[ ص: 241 ] 166
ثم دخلت سنة ست وستين ومائة
في هذه السنة
nindex.php?page=treesubj&link=33759_33761أخذ المهدي البيعة لولده nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد بولاية العهد ، بعد أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=15444موسى الهادي ، ولقبه الرشيد . وفيها عزل
عبيد الله بن الحسن العنبري عن قضاء
البصرة ، واستقضي
خالد بن طليقبن عمران بن حصين ، فاستعفى أهل
البصرة منه .
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33759القبض على يعقوب بن داود
وفي هذه سخط
المهدي على وزيره
nindex.php?page=showalam&ids=17378يعقوب بن داود بن طهمان ، ( وكان أول أمرهم أن
داود بن طهمان ) ، وهو
أبو يعقوب ، كان يكتب
nindex.php?page=showalam&ids=17204لنصر بن سيار ، هو وإخوته ، فلما كان أيام
يحيى بن زيد كان
داود يعلمه ما يسمعه من
نصر ، فلما طلب
nindex.php?page=showalam&ids=12149أبو مسلم الخراساني بدم
يحيى بن زيد أتاه
داود ، لما كان بينه وبين
يحيى ، فآمنه
أبو مسلم في نفسه ، وأخذ ماله الذي استفاد أيام
نصر .
فلما مات
داود خرج أولاده أهل أدب وعلم ، ولم يكن لهم عند
بني العباس منزلة ، فلم يطمعوا في خدمتهم لحال أبيهم من كتابة
نصر ، وأظهروا مقالة
الزيدية ودنوا من
آل الحسين ، وطمعوا أن تكون لهم دولة ، فكان
داود يصحب
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أحيانا .
وخرج معه هو وعدة من إخوته ، فلما قتل
إبراهيم طلبهم
المنصور ، فأخذ
يعقوب وعليا وحبسهما ، فلما توفي
المنصور أطلقهما
المهدي مع من أطلقه ، وكان معهما
الحسن بن إبراهيم ، فاتصل إلى
المهدي بسببه ، كما تقدم ذكره .
وقيل : اتصل به بالسعاية
بآل علي ، ولم يزل أمره يرتفع ، حتى استوزره .
وكان
المهدي يقول : وصف لي
يعقوب في منامي ، فقيل لي : استوزره ، فلما رأيته
[ ص: 242 ] رأيت الخلقة التي وصفت لي ، فاتخذته وزيرا ، فلما ولي الوزارة أرسل إلى
الزيدية ، فجمعهم وولاهم أمور الخلافة في المشرق والمغرب ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=15529بشار بن برد :
بني أمية هبوا طال نومكم إن الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الناي والعود
.
فحسده
موالي المهدي ، وسعوا به ، وقيل له : إن الشرق والغرب في يد
يعقوب وأصحابه ، وإنما يكفيه أن يكتب إليهم فيثوروا في يوم واحد فيأخذوا الدنيا [
لإسحاق بن الفضل ] ، فملأ ذلك قلب
المهدي .
ولما بنى
المهدي عيساباذ أتاه خادم من خدمه فقال له : إن
أحمد بن إسماعيل بن علي قال لي : أبنى متنزها أنفق عليه خمسين ألف ألف من بيت المال ؟ فحفظها
المهدي ، ونسي
nindex.php?page=showalam&ids=12070أحمد بن إسماعيل ، وظن أن
يعقوب قالها ، فبينما
يعقوب بين يديه إذ لببه فضرب به الأرض ، وقال : ألست القائل كيت وكيت ؟ فقال : والله ما قلته ولا سمعته ! قال : وكان السعاة يسعون ليلا ، ويتفرقون وهم يعتقدون أنه يقبضه بكرة فإذا أصبح غدا عليه ، فإذا نظر إليه تبسم وسأله عن مبيته .
وكان
المهدي مستهترا بالنساء ، فيخوض
يعقوب معه في ذلك ، فيفترقان عن رضى
ثم إنه كان
ليعقوب برذون كان يركبه ، فخرج يوما من عند
المهدي وعليه طيلسان يتقعقع من كثرة دقه ، والبرذون مع الغلام وقد نام الغلام ، فركب
يعقوب ، وأراد تسوية الطيلسان ، فنفر من قعقعته فسقط ، فدنا من دابته ، فرفسه ، فانكسر ساقه ، فانقطع عن الركوب .
فعاده
المهدي من الغد ، ثم انقطع عنه ، فتمكن السعاة منه ، فأظهر
المهدي السخط عليه ، ثم أمر به فسجن في سجن
نصر ، وأخذ عماله وأصحابه فحبسوا .
وقال
يعقوب بن داود : بعث إلي
المهدي يوما ، فدخلت عليه وهو في مجلس مفروش بفرش مورد على بستان فيه شجر ، ورءوس الشجر مع صحن المجلس ، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأزهار ، فما رأيت شيئا أحسن منه ، وعنده جارية عليها نحو ذلك الفرش ما رأيت أحسن منها .
فقال لي : يا
يعقوب ! كيف ترى مجلسنا هذا ؟ قلت : على
[ ص: 243 ] غاية الحسن ، فمتع الله أمير المؤمنين به قال : هو لك بما فيه وهذه الجارية ليتم سرورك به ، قال : فدعوت له .
ثم قال لي : يا
يعقوب ، ولي إليك حاجة أحب أن تضمن لي قضاءها ، قلت : الأمر لأمير المؤمنين ، وعلي السمع والطاعة ، فاستحلفني بالله وبرأسه ، فحلفت لأعملن بما قال ، فقال : هذا فلان بن فلان من ولد
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وأحب أن تكفيني مئونته وتريحني منه وتعجل ذلك ، قلت : أفعل .
فأخذته وأخذت الجارية وجميع ما في المجلس ، وأمر لي بمائة ألف درهم ، فلشدة سروري بالجارية صيرتها في مجلس بيني وبينها ستر ، وأدخلت العلوي إلي وسألته عن حاله ، فأخبرني وإذا هو أعقل الناس ، وأحسنهم إبانة عن نفسه ، ثم قال : ويحك يا
يعقوب ، تلقى الله بدمي ، وأنا رجل من ولد
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - !
قلت : لا والله ، فهل فيك أنت خير ؟ قال : إن فعلت خيرا شكرت ، ولك عندي دعاء واستغفار .
فقلت : أي الطرق أحب إليك ؟ قال : كذا وكذا ، فأرسلت إلى من يثق إليه العلوي ، فأخذه وأعطيته مالا ، وأرسلت الجارية إلى
المهدي تعلمه الحال فأرسل إلى الطريق ، فأخذ العلوي وصاحبه والمال .
فلما كان الغد استحضرني
المهدي وسألني عن العلوي ، فأخبرته أني قتلته ، فاستحلفني بالله وبرأسه ، فحلفت له ، فقال : يا غلام أخرج إلينا ما في هذا البيت ، فأخرج العلوي وصاحبه والمال ، فبقيت متحيرا ، وامتنع مني الكلام فما أدري ما أقول ، فقال
المهدي : قد حل لي دمك ، ولكن احبسوه في المطبق ولا أذكر به .
فحبست في المطبق ، واتخذ لي فيه بئر ، فدليت فيها ، فبقيت مدة لا أعرف عددها ، وأصبت ببصري .
قال : فإني لكذلك إذ دعي بي ، وقيل لي : سلم على أمير المؤمنين ! فسلمت ، قال : أي أمير المؤمنين أنا ؟ قلت :
المهدي ، قال رحم الله
المهدي قلت :
فالهادي ، قال : رحم الله
الهادي . قلت :
فالرشيد ، قال : نعم ! سل حاجتك . قلت : المقام
بمكة ، فما بقي في مستمتع لشيء ولا بلاغ ، فأذن لي ، فسرت إلى
مكة ، قال : فلم تطل أيامه بها حتى مات .
وكان
يعقوب قد ضجر بموضعه قبل حبسه ، وكان أصحاب
المهدي يشربون عنده ، فكان
يعقوب ينهاه عن ذلك ، ويعظه ، ويقول : ليس على هذا استوزرتني ، ولا عليه
[ ص: 244 ] صحبتك ، أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ ؟ فضيق على
المهدي حتى قيل :
فدع عنك
يعقوب بن داود جانبا وأقبل على صهباء طيبة النشر
وقال
يعقوب يوما
للمهدي في أمر أراده : هذا والله السرف ! فقال
المهدي : ويحك يا
يعقوب ، إنما يحسن السرف بأهل الشرف . ولولا السرف لم يعرف المكثرون من المقلين .
[ ص: 241 ] 166
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33759_33761أَخَذَ الْمَهْدِيُّ الْبَيْعَةَ لِوَلَدِهِ nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونَ الرَّشِيدِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ ، بَعْدَ أَخِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15444مُوسَى الْهَادِي ، وَلَقَّبَهُ الرَّشِيدَ . وَفِيهَا عُزِلَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ قَضَاءِ
الْبَصْرَةِ ، وَاسْتُقْضِيَ
خَالِدُ بْنُ طُلَيْقِبْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، فَاسْتَعْفَى أَهْلُ
الْبَصْرَةِ مِنْهُ .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33759الْقَبْضِ عَلَى يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ
وَفِي هَذِهِ سَخِطَ
الْمَهْدِيُّ عَلَى وَزِيرِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=17378يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ طَهْمَانَ ، ( وَكَانَ أَوَّلُ أَمْرِهِمْ أَنَّ
دَاوُدَ بْنَ طَهْمَانَ ) ، وَهُوَ
أَبُو يَعْقُوبَ ، كَانَ يَكْتُبُ
nindex.php?page=showalam&ids=17204لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ ، هُوَ وَإِخْوَتُهُ ، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ
يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ كَانَ
دَاوُدُ يُعْلِمُهُ مَا يَسْمَعُهُ مِنْ
نَصْرٍ ، فَلَمَّا طَلَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ بِدَمِ
يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ أَتَاهُ
دَاوُدُ ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
يَحْيَى ، فَآمَنَهُ
أَبُو مُسْلِمٍ فِي نَفْسِهِ ، وَأَخَذَ مَالَهُ الَّذِي اسْتَفَادَ أَيَّامَ
نَصْرٍ .
فَلَمَّا مَاتَ
دَاوُدُ خَرَجَ أَوْلَادُهُ أَهْلَ أَدَبٍ وَعِلْمٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِنْدَ
بَنِي الْعَبَّاسِ مَنْزِلَةٌ ، فَلَمْ يَطْمَعُوا فِي خِدْمَتِهِمْ لِحَالِ أَبِيهِمْ مِنْ كِتَابَةِ
نَصْرٍ ، وَأَظْهَرُوا مَقَالَةَ
الزَّيْدِيَّةِ وَدَنَوْا مِنْ
آلِ الْحُسَيْنِ ، وَطَمِعُوا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ دَوْلَةٌ ، فَكَانَ
دَاوُدُ يَصْحَبُ
إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَحْيَانًا .
وَخَرَجَ مَعَهُ هُوَ وَعِدَّةٌ مِنْ إِخْوَتِهِ ، فَلَمَّا قُتِلَ
إِبْرَاهِيمُ طَلَبَهُمُ
الْمَنْصُورُ ، فَأَخَذَ
يَعْقُوبَ وَعَلِيًّا وَحَبَسَهُمَا ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ
الْمَنْصُورُ أَطْلَقَهُمَا
الْمَهْدِيُّ مَعَ مَنْ أَطْلَقَهُ ، وَكَانَ مَعَهُمَا
الْحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، فَاتَّصَلَ إِلَى
الْمَهْدِيِّ بِسَبَبِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .
وَقِيلَ : اتَّصَلَ بِهِ بِالسِّعَايَةِ
بِآلِ عَلِيٍّ ، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ يَرْتَفِعُ ، حَتَّى اسْتَوْزَرَهُ .
وَكَانَ
الْمَهْدِيُّ يَقُولُ : وُصِفَ لِي
يَعْقُوبُ فِي مَنَامِي ، فَقِيلَ لِي : اسْتَوْزِرْهُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ
[ ص: 242 ] رَأَيْتُ الْخِلْقَةَ الَّتِي وُصِفَتْ لِي ، فَاتَّخَذْتُهُ وَزِيرًا ، فَلَمَّا وَلِيَ الْوِزَارَةَ أَرْسَلَ إِلَى
الزَّيْدِيَّةِ ، فَجَمَعَهُمْ وَوَلَّاهُمْ أُمُورَ الْخِلَافَةِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15529بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ :
بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ ضَاعَتْ خِلَافَتُكُمْ يَا قَوْمِ فَالْتَمِسُوا
خَلِيفَةَ اللَّهِ بَيْنَ النَّايِ وَالْعُودِ
.
فَحَسَدَهُ
مَوَالِي الْمَهْدِيِّ ، وَسَعَوْا بِهِ ، وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ فِي يَدِ
يَعْقُوبَ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ فَيَثُورُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُوا الدُّنْيَا [
لِإِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ ] ، فَمَلَأَ ذَلِكَ قَلْبَ
الْمَهْدِيِّ .
وَلَمَّا بَنَى
الْمَهْدِيُّ عِيسَابَاذَ أَتَاهُ خَادِمٌ مِنْ خَدَمِهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ
أَحْمَدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ لِي : أَبَنَى مُتَنَزَّهًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفِ أَلْفٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ فَحَفِظَهَا
الْمَهْدِيُّ ، وَنَسِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070أَحْمَدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ، وَظَنَّ أَنَّ
يَعْقُوبَ قَالَهَا ، فَبَيْنَمَا
يَعْقُوبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِذْ لَبَّبَهُ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ، وَقَالَ : أَلَسْتَ الْقَائِلَ كَيْتَ وَكَيْتَ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا قَلْتُهُ وَلَا سَمِعْتُهُ ! قَالَ : وَكَانَ السُّعَاةُ يَسْعَوْنَ لَيْلًا ، وَيَتَفَرَّقُونَ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَقْبِضُهُ بُكْرَةً فَإِذَا أَصْبَحَ غَدَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ تَبَسَّمَ وَسَأَلَهُ عَنْ مَبِيتِهِ .
وَكَانَ
الْمَهْدِيُّ مُسْتَهْتِرًا بِالنِّسَاءِ ، فَيَخُوضُ
يَعْقُوبُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ ، فَيَفْتَرِقَانِ عَنْ رِضًى
ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ
لِيَعْقُوبَ بِرْذَوْنٌ كَانَ يَرْكَبُهُ ، فَخَرَجَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ
الْمَهْدِيِّ وَعَلَيْهِ طَيْلَسَانٌ يَتَقَعْقَعُ مِنْ كَثْرَةِ دَقِّهِ ، وَالْبِرْذَوْنُ مَعَ الْغُلَامِ وَقَدْ نَامَ الْغُلَامُ ، فَرَكِبَ
يَعْقُوبُ ، وَأَرَادَ تَسْوِيَةَ الطَّيْلَسَانِ ، فَنَفَرَ مِنْ قَعْقَعَتِهِ فَسَقَطَ ، فَدَنَا مِنْ دَابَّتِهِ ، فَرَفَسَهُ ، فَانْكَسَرَ سَاقُهُ ، فَانْقَطَعَ عَنِ الرُّكُوبِ .
فَعَادَهُ
الْمَهْدِيُّ مِنَ الْغَدِ ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهُ ، فَتَمَكَّنَ السُّعَاةُ مِنْهُ ، فَأَظْهَرَ
الْمَهْدِيُّ السُّخْطَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُجِنَ فِي سِجْنِ
نَصْرٍ ، وَأُخِذَ عُمَّالُهُ وَأَصْحَابُهُ فَحُبِسُوا .
وَقَالَ
يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ : بَعَثَ إِلَيَّ
الْمَهْدِيُّ يَوْمًا ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوشٍ بِفَرْشٍ مُوَرَّدٍ عَلَى بُسْتَانٍ فِيهِ شَجَرٌ ، وَرُءُوسُ الشَّجَرِ مَعَ صَحْنِ الْمَجْلِسِ ، وَقَدِ اكْتَسَى ذَلِكَ الشَّجَرُ بِالْأَزْهَارِ ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا نَحْوُ ذَلِكَ الْفَرْشِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا .
فَقَالَ لِي : يَا
يَعْقُوبُ ! كَيْفَ تَرَى مَجْلِسَنَا هَذَا ؟ قُلْتُ : عَلَى
[ ص: 243 ] غَايَةِ الْحُسْنِ ، فَمَتَّعَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ قَالَ : هُوَ لَكَ بِمَا فِيهِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لِيَتِمَّ سُرُورُكَ بِهِ ، قَالَ : فَدَعَوْتُ لَهُ .
ثُمَّ قَالَ لِي : يَا
يَعْقُوبُ ، وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ أُحِبُّ أَنْ تَضْمَنَ لِي قَضَاءَهَا ، قُلْتُ : الْأَمْرُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعَلَيَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ، فَاسْتَحْلَفَنِي بِاللَّهِ وَبِرَأْسِهِ ، فَحَلَفْتُ لَأَعْمَلَنَّ بِمَا قَالَ ، فَقَالَ : هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ وَلَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأُحِبُّ أَنْ تَكْفِيَنِي مَئُونَتَهُ وَتُرِيحَنِي مِنْهُ وَتُعَجِّلَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : أَفْعَلُ .
فَأَخَذْتُهُ وَأَخَذْتُ الْجَارِيَةَ وَجَمِيعَ مَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلِشِدَّةِ سُرُورِي بِالْجَارِيَةِ صَيَّرْتُهَا فِي مَجْلِسٍ بَيْنِي وَبَيْنَهَا سِتْرٌ ، وَأَدْخَلْتُ الْعَلَوِيَّ إِلَيَّ وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِ ، فَأَخْبَرَنِي وَإِذَا هُوَ أَعْقَلُ النَّاسِ ، وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً عَنْ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ يَا
يَعْقُوبُ ، تَلْقَى اللَّهَ بِدَمِي ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=129فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - !
قُلْتُ : لَا وَاللَّهِ ، فَهَلْ فِيكَ أَنْتَ خَيْرٌ ؟ قَالَ : إِنْ فَعَلْتَ خَيْرًا شَكَرْتُ ، وَلَكَ عِنْدِي دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ .
فَقُلْتُ : أَيُّ الطُّرُقِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : كَذَا وَكَذَا ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَنْ يَثِقُ إِلَيْهِ الْعَلَوِيُّ ، فَأَخَذَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مَالًا ، وَأَرْسَلَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى
الْمَهْدِيِّ تُعْلِمُهُ الْحَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى الطَّرِيقِ ، فَأَخَذَ الْعَلَوِيَّ وَصَاحِبَهُ وَالْمَالَ .
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ اسْتَحْضَرَنِي
الْمَهْدِيُّ وَسَأَلَنِي عَنِ الْعَلَوِيِّ ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي قَتَلْتُهُ ، فَاسْتَحْلَفَنِي بِاللَّهِ وَبِرَأْسِهِ ، فَحَلَفْتُ لَهُ ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ ، فَأَخْرَجَ الْعَلَوِيَّ وَصَاحِبَهُ وَالْمَالَ ، فَبَقِيتُ مُتَحَيِّرًا ، وَامْتَنَعَ مِنِّي الْكَلَامُ فَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ ، فَقَالَ
الْمَهْدِيُّ : قَدْ حَلَّ لِي دَمُكَ ، وَلَكِنِ احْبِسُوهُ فِي الْمُطْبِقِ وَلَا أُذَكَّرُ بِهِ .
فَحُبِسْتُ فِي الْمُطْبِقِ ، وَاتُّخِذَ لِي فِيهِ بِئْرٌ ، فَدُلِّيتُ فِيهَا ، فَبَقِيتُ مُدَّةً لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا ، وَأُصِبْتُ بِبَصَرِي .
قَالَ : فَإِنِّي لَكَذَلِكَ إِذْ دُعِيَ بِي ، وَقِيلَ لِي : سَلِّمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ! فَسَلَّمْتُ ، قَالَ : أَيُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ؟ قُلْتُ :
الْمَهْدِيُّ ، قَالَ رَحِمَ اللَّهُ
الْمَهْدِيَّ قُلْتُ :
فَالْهَادِي ، قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ
الْهَادِي . قُلْتُ :
فَالرَّشِيدُ ، قَالَ : نَعَمْ ! سَلْ حَاجَتَكَ . قُلْتُ : الْمُقَامُ
بِمَكَّةَ ، فَمَا بَقِيَ فِيَّ مُسْتَمْتَعٌ لِشَيْءٍ وَلَا بَلَاغٌ ، فَأَذِنَ لِي ، فَسِرْتُ إِلَى
مَكَّةَ ، قَالَ : فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ .
وَكَانَ
يَعْقُوبُ قَدْ ضَجِرَ بِمَوْضِعِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ، وَكَانَ أَصْحَابُ
الْمَهْدِيِّ يَشْرَبُونَ عِنْدَهُ ، فَكَانَ
يَعْقُوبُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَيَعِظُهُ ، وَيَقُولُ : لَيْسَ عَلَى هَذَا اسْتَوْزَرْتَنِي ، وَلَا عَلَيْهِ
[ ص: 244 ] صَحِبْتُكَ ، أَبَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يُشْرَبُ عِنْدَكَ النَّبِيذُ ؟ فَضَيَّقَ عَلَى
الْمَهْدِيِّ حَتَّى قِيلَ :
فَدَعْ عَنْكَ
يَعْقُوبَ بْنَ دَاوُدَ جَانِبًا وَأَقْبِلْ عَلَى صَهْبَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
وَقَالَ
يَعْقُوبُ يَوْمًا
لِلْمَهْدِيِّ فِي أَمْرٍ أَرَادَهُ : هَذَا وَاللَّهِ السَّرَفُ ! فَقَالَ
الْمَهْدِيُّ : وَيْحَكَ يَا
يَعْقُوبُ ، إِنَّمَا يَحْسُنُ السَّرَفُ بِأَهْلِ الشَّرَفِ . وَلَوْلَا السَّرَفُ لَمْ يُعْرَفِ الْمُكْثِرُونَ مِنَ الْمُقِلِّينَ .