته الجلوس فيها على من أباحه ذلك منها .
وفي ذلك ما قد دل على تباين نهيه صلى الله عليه وسلم وتباين إباحته ، وأن كل واحد منهما لمعنى ليس في الآخر منهما .
وفي هذه الآثار ما يدل على إباحة الناس الاستعمال من طرقهم العامة ما لا ضرر فيه على أحد من أهلها ، وإذا كان ذلك كذلك كان معقولا أن الجلوس فيها إن كان مما يضيق على المارين بها جلوس الجالسين بها إياها ، غير داخل فيما أباحه عليه السلام منها ، وأن ذلك راجع إلى ما في حديث سهل بن معاذ الجهني ، عن أبيه : { أن رسول الله عليه السلام أمر مناديا في بعض غزواته لما ضيق الناس المنازل ، وقطعوا الطرقات ، فنادى [ ص: 159 ] أن من ضيق منزلا ، وقطع طريقا فلا جهاد له } .
وقد ذكرنا هذا الحديث فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، والواجب على ذوي اللب أن يعقلوا عن رسول الله عليه السلام ما يخاطب به أمته ، فإنه إنما يخاطبهم به ليوقفهم على حدود دينهم ، وعلى الآداب التي يستعملونها فيه ، وعلى الأحكام التي يحكمون بها فيه ، وأن يعلم أنه لا تضاد فيها ، وأن كل معنى منها يخاطبهم به يخالف ألفاظه فيه الألفاظ التي قد كان خاطبهم فيما قبله من جنس ذلك المعنى ، وأن يطلبوا ما في كل واحد من ذينك المعنيين إذا وقع في قلوبهم أن في ذلك تضادا أو خلافا ، فإنهم يجدونه بخلاف ما ظنوه فيه ، وإن خفي ذلك على بعضهم ، فإنما هو لتقصير علمه عنه ، لا لأن فيه ما ظنه من تضاد أو خلاف ؛ لأن ما تولاه الله بخلاف ذلك كما قال تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، والله نسأله التوفيق .