[ ص: 102 ] 100
ثم دخلت سنة مائة
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33754خروج شوذب الخارجي في هذه السنة خرج
شوذب ، واسمه
بسطام ، من
بني يشكر ، في
جوخى ، وكان في ثمانين رجلا ، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز إلى
عبد الحميد عامله
بالكوفة أن لا يحركهم حتى يسفكوا دماء ، ويفسدوا في الأرض ، فإن فعلوا وجه إليهم رجلا صليبا حازما في جند .
فبعث
عبد الحميد محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين وأمره بما كتب به
عمر ، وكتب
عمر إلى
بسطام يسأله عن مخرجه ، فقدم كتاب
عمر عليه وقد قدم
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير ، فقام بإزائه لا يتحرك .
فكان في كتاب
عمر : بلغني أنك خرجت غضبا لله ولرسوله ، ولست أولى بذلك مني ، فهلم إلي أناظرك ، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس ، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك .
فكتب
بسطام إلى
عمر : قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك . وأرسل إلى
عمر مولى
لبني شيبان حبشيا اسمه
عاصم ، ورجلا من
بني يشكر ، فقدما على
عمر بخناصرة ، فدخلا إليه ، فقال لهما : ما أخرجكما هذا المخرج ، وما الذي نقمتم ؟ فقال
عاصم : ما نقمنا سيرتك ، إنك لتتحرى العدل والإحسان ، فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر ، أعن رضى من الناس ومشورة ، أم ابتززتم أمرهم ؟
فقال
عمر : ما سألتهم الولاية عليهم ، ولا غلبتهم عليها ، وعهد إلي رجل كان
[ ص: 103 ] قبلي فقمت ولم ينكره علي أحد ، ولم يكرهه غيركم ، وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس ، فاتركوني ذلك الرجل ، فإن خالفت الحق ورغبت عنه; فلا طاعة لي عليكم .
قالا : بيننا وبينك أمر واحد . قال : ما هو ؟ قالا : رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك ، وسميتها مظالم ، فإن كنت على هدى وهم على الضلالة ، فالعنهم وابرأ منهم . فقال
عمر : قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبا للدنيا ، ولكنكم أردتم الآخرة ، فأخطأتم طريقها ، إن الله ، عز وجل ، لم يبعث رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، لعانا ، وقال
إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم . وقال الله ، عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . وقد سميت أعمالهم ظلما ، وكفى بذلك ذما ونقصا ، وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها ، فإن قلتم إنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون ؟ قال : ما أذكر متى لعنته . قال : أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وشرهم ، ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون ! قال : أما هم كفار بظلمهم ؟ قال : لا ، لأن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس إلى الإيمان ، فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه ، فإن أحدث حدثا أقيم عليه الحد .
فقال الخارجي : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده . قال
عمر : فليس أحد منهم يقول : لا أعمل بسنة رسول الله ، ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ، ولكن غلب عليهم السفاء . قال
عاصم : فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم . قال
عمر : أخبراني عن
أبي بكر وعمر ، أليسا على حق ؟ قالا : بلى . قال : أتعلمان أن
أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم ، وسبى الذراري ، وأخذ الأموال ؟ قالا : بلى . قال : أتعلمان أن
عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية ؟ قالا : نعم . قال : فهل
عمر من
أبي بكر ؟ قالا : لا . قال : أفتبرءون أنتم من واحد منهما ؟ قالا : لا . قال : فأخبراني عن أهل
النهروان وهم أسلافكم ، هل تعلمان أن أهل
الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دما ، ولم يأخذوا مالا ، وأن من خرج إليهم من أهل
البصرة قتلوا
عبد الله بن خباب وجاريته وهي حامل ؟ قالا : نعم . قال : فهل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض ؟ قالا : لا : أفتبرءون أنتم من أحد من الطائفتين ؟ ( قالا : لا ) . قال : أفيسعكم أن تتولوا
أبا بكر وعمر وأهل
البصرة وأهل
الكوفة ، وقد علمتم
[ ص: 104 ] اختلاف أعمالهم ، ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد ! فاتقوا الله ! فإنكم جهال ، تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتردون عليهم ما قبل ، ويأمن عندكم من خاف عنده ، ويخاف عندكم من أمن عنده ، فإنكم يخاف عندكم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وكان من فعل ذلك عند رسول الله آمنا وحقن دمه وماله ، وأنتم تقتلونه ، ويأمن عندكم سائر أهل الأديان ، فتحرمون دماءهم وأموالهم .
قال اليشكري : أرأيت رجلا ولي قوما وأموالهم ، فعدل فيها ، ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون ، أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله ، عز وجل ، أو تراه قد سلم ؟ قال : لا . قال : أفتسلم هذا الأمر إلى
يزيد من بعدك ، وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق ؟ قال : إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي . قال : أفترى ذلك من صنع من ولاه حقا ؟ فبكى
عمر وقال : أنظراني ثلاثا .
فخرجا من عنده ثم عادا إليه ، فقال
عاصم : أشهد أنك على حق . فقال
عمر لليشكري : ما تقول أنت ؟ قال : ما أحسن ما وصفت ، ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر ، اعرض عليهم ما قلت واعلم ما حجتهم .
فأما
عاصم فأقام عند
عمر ، فأمر له
عمر بالعطاء ، فتوفي بعد خمسة عشر يوما . فكان
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يقول : أهلكني أمر
يزيد وخصمت فيه ، فأستغفر الله .
فخاف
بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال ، وأن يخلع
يزيد من ولاية العهد ، فوضعوا على
عمر من سقاه سما ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى مرض ومات ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير مقابل
الخوارج لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه ، كل منهم ينتظر عود الرسل من عند
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، فتوفي والأمر على ذلك .
[ ص: 102 ] 100
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ مِائَةٍ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33754خُرُوجِ شَوْذَبٍ الْخَارِجِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ
شَوْذَبٌ ، وَاسْمُهُ
بِسْطَامٌ ، مِنْ
بَنِي يَشْكُرَ ، فِي
جُوخَى ، وَكَانَ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى
عَبْدِ الْحَمِيدِ عَامِلِهِ
بِالْكُوفَةِ أَنْ لَا يُحَرِّكَهُمْ حَتَّى يَسْفِكُوا دِمَاءً ، وَيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ، فَإِنْ فَعَلُوا وَجِّهْ إِلَيْهِمْ رَجُلًا صَلِيبًا حَازِمًا فِي جُنْدٍ .
فَبَعَثَ
عَبْدُ الْحَمِيدِ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ فِي أَلْفَيْنِ وَأَمْرَهُ بِمَا كَتَبَ بِهِ
عُمَرُ ، وَكَتَبَ
عُمَرُ إِلَى
بِسْطَامٍ يَسْأَلُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، فَقَدِمَ كِتَابُ
عُمَرَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، فَقَامَ بِإِزَائِهِ لَا يَتَحَرَّكُ .
فَكَانَ فِي كِتَابِ
عُمَرَ : بَلَغَنِي أَنَّكَ خَرَجْتَ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَلَسْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنِّي ، فَهَلُمَّ إِلَيَّ أُنَاظِرُكَ ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ بِأَيْدِينَا دَخَلْتَ فِيمَا دَخَلَ النَّاسُ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِكَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِكَ .
فَكَتَبَ
بِسْطَامٌ إِلَى
عُمَرَ : قَدْ أَنْصَفْتَ وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ رَجُلَيْنِ يُدَارِسَانِكَ وَيُنَاظِرَانِكَ . وَأَرْسَلَ إِلَى
عُمَرَ مَوْلًى
لِبَنِي شَيْبَانَ حَبَشِيًّا اسْمُهُ
عَاصِمٌ ، وَرَجُلًا مِنْ
بَنِي يَشْكُرَ ، فَقَدِمَا عَلَى
عُمَرَ بِخُنَاصِرَةَ ، فَدَخَلَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمَا : مَا أَخْرَجَكُمَا هَذَا الْمَخْرَجَ ، وَمَا الَّذِي نَقَمْتُمْ ؟ فَقَالَ
عَاصِمٌ : مَا نَقَمْنَا سِيرَتَكَ ، إِنَّكَ لَتَتَحَرَّى الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ ، فَأَخْبِرْنَا عَنْ قِيَامِكَ بِهَذَا الْأَمْرِ ، أَعَنْ رِضًى مِنَ النَّاسِ وَمَشُورَةٍ ، أَمِ ابْتَزَزْتُمْ أَمْرَهُمْ ؟
فَقَالَ
عُمَرُ : مَا سَأَلْتُهُمُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمْ ، وَلَا غَلَبْتُهُمْ عَلَيْهَا ، وَعَهِدَ إِلَيَّ رَجُلٌ كَانَ
[ ص: 103 ] قَبْلِي فَقُمْتُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيَّ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ غَيْرُكُمْ ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ الرِّضَا بِكُلِّ مَنْ عَدَلَ وَأَنْصَفَ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ ، فَاتْرُكُونِي ذَلِكَ الرَّجُلَ ، فَإِنْ خَالَفْتُ الْحَقَّ وَرَغِبْتُ عَنْهُ; فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ .
قَالَا : بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَمْرٌ وَاحِدٌ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَا : رَأَيْنَاكَ خَالَفْتَ أَعْمَالَ أَهْلِ بَيْتِكَ ، وَسَمَّيْتَهَا مَظَالِمَ ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى هُدًى وَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ ، فَالْعَنْهُمْ وَابْرَأْ مِنْهُمْ . فَقَالَ
عُمَرً : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ لَمْ تَخْرِجُوا طَلَبًا لِلدُّنْيَا ، وَلَكِنَّكُمْ أَرَدْتُمُ الْآخِرَةَ ، فَأَخْطَأْتُمْ طَرِيقَهَا ، إِنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَمْ يَبْعَثْ رَسُولَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَعَّانًا ، وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَقَالَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ . وَقَدْ سَمَّيْتُ أَعْمَالَهُمْ ظُلْمًا ، وَكَفَى بِذَلِكَ ذَمًّا وَنَقْصًا ، وَلَيْسَ لَعْنُ أَهْلِ الذُّنُوبِ فَرِيضَةً لَا بُدَّ مِنْهَا ، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهَا فَرِيضَةٌ فَأَخْبِرْنِي مَتَى لَعَنْتَ فِرْعَوْنَ ؟ قَالَ : مَا أَذْكُرُ مَتَى لَعَنْتُهُ . قَالَ : أَفَيَسَعُكَ أَنْ لَا تَلْعَنَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ أَخْبَثُ الْخَلْقِ وَشَرُّهُمْ ، وَلَا يَسَعُنِي أَنْ لَا أَلْعَنَ أَهْلَ بَيْتِي وَهُمْ مُصَلُّونَ صَائِمُونَ ! قَالَ : أَمَا هُمْ كُفَّارٌ بِظُلْمِهِمْ ؟ قَالَ : لَا ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الْإِيمَانِ ، فَكَانَ مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَبِشَرَائِعِهِ قَبِلَ مِنْهُ ، فَإِنَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
فَقَالَ الْخَارِجِيُّ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، دَعَا النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِهِ . قَالَ
عُمَرُ : فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقُولُ : لَا أَعْمَلُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ السَّفَاءُ . قَالَ
عَاصِمٌ : فَابْرَأْ مِمَّا خَالَفَ عَمَلَكَ وَرُدَّ أَحْكَامَهُمْ . قَالَ
عُمَرُ : أَخْبِرَانِي عَنْ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، أَلَيْسَا عَلَى حَقٍّ ؟ قَالَا : بَلَى . قَالَ : أَتَعْلَمَانِ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ سَفَكَ دِمَاءَهُمْ ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ ؟ قَالَا : بَلَى . قَالَ : أَتَعْلَمَانِ أَنَّ
عُمَرَ رَدَّ السَّبَايَا بَعْدَهُ إِلَى عَشَائِرِهِمْ بِفِدْيَةٍ ؟ قَالَا : نَعَمْ . قَالَ : فَهَلْ
عُمَرُ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَا : لَا . قَالَ : أَفَتَبْرَءُونَ أَنْتُمْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؟ قَالَا : لَا . قَالَ : فَأَخْبِرَانِي عَنْ أَهْلِ
النَّهْرَوَانِ وَهُمْ أَسْلَافُكُمْ ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ أَهْلَ
الْكُوفَةِ خَرَجُوا فَلَمْ يَسْفِكُوا دَمًا ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا ، وَأَنَّ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ قَتَلُوا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ وَجَارِيَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ ؟ قَالَا : نَعَمْ . قَالَ : فَهَلْ بَرِئَ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ مِمَّنْ قَتَلَ وَاسْتَعْرَضَ ؟ قَالَا : لَا : أَفَتَبْرَءُونَ أَنْتُمْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ ؟ ( قَالَا : لَا ) . قَالَ : أَفَيَسَعُكُمْ أَنْ تَتَوَلَّوْا
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَهْلَ
الْبَصْرَةِ وَأَهْلَ
الْكُوفَةِ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ
[ ص: 104 ] اخْتِلَافَ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَا يَسَعُنِي إِلَّا الْبَرَاءَةُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَالدِّينُ وَاحِدٌ ! فَاتَّقُوا اللَّهَ ! فَإِنَّكُمْ جُهَّالٌ ، تَقْبَلُونَ مِنَ النَّاسِ مَا رَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ مَا قَبِلَ ، وَيَأْمَنُ عِنْدَكُمْ مَنْ خَافَ عِنْدَهُ ، وَيَخَافُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَمْنِ عِنْدَهُ ، فَإِنَّكُمْ يَخَافُ عِنْدَكُمْ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَكَانَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ آمِنًا وَحَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ ، وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ ، وَيَأْمَنُ عِنْدَكُمْ سَائِرُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ ، فَتُحَرِّمُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ .
قَالَ الْيَشْكُرِيُّ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَلِيَ قَوْمًا وَأَمْوَالَهُمْ ، فَعَدَلَ فِيهَا ، ثُمَّ صَيَّرَهَا بَعْدَهُ إِلَى رَجُلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ ، أَتَرَاهُ أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ لِلَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ تَرَاهُ قَدْ سَلِمَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : أَفَتُسَلِّمُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى
يَزِيدَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ فِيهِ بِالْحَقِّ ؟ قَالَ : إِنَّمَا وَلَّاهُ غَيْرِي وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِيهِ بَعْدِي . قَالَ : أَفْتَرَى ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ مَنْ وَلَّاهُ حَقًّا ؟ فَبَكَى
عُمَرُ وَقَالَ : أَنْظِرَانِي ثَلَاثًا .
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ عَادَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ
عَاصِمٌ : أَشْهَدُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ . فَقَالَ
عُمَرُ لِلْيَشْكُرِيِّ : مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا وَصَفْتَ ، وَلَكِنِّي لَا أَفْتَاتُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرٍ ، اعْرِضْ عَلَيْهِمْ مَا قُلْتَ وَاعْلَمْ مَا حُجَّتُهُمْ .
فَأَمَّا
عَاصِمٌ فَأَقَامَ عِنْدَ
عُمَرَ ، فَأَمَرَ لَهُ
عُمَرُ بِالْعَطَاءِ ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا . فَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ : أَهْلَكَنِي أَمْرُ
يَزِيدَ وَخُصِمْتُ فِيهِ ، فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ .
فَخَافَ
بَنُو أُمَيَّةَ أَنْ يُخْرِجَ مَا بِأَيْدِيهمْ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَأَنْ يَخْلَعَ
يَزِيدَ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ ، فَوَضَعُوا عَلَى
عُمَرَ مَنْ سَقَاهُ سُمًّا ، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى مَرِضَ وَمَاتَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ مُقَابِلٌ
الْخَوَارِجَ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَرَّضُونَ إِلَيْهِ ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَظِرُ عَوْدَ الرُّسُلِ مِنْ عِنْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَتُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ .