الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ظفر قرواش صاحب الموصل بالغز

قد ذكرنا انحدار قرواش إلى السن ومراسلته سائر أصحاب الأطراف في طلب النجدة منهم ، فأما الملك جلال الدولة فلم ينجده لزوال طاعته عن جنده الأتراك أما دبيس بن مزيد فسار إليه ، واجتمعت عليه عقيل كافة ، وأتته أمداد أبي الشوك وابن ورام ، وغيرهما ، فلم يدركوا الوقعة ، فإن قرواشا لما اجتمعت عقيل ودبيس عنده سار إلى الموصل .

وبلغ الخبر إلى الغز فتأخروا إلى تلعفر ، وبومارية وتلك النواحي ، وراسلوا الغز الذين كانوا بديار بكر ، ومقدمهم ناصغلي وبوقا ، وطلب منهم المساعدة على العرب ، فساروا إليهم .

وسمع قرواش بوصولهم فلم يعلم أصحابه لئلا يفشلوا ويجبنوا ، وسار حتى نزل على العجاج ، وسارت الغز فنزلوا برأس الأيل من الفرج ، وبينهما نحو فرسخين ، وقد طمع الغز في العرب ، فتقدموا حتى شارفوا حلل العرب ، ووقعت الحرب في العشرين من شهر رمضان من أول النهار ، فاستظهرت الغز ، وانهزمت العرب حتى صار القتال عند حللهم ، ونساؤهم يشاهدن القتال ، فلم يزل الظفر للغز إلى الظهر ، ثم أنزل الله نصره على العرب وانهزمت الغز ، وأخذهم السيف وتفرقوا وكثر القتل فيهم ، فقتل ثلاثة من مقدميهم ، وملك العرب حلل الغز وخركاهاتهم ، وغنموا أموالهم ، فعمتهم الغنيمة ، وأدركهم الليل فحجز بينهم .

وسير قرواش رءوس كثير من القتلى في سفينة إلى بغداذ . فلما قاربتها أخذها [ ص: 726 ] الأتراك ودفنوها ، ولم يتركوها تصل أنفة وحمية للجنس ، وكفى الله أهل الموصل شرهم ، وتبعهم قرواش إلى نصيبين ، وعاد عنهم فقصدوا ديار بكر فنهبوها ، ثم مالوا على الأرمن والروم فنهبوهم ثم قصدوا بلاد أذربيجان ، وكتب قرواش إلى الأطراف يبشر بالظفر بهم ، وكتب إلى ابن ربيب الدولة ، صاحب أرمية ، يذكر له أنه قتل منهم ثلاثة آلاف رجل فقال للرسول : هذا عجب ! فإن القوم لما اجتازوا ببلادي أقمت على قنطرة لا بد لهم من عبورها من عدهم ، فكانوا نيفا وثلاثين ألفا مع لفيفهم ، فلما عادوا بعد هزيمتهم لم يبلغوا خمسة آلاف رجل ، فإما أن يكونوا قتلوا أو هلكوا . ومدح الشعراء قرواشا بهذا الفتح ، وممن مدحه ابن شبل بقصيدة منها :


بأبي الذي أرست نزار بيتها في شامخ من عزه المتخير



وهي طويلة . هذه أخبار الغز العراقيين ، وإنما أوردناها متتابعة لأن دولتهم لم تطل حتى نذكر حوادثها في السنين وإنما كانت سحابة صيف تقشعت عن قريب .

وأما السلجوقية فنحن نذكر حوادثهم في السنين ونذكر ابتداء أمرهم سنة اثنتين وثلاثين [ وأربعمائة ] إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية