[ ص: 398 ] 73
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33729_31668قتل عبد الله بن الزبير
لما بويع
عبد الملك بالشام بعث إلى
المدينة عروة بن أنيف في ستة آلاف من أهل
الشام ، وأمره أن لا يدخل
المدينة ، وأن يعسكر بالعرصة ، وكان عامل
عبد الله بن الزبير على
المدينة الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي ، فهرب
الحارث ، وكان
ابن أنيف يدخل ويصلي بالناس الجمعة ، ثم يعود إلى معسكره ، فأقام شهرا ولم يبعث إليهم
ابن الزبير أحدا .
وكتب إليه
عبد الملك بالعود إليه ، فعاد هو ومن معه ، وكان يصلي بالناس بعده
عبد الرحمن بن سعد القرظي ، ثم عاد
الحارث إلى
المدينة ، وبعث
ابن الزبير سليمان بن خالد الزرقي الأنصاري ، وكان رجلا صالحا عاملا على
خيبر وفدك ، فنزل في عمله ، فبعث
عبد الملك عبد الواحد بن الحارث بن الحكم - وقيل : اسمه عبد الملك ، وهو أصح - في أربعة آلاف ، فسار حتى نزل
وادي القرى ، وسير سرية عليها
أبو القمقام في خمسمائة إلى
سليمان ، فوجده قد هرب ، فطلبوه فأدركوه ، فقتلوه ومن معه . فاغتم
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان لقتله وقال : قتلوا رجلا مسلما صالحا بغير ذنب .
وعزل
ابن الزبير الحارث ، واستعمل مكانه
جابر بن الأسود بن عوف الزهري ، فوجه
جابر أبا بكر بن أبي قيس في ستمائة فارس وأربعين فارسا إلى
خيبر ، فوجدوا
أبا القمقام ومن معه مقيمين
بفدك يعسفون الناس ، فقاتلوهم ، فانهزم أصحاب
أبي القمقام ، وأسر منهم ثلاثون رجلا ، فقتلوا صبرا . وقيل : بل قتل الخمسمائة أو أكثرهم .
ووجه
عبد الملك طارق بن عمرو مولى عثمان ، وأمره أن ينزل بين
أيلة ووادي القرى ، ويمنع عمال
ابن الزبير من الانتشار ، ويسد خللا إن ظهر له .
فوجه
طارق إلى
أبي بكر خيلا ، فاقتتلوا ، فأصيب
أبو بكر في المعركة ، وأصيب من أصحابه أكثر من مائتي رجل .
[ ص: 399 ] وكان
ابن الزبير قد كتب إلى
القباع أيام كان عامله على
البصرة يأمره أن يرسل إليه ألفي فارس ليعينوا عامله على
المدينة ، فوجه إليه ألفي رجل ، فلما قتل
أبو بكر أمر
ابن الزبير جابر بن الأسود أن يسير جيش
البصرة إلى قتال
طارق ، فسار البصريون عن
المدينة ، وبلغ
طارقا الخبر ، فسار نحوه ، فالتقيا ، فقتل مقدم البصريين ، وقتل أصحابه قتلا ذريعا ، وطلب
طارق مدبرهم ، وأجهز على جريحهم ، ولم يستبق أسيرهم .
ورجع
طارق إلى
وادي القرى ، وكان عامل
ابن الزبير بالمدينة جابر بن الأسود ، وعزل
ابن الزبير جابرا ، واستعمل
طلحة بن عبيد الله بن عوف ، الذي يعرف
بطلحة الندى ، سنة سبعين ، فلم يزل على
المدينة حتى أخرجه
طارق .
فلما قتل
عبد الملك مصعبا وأتى
الكوفة ، وجه منها
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف الثقفي في ألفين ، وقيل : في ثلاثة آلاف من أهل
الشام ، لقتال
عبد الله بن الزبير . وكان السبب في تسييره دون غيره أنه قال
لعبد الملك : قد رأيت في المنام أني أخذت
عبد الله بن الزبير فسلخته ، فابعثني إليه وولني قتاله . فبعثه وكتب معه أمانا
لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا ، فسار في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين ، ولم يعرض
للمدينة ، ونزل
الطائف ، وكان يبعث الخيل إلى
عرفة ، ويبعث
ابن الزبير أيضا فيقتتلون
بعرفة ، فتنهزم خيل
ابن الزبير في كل ذلك ، وتعود خيل
الحجاج بالظفر .
ثم كتب
الحجاج إلى
عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر
ابن الزبير ، ويخبره بضعفه وتفرق أصحابه ، ويستمده ، فكتب
عبد الملك إلى
طارق يأمره باللحاق
بالحجاج ، فقدم
المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ، وأخرج عامل
ابن الزبير عنها ، وجعل عليها رجلا من أهل
الشام اسمه
ثعلبة ، فكان
ثعلبة يخرج المخ وهو على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل
المدينة ، وكان مع ذلك شديدا على أهل
الزبير ، وقدم
طارق على
الحجاج بمكة في سلخ ذي الحجة في خمسة آلاف .
وأما
الحجاج فإنه قدم
مكة في ذي القعدة وقد أحرم بحجة ، فنزل
بئر ميمون ، وحج بالناس تلك السنة
الحجاج ، إلا أنه لم يطف
بالكعبة ، ولا سعى بين
الصفا والمروة ، منعه
ابن الزبير من ذلك ، فكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل
ابن الزبير ، ولم يحج
ابن الزبير ولا أصحابه ; لأنهم لم يقفوا
بعرفة ، ولم يرموا الجمار ،
[ ص: 400 ] ونحر
ابن الزبير بدنه
بمكة .
ولما حصر
الحجاج ابن الزبير نصب المنجنيق على
أبي قبيس ، ورمى به
الكعبة ، وكان
عبد الملك ينكر ذلك أيام
nindex.php?page=showalam&ids=17374يزيد بن معاوية ثم أمر به ، فكان الناس يقولون : خذل في دينه .
وحج
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر تلك السنة ، فأرسل إلى
الحجاج : أن اتق الله ، واكفف هذه الحجارة عن الناس ، فإنك في شهر حرام وبلد حرام ، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرا ، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف ، فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم
بمكة . فبطل الرمي حتى عاد الناس من
عرفات وطافوا وسعوا ، ولم يمنع
ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي ، فلما فرغوا من طواف الزيارة نادى منادي
الحجاج : انصرفوا إلى بلادكم ، فإنا نعود بالحجارة على
ابن الزبير الملحد .
وأول ما رمي بالمنجنيق إلى
الكعبة رعدت السماء وبرقت ، وعلا صوت الرعد على الحجارة ، فأعظم ذلك أهل
الشام وأمسكوا أيديهم ، فأخذ
الحجاج حجر المنجنيق بيده ، فوضعه فيه ورمى به معهم ، فلما أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا ، فانكسر أهل
الشام ، فقال
الحجاج : يا أهل
الشام ، لا تنكروا هذا ، فإني ابن
تهامة وهذه صواعقها ، وهذا الفتح قد حضر ، فأبشروا . فلما كان الغد جاءت الصاعقة ، فأصابت من أصحاب
ابن الزبير عدة ، فقال
الحجاج : ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلافها ؟ وكان الحجر يقع بين يدي
ابن الزبير وهو يصلي ، فلا ينصرف ، وكان أهل
الشام يقولون : يا
ابن الزبير طالما عصيكا وطالما عنيتنا إليكا لتجزين بالذي أتيكا
[ ص: 401 ] يعنون : عصيت وأتيت .
وقدم عليه قوم من الأعراب فقالوا : قدمنا للقتال معك ، فنظر فإذا مع كل امرئ منهم سيف كأنه شفرة ، وقد خرج من غمده ، فقال : يا معشر الأعراب ، لا قربكم الله ! فوالله إن سلاحكم لرث ، وإن حديثكم لغث ، وإنكم لقتال في الجدب ، أعداء في الخصب . فتفرقوا ، ولم يزل القتال بينهم دائما ، فغلت الأسعار عند
ابن الزبير ، وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه ، وقسم لحمها في أصحابه ، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم ، والمد الذرة بعشرين درهما ، وإن بيوت
ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا ، وكان أهل
الشام ينتظرون فناء ما عنده ، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ، ويقول : أنفس أصحابي قوية ما لم يفن .
فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى
الحجاج بالأمان ، خرج من عنده نحو عشرة آلاف ، وكان ممن فارقه ابناه
حمزة وخبيب ، أخذا لأنفسهما أمانا ، فقال
عبد الله لابنه
الزبير : خذ لنفسك أمانا كما فعل أخواك ، فوالله إني لأحب بقاءكم . فقال : ما كنت لأرغب بنفسي عنك . فصبر معه فقتل .
ولما تفرق أصحابه عنه خطب
الحجاج الناس وقال : قد ترون قلة من مع
ابن الزبير ، وما هم عليه من الجهد والضيق . ففرحوا واستبشروا ، فتقدموا ، فملئوا ما بين
الحجون إلى
الأبواء . فدخل على أمه فقال : يا أماه ، قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ، ولم يبق معي إلا اليسير ، ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة ، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟ فقالت : أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو ، فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك ، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان
بني أمية ، وإن كنت إنما أردت الدنيا ، فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن قتل معك ، وإن قلت : كنت على حق ، فلما وهن أصحابي ضعفت - فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين ، كم خلودك في الدنيا ! القتل أحسن ! فقال : يا أماه ، أخاف إن قتلني أهل
الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني . قالت : يا بني ، إن الشاة [ إذا ذبحت ] لا تتألم بالسلخ ، فامض على بصيرتك واستعن بالله .
[ ص: 402 ] فقبل رأسها وقال : هذا رأيي والذي ( قمت به داعيا ) إلى يومي هذا ، ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها ، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله ، وأن تستحل حرماته ، ولكني أحببت أن أعلم رأيك ، فقد زدتني بصيرة ، فانظري يا أماه ، فإني مقتول في يومي هذا ، فلا يشتد حزنك ، وسلمي الأمر إلى الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ، ولا عملا بفاحشة ، ولم يجر في حكم الله ، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم أو معاهد ، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به ، بل أنكرته ، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي ، اللهم لا أقول هذا تزكية لنفسي ، ولكني أقوله تعزية لأمي حتى تسلو عني ! .
فقالت أمه : [ إني ] لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلا ، إن تقدمتني احتسبتك ، وإن ظفرت سررت بظفرك ، اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك . فقال : جزاك الله خيرا ، فلا تدعي الدعاء لي . قالت : لا أدعه لك أبدا ، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق . ثم قالت : اللهم ارحم طول ذاك القيام في الليل الطويل ، وذلك النحيب والظمأ في هواجر
مكة والمدينة ، وبره بأبيه وبي ! اللهم قد سلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثبني فيه ثواب الصابرين الشاكرين ! .
فتناول يديها ليقبلهما فقالت : هذا وداع فلا تبعد . فقال لها : جئت مودعا ; لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا . قالت : امض على بصيرتك ، وادن مني حتى أودعك . فدنا منها فعانقها وقبلها ، فوقعت يدها على الدرع فقالت : ما هذا صنيع من يريد ما تريد . فقال : ما لبسته إلا لأشد منك . قالت : فإنه لا يشد مني . فنزعها ثم درج كميه ، وشد أسفل قميصه وجبة خز تحت أثناء السراويل ، وأدخل أسفلها تحت المنطقة ، وأمه تقول له : البس ثيابك مشمرة . فخرج وهو يقول : إني إذا أعرف يومي أصبر وإنما يعرف يومه الحر
[ ص: 403 ] إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
فسمعته فقالت : تصبر إن شاء الله ، أبواك
أبو بكر والزبير ، وأمك
nindex.php?page=showalam&ids=252صفية بنت عبد المطلب . فحمل على أهل
الشام ( حملة منكرة فقتل منهم ، ثم انكشف هو وأصحابه ، وقال له بعض أصحابه : لو لحقت بموضع كذا . قال : بئس الشيخ أنا إذا في الإسلام لئن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم . ودنا أهل
الشام ) حتى امتلأت منهم الأبواب ، وكانوا يصيحون به : يا ابن ذات النطاقين ، فيقول :
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وجعل أهل
الشام على أبواب المسجد رجلا من أهل كل بلد ، فكان لأهل
حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة ، ولأهل
دمشق باب بني شيبة ، ولأهل
الأردن باب الصفا ، ولأهل
فلسطين باب بني جمح ، ولأهل
قنسرين باب بني تميم ، وكان
الحجاج وطارق من ناحية
الأبطح إلى
المروة ، فمرة يحمل
ابن الزبير في هذه الناحية ومرة في هذه الناحية ، فكأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه الرجال ، يعدو في أثر القوم حتى يخرجهم ، ثم يصيح : أبا صفوان ! ويل أمه فتحا لو كان له رجال : لو كان قرني واحدا كفيته !
فيقول
nindex.php?page=showalam&ids=16444أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف : إي والله وألف .
فلما رأى
الحجاج أن الناس لا يقدمون على
ابن الزبير غضب وترجل ، وأقبل يسوق
[ ص: 404 ] الناس ويصمد بهم صمد صاحب علم
ابن الزبير وهو بين يديه . فتقدم
ابن الزبير على صاحب علمه وضاربهم وانكشفوا ، وعرج وصلى ركعتين عند المقام ، فحملوا على صاحب علمه فقتلوه عند باب بني شيبة ، وصار العلم بأيدي أصحاب
الحجاج . فلما فرغ من صلاته تقدم فقاتل بغير علم ، فضرب رجلا من أهل
الشام وقال : خذها وأنا ابن الحواري ! وضرب آخر وكان حبشيا ، فقطع يده وقال : اصبر أبا حممة ، اصبر ابن حام . وقاتل معه
عبد الله بن مطيع وهو يقول :
أنا الذي فررت يوم الحره والحر لا يفر إلا مره
واليوم أجزي فرة بكره
وقاتل حتى قتل ، وقيل : إنه أصابته جراح فمات منها بعد أيام .
وقال
ابن الزبير لأصحابه وأهله - يوم قتل - بعد صلاة الصبح : اكشفوا وجوهكم حتى أنظر إليكم - وعليهم المغافر - . ففعلوا . فقال : يا
آل الزبير ، لو طبتم بي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطلحنا في الله ، فلا يرعكم وقع السيوف ، فإن ألم الدواء للجراح أشد من ألم وقعها ، صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم ، غضوا أبصاركم من البارقة ، وليشغل كل امرئ قرنه ، ولا تسألوا عني ، فمن كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول ، احملوا على بركة الله . ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم
الحجون ، فرمي بآجرة ، رماه رجل من
السكون ، فأصابته في وجهه ، فأرعش لها ودمي وجهه ، فلما وجد الدم على وجهه قال :
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وقاتلهم قتالا شديدا ، فتعاوروا عليه ، فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله
[ ص: 405 ] ثلاث وسبعون سنة ، وتولى قتله رجل من
مراد ، وحمل رأسه إلى
الحجاج فسجد ، ووفد السكوني والمرادي إلى
عبد الملك بالخبر ، فأعطى كل واحد منهما خمسمائة دينار .
وسار
الحجاج وطارق حتى وقفا عليه ، فقال
طارق : ما ولدت النساء أذكر من هذا . فقال
الحجاج : أتمدح مخالف أمير المؤمنين ؟ قال : نعم هو أعذر لنا ، ولولا هذا لما كان لنا عذر ، إنا محاصروه منذ سبعة أشهر وهو في غير جند ولا حصن ولا منعة ، فينتصف منا ، بل يفضل علينا . فبلغ كلامهما
عبد الملك ، فصوب
طارقا .
ولما قتل
ابن الزبير كبر أهل
الشام فرحا بقتله ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : انظروا إلى هؤلاء ، ولقد كبر المسلمون فرحا بولادته ، وهؤلاء يكبرون [ فرحا ] بقتله .
وبعث
الحجاج برأسه ورأس
nindex.php?page=showalam&ids=16444عبد الله بن صفوان ورأس
عمارة بن عمرو بن حزم إلى
المدينة ، ثم ذهب بها إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، وأخذ جثته فصلبها على الثنية اليمنى
بالحجون . فأرسلت إليه
أسماء : قاتلك الله ! على ماذا صلبته ؟ قال : استبقت أنا وهو إلى هذه الخشبة وكانت له . فاستأذنته في تكفينه ودفنه ، فأبى ووكل بالخشبة من يحرسها ، وكتب إلى
عبد الملك يخبره بصلبه ، فكتب إليه يلومه ويقول : ألا خليت بينه وبين أمه ! فأذن لها
الحجاج ، فدفنته
بالحجون ، فمر به
عبد الله بن عمر فقال : السلام عليك يا
أبا خبيب ! أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ، ولقد كنت صواما قواما وصولا للرحم ، أما والله إن قوما أنت شرهم لنعم القوم .
وكان
ابن الزبير قبل قتله بقي أياما يستعمل الصبر والمسك لئلا ينتن ، فلما صلب ظهرت منه رائحة المسك ، فقيل : ( إن
الحجاج صلب معه كلبا ميتا ، فغلب على ريح المسك ، وقيل : بل صلب معه سنورا ) .
ولما قتل
عبد الله ركب أخوه
عروة ناقة لم ير مثلها ، فسار إلى
عبد الملك فقدم
الشام قبل وصول رسل
الحجاج بقتل
عبد الله ، فأتى باب
عبد الملك فاستأذن عليه فأذن
[ ص: 406 ] له ، فلما دخل سلم عليه بالخلافة ، فرد عليه
عبد الملك ورحب به وعانقه ، وأجلسه على السرير ، فقال
عروة :
متت بأرحام إليك قريبة ولا قرب للأرحام ما لم تقرب
ثم تحدثا حتى جرى ذكر
عبد الله ، فقال
عروة : إنه كان ، فقال
عبد الملك : وما فعل ؟ قال : قتل . فخر ساجدا ، فقال
عروة : إن
الحجاج صلبه ، فهب جثته لأمه . قال : نعم . وكتب إلى
الحجاج يعظم صلبه . وكان
الحجاج لما فقد
عروة كتب إلى
عبد الملك يقول له : إن
عروة كان مع أخيه ، فلما قتل
عبد الله أخذ مالا من مال الله فهرب . فكتب إليه
عبد الملك : إنه لم يهرب ، ولكنه أتاني مبايعا وقد آمنته وحللته مما كان ، وهو قادم عليك فإياك
وعروة . وعاد
عروة إلى
مكة ، وكانت غيبته عنها ثلاثين يوما .
فأنزل
الحجاج جثة
عبد الله عن الخشبة وبعث به إلى أمه ، فغسلته ، فلما أصابه الماء تقطع ، فغسلته عضوا عضوا فاستمسك ، وصلى عليه
عروة ، فدفنته .
وقيل : إن
عروة لما كان غائبا عند
عبد الملك كتب إليه
الحجاج وعاوده في إنفاذ
عروة إليه ، فهم
عبد الملك بإنفاذه فقال
عروة : ليس الذليل من قتلتموه ، ولكن الذليل من ملكتموه ، وليس بملوم من صبر فمات ، ولكن الملوم من فر من الموت . فسمع مثل هذا الكلام ، فقال
عبد الملك : يا
أبا عبد الله ، لن تسمع منا شيئا تكرهه .
وإن
عبد الله لم يصل عليه أحد ، منع
الحجاج من الصلاة عليه ، وقال : إنما أمر أمير المؤمنين بدفنه ، وقيل : صلى عليه غير
عروة ، والذي ذكره
مسلم في صحيحه أن
عبد الله بن الزبير ألقي في مقابر
اليهود ، وعاشت أمه بعده قليلا وماتت ، وكانت قد أضرت ، وهي أم
عروة أيضا .
فلما فرغ
الحجاج من أمر
ابن الزبير دخل
مكة ، فبايعه أهلها
nindex.php?page=showalam&ids=16491لعبد الملك بن مروان ، وأمر بكنس
المسجد الحرام من الحجارة والدم ، وسار إلى
المدينة ، وكان
عبد الملك قد استعمله على
مكة والمدينة ، فلما قدم
المدينة أقام بها شهرا أو شهرين ، فأساء إلى أهلها واستخف بهم ، وقال : أنتم قتلة أمير المؤمنين
عثمان ، وختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافا بهم ، كما يفعل بأهل الذمة ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ،
[ ص: 407 ] nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد ، ثم عاد إلى
مكة ، فقال حين خرج منها : الحمد لله الذي أخرجني من ( أم نتن ) ، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين ، وأحسدهم له على نعمة الله ، والله لو ما كانت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعوادا يعودون بها ، ورمة قد بليت ، يغولون منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فبلغ
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قوله فقال : إن وراءه ما يسوءه ، قد قال فرعون ما قال ، ثم أخذه الله بعد أن أنظره .
وقيل : إن ولاية
الحجاج المدينة وما فعله بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان سنة أربع وسبعين في صفر .
(
خبيب بن عبد الله بن الزبير بضم الخاء المعجمة ، وببائين موحدتين بينهما ياء مثناة من تحت ، وكان
عبد الله يكنى به وبأبي بكر أيضا ) .
[ ص: 398 ] 73
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33729_31668قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
لَمَّا بُويِعَ
عَبْدُ الْمَلِكِ بِالشَّامِ بَعَثَ إِلَى
الْمَدِينَةِ عُرْوَةَ بْنَ أُنَيْفٍ فِي سِتَّةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ
الْمَدِينَةَ ، وَأَنْ يُعَسْكِرَ بِالْعَرْصَةِ ، وَكَانَ عَامِلَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى
الْمَدِينَةِ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ ، فَهَرَبَ
الْحَارِثُ ، وَكَانَ
ابْنُ أُنَيْفٍ يَدْخُلُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ ، فَأَقَامَ شَهْرًا وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِمُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ أَحَدًا .
وَكَتَبَ إِلَيْهِ
عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ ، فَعَادَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بَعْدَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ ، ثُمَّ عَادَ
الْحَارِثُ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَبَعَثَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ الزُّرَقِيَّ الْأَنْصَارِيَّ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا عَامِلًا عَلَى
خَيْبَرَ وَفَدَكَ ، فَنَزَلَ فِي عَمَلِهِ ، فَبَعَثَ
عَبْدُ الْمَلِكِ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ - وَقِيلَ : اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ ، وَهُوَ أَصَحُّ - فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ
وَادِي الْقُرَى ، وَسَيَّرَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا
أَبُو الْقَمْقَامِ فِي خَمْسِمِائَةٍ إِلَى
سُلَيْمَانَ ، فَوَجَدَهُ قَدْ هَرَبَ ، فَطَلَبُوهُ فَأَدْرَكُوهُ ، فَقَتَلُوهُ وَمَنْ مَعَهُ . فَاغْتَمَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِقَتْلِهِ وَقَالَ : قَتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا صَالِحًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ .
وَعَزَلَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحَارِثَ ، وَاسْتَعْمَلَ مَكَانَهُ
جَابِرَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ ، فَوَجَّهَ
جَابِرٌ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ فِي سِتِّمِائَةِ فَارِسٍ وَأَرْبَعِينَ فَارِسًا إِلَى
خَيْبَرَ ، فَوَجَدُوا
أَبَا الْقَمْقَامِ وَمَنْ مَعَهُ مُقِيمِينَ
بِفَدَكَ يَعْسِفُونَ النَّاسَ ، فَقَاتَلُوهُمْ ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ
أَبِي الْقَمْقَامِ ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا ، فَقُتِلُوا صَبْرًا . وَقِيلَ : بَلْ قُتِلَ الْخَمْسُمِائَةِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ .
وَوَجَّهَ
عَبْدُ الْمَلِكِ طَارِقَ بْنَ عَمْرٍو مَوْلَى عُثْمَانَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ بَيْنَ
أَيْلَةَ وَوَادِي الْقُرَى ، وَيَمْنَعَ عُمَّالَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الِانْتِشَارِ ، وَيَسُدَّ خَلَلًا إِنْ ظَهَرَ لَهُ .
فَوَجَّهَ
طَارِقٌ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ خَيْلًا ، فَاقْتَتَلُوا ، فَأُصِيبَ
أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَعْرَكَةِ ، وَأُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ .
[ ص: 399 ] وَكَانَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ كَتَبَ إِلَى
الْقُبَاعِ أَيَّامَ كَانَ عَامِلَهُ عَلَى
الْبَصْرَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ أَلْفَيْ فَارِسٍ لِيُعِينُوا عَامِلَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَلْفَيْ رَجُلٍ ، فَلَمَّا قُتِلَ
أَبُو بَكْرٍ أَمَرَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يُسَيِّرَ جَيْشَ
الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ
طَارِقٍ ، فَسَارَ الْبَصْرِيُّونَ عَنِ
الْمَدِينَةِ ، وَبَلَغَ
طَارِقًا الْخَبَرُ ، فَسَارَ نَحْوَهُ ، فَالْتَقَيَا ، فَقُتِلَ مُقَدِّمُ الْبَصْرِيِّينَ ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا ذَرِيعًا ، وَطَلَبَ
طَارِقٌ مُدْبِرَهُمْ ، وَأَجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ أَسِيرَهُمْ .
وَرَجَعَ
طَارِقٌ إِلَى
وَادِي الْقُرَى ، وَكَانَ عَامِلَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ بِالْمَدِينَةِ جَابِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَعَزَلَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرًا ، وَاسْتَعْمَلَ
طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ ، الَّذِي يُعْرَفُ
بِطَلْحَةِ النَّدَى ، سَنَةَ سَبْعِينَ ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى
الْمَدِينَةِ حَتَّى أَخْرَجَهُ
طَارِقٌ .
فَلَمَّا قَتَلَ
عَبْدُ الْمَلِكِ مُصْعَبًا وَأَتَى
الْكُوفَةَ ، وَجَّهَ مِنْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ فِي أَلْفَيْنِ ، وَقِيلَ : فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ ، لِقِتَالِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ . وَكَانَ السَّبَبُ فِي تَسْيِيرِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ
لِعَبْدِ الْمَلِكِ : قَدْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَخَذْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَلَخْتُهُ ، فَابْعَثْنِي إِلَيْهِ وَوَلِّنِي قِتَالَهُ . فَبَعَثَهُ وَكَتَبَ مَعَهُ أَمَانًا
لِابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ إِنْ أَطَاعُوا ، فَسَارَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ، وَلَمْ يَعْرِضْ
لِلْمَدِينَةِ ، وَنَزَلَ
الطَّائِفَ ، وَكَانَ يَبْعَثُ الْخَيْلَ إِلَى
عَرَفَةَ ، وَيَبْعَثُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ أَيْضًا فَيَقْتَتِلُونَ
بِعَرَفَةَ ، فَتَنْهَزِمُ خَيْلُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَتَعُودُ خَيْلُ
الْحَجَّاجِ بِالظَّفَرِ .
ثُمَّ كَتَبَ
الْحَجَّاجُ إِلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي دُخُولِ الْحَرَمِ وَحَصْرِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَيُخْبِرُهُ بِضَعْفِهِ وَتَفَرُّقِ أَصْحَابِهِ ، وَيَسْتَمِدُّهُ ، فَكَتَبَ
عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى
طَارِقٍ يَأْمُرُهُ بِاللِّحَاقِ
بِالْحَجَّاجِ ، فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ، وَأَخْرَجَ عَامِلَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ اسْمُهُ
ثَعْلَبَةُ ، فَكَانَ
ثَعْلَبَةُ يُخْرِجُ الْمُخَّ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْكُلُهُ وَيَأْكُلُ عَلَيْهِ التَّمْرَ لِيَغِيظَ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ
الزُّبَيْرِ ، وَقَدِمَ
طَارِقٌ عَلَى
الْحَجَّاجِ بِمَكَّةَ فِي سَلْخِ ذِي الْحِجَّةِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ .
وَأَمَّا
الْحَجَّاجُ فَإِنَّهُ قَدِمَ
مَكَّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ، فَنَزَلَ
بِئْرَ مَيْمُونٍ ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ
الْحَجَّاجُ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ
بِالْكَعْبَةِ ، وَلَا سَعَى بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، مَنَعَهُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَانَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ وَلَا يَقْرُبُ النِّسَاءَ وَلَا الطِّيبَ إِلَى أَنْ قُتِلَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَلَمْ يَحُجَّ
ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَا أَصْحَابُهُ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا
بِعَرَفَةَ ، وَلَمْ يَرْمُوا الْجِمَارَ ،
[ ص: 400 ] وَنَحَرَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ بُدْنَهُ
بِمَكَّةَ .
وَلَمَّا حَصَرَ
الْحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى
أَبِي قُبَيْسٍ ، وَرَمَى بِهِ
الْكَعْبَةَ ، وَكَانَ
عَبْدُ الْمَلِكِ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَيَّامَ
nindex.php?page=showalam&ids=17374يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ : خُذِلَ فِي دِينِهِ .
وَحَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى
الْحَجَّاجِ : أَنِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَاكْفُفْ هَذِهِ الْحِجَارَةَ عَنِ النَّاسِ ، فَإِنَّكَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ ، وَقَدْ قَدِمَتْ وُفُودُ اللَّهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِيُؤَدُّوا فَرِيضَةَ اللَّهِ وَيَزْدَادُوا خَيْرًا ، وَإِنَّ الْمَنْجَنِيقَ قَدْ مَنَعَهُمْ عَنِ الطَّوَافِ ، فَاكْفُفْ عَنِ الرَّمْيِ حَتَّى يَقْضُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ
بِمَكَّةَ . فَبَطَّلَ الرَّمْيَ حَتَّى عَادَ النَّاسُ مِنْ
عَرَفَاتٍ وَطَافُوا وَسَعَوْا ، وَلَمْ يَمْنَعِ
ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحَاجَّ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ نَادَى مُنَادِي
الْحَجَّاجِ : انْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ ، فَإِنَّا نَعُودُ بِالْحِجَارَةِ عَلَى
ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمُلْحِدِ .
وَأَوَّلُ مَا رُمِيَ بِالْمَنْجَنِيقِ إِلَى
الْكَعْبَةِ رَعَدَتِ السَّمَاءُ وَبَرَقَتْ ، وَعَلَا صَوْتُ الرَّعْدِ عَلَى الْحِجَارَةِ ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ أَهْلُ
الشَّامِ وَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ ، فَأَخَذَ
الْحَجَّاجُ حَجَرَ الْمَنْجَنِيقِ بِيَدِهِ ، فَوَضَعَهُ فِيهِ وَرَمَى بِهِ مَعَهُمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَتِ الصَّوَاعِقُ فَقَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابِهِ اثْنَيْ عَشْرَ رَجُلًا ، فَانْكَسَرَ أَهْلُ
الشَّامِ ، فَقَالَ
الْحَجَّاجُ : يَا أَهْلَ
الشَّامِ ، لَا تُنْكِرُوا هَذَا ، فَإِنِّي ابْنُ
تِهَامَةَ وَهَذِهِ صَوَاعِقُهَا ، وَهَذَا الْفَتْحُ قَدْ حَضَرَ ، فَأَبْشِرُوا . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَتِ الصَّاعِقَةُ ، فَأَصَابَتْ مِنْ أَصْحَابِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ عِدَّةً ، فَقَالَ
الْحَجَّاجُ : أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُصَابُونَ وَأَنْتُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُمْ عَلَى خِلَافِهَا ؟ وَكَانَ الْحَجَرُ يَقَعُ بَيْنَ يَدَيِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَا يَنْصَرِفُ ، وَكَانَ أَهْلُ
الشَّامِ يَقُولُونَ : يَا
ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا لَتُجْزَيَنَّ بِالَّذِي أَتَيْكَا
[ ص: 401 ] يَعْنُونَ : عَصَيْتَ وَأَتَيْتَ .
وَقَدِمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَقَالُوا : قَدِمْنَا لِلْقِتَالِ مَعَكَ ، فَنَظَرَ فَإِذَا مَعَ كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ سَيْفٌ كَأَنَّهُ شَفْرَةٌ ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غِمْدِهِ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَعْرَابِ ، لَا قَرَّبَكُمُ اللَّهُ ! فَوَاللَّهِ إِنَّ سِلَاحَكُمْ لَرَثٌّ ، وَإِنَّ حَدِيثَكُمْ لَغَثٌّ ، وَإِنَّكُمْ لَقُتَّالٌ فِي الْجَدْبِ ، أَعْدَاءٌ فِي الْخِصْبِ . فَتَفَرَّقُوا ، وَلَمْ يَزَلِ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ دَائِمًا ، فَغَلَتِ الْأَسْعَارُ عِنْدَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَأَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ حَتَّى ذَبَحَ فَرَسَهُ ، وَقَسَّمَ لَحْمَهَا فِي أَصْحَابِهِ ، وَبِيعَتِ الدَّجَاجَةُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَالْمُدُّ الذُّرَةُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَإِنَّ بُيُوتَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ لَمَمْلُوءَةٌ قَمْحًا وَشَعِيرًا وَذُرَةً وَتَمْرًا ، وَكَانَ أَهْلُ
الشَّامِ يَنْتَظِرُونَ فَنَاءَ مَا عِنْدَهُ ، وَكَانَ يَحْفَظُ ذَلِكَ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ إِلَّا مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ ، وَيَقُولُ : أَنْفُسُ أَصْحَابِي قَوِيَّةٌ مَا لَمْ يَفْنَ .
فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ مَقْتَلِهِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ وَخَرَجُوا إِلَى
الْحَجَّاجِ بِالْأَمَانِ ، خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ نَحْوُ عَشَرَةِ آلَافٍ ، وَكَانَ مِمَّنْ فَارَقَهُ ابْنَاهُ
حَمْزَةُ وَخُبَيْبٌ ، أَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا أَمَانًا ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ لِابْنِهِ
الزُّبَيْرِ : خُذْ لِنَفْسِكَ أَمَانًا كَمَا فَعَلَ أَخَوَاكَ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ بَقَاءَكُمْ . فَقَالَ : مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْكَ . فَصَبَرَ مَعَهُ فَقُتِلَ .
وَلَمَّا تَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ خَطَبَ
الْحَجَّاجُ النَّاسَ وَقَالَ : قَدْ تَرَوْنَ قِلَّةَ مَنْ مَعَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْدِ وَالضِّيقِ . فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا ، فَتَقَدَّمُوا ، فَمَلَئُوا مَا بَيْنَ
الْحَجُونِ إِلَى
الْأَبْوَاءِ . فَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ فَقَالَ : يَا أُمَّاهُ ، قَدْ خَذَلَنِي النَّاسُ حَتَّى وَلَدَيَّ وَأَهْلِي ، وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلَّا الْيَسِيرُ ، وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونِي مَا أَرَدْتُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَمَا رَأْيُكِ ؟ فَقَالَتْ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَإِلَيْهِ تَدْعُو ، فَامْضِ لَهُ ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ ، وَلَا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَتَلَعَّبْ بِهَا غِلْمَانُ
بَنِي أُمَيَّةَ ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا ، فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ ، أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَمَنْ قُتِلَ مَعَكَ ، وَإِنْ قُلْتَ : كُنْتُ عَلَى حَقٍّ ، فَلَمَّا وَهَنَ أَصْحَابِي ضَعُفْتُ - فَهَذَا لَيْسَ فِعْلُ الْأَحْرَارِ وَلَا أَهْلِ الدِّينِ ، كَمْ خُلُودُكَ فِي الدُّنْيَا ! الْقَتْلُ أَحْسَنُ ! فَقَالَ : يَا أُمَّاهُ ، أَخَافُ إِنْ قَتَلَنِي أَهْلُ
الشَّامِ أَنْ يُمَثِّلُوا بِي وَيَصْلُبُونِي . قَالَتْ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ الشَّاةَ [ إِذَا ذُبِحَتْ ] لَا تَتَأَلَّمُ بِالسَّلْخِ ، فَامْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ .
[ ص: 402 ] فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَقَالَ : هَذَا رَأْيَيٌ وَالَّذِي ( قُمْتُ بِهِ دَاعِيًا ) إِلَى يَوْمِي هَذَا ، مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فِيهَا ، وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إِلَّا الْغَضَبُ لِلَّهِ ، وَأَنْ تُسْتَحَلَّ حُرُمَاتُهُ ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ رَأْيَكِ ، فَقَدْ زِدْتِنِي بَصِيرَةً ، فَانْظُرِي يَا أُمَّاهُ ، فَإِنِّي مَقْتُولٌ فِي يَوْمِي هَذَا ، فَلَا يَشْتَدَّ حُزْنُكِ ، وَسَلِّمِي الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ ابْنَكَ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ ، وَلَا عَمَلًا بِفَاحِشَةٍ ، وَلَمْ يَجُرْ فِي حُكْمِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَغْدِرْ فِي أَمَانٍ ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ظُلْمَ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ظُلْمٌ عَنْ عُمَّالِي فَرَضِيتُ بِهِ ، بَلْ أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ آثَرَ عِنْدِي مِنْ رِضَا رَبِّي ، اللَّهُمَّ لَا أَقُولُ هَذَا تَزْكِيَةً لِنَفْسِي ، وَلَكِنِّي أَقُولُهُ تَعْزِيَةً لِأُمِّي حَتَّى تَسْلُوَ عَنِّي ! .
فَقَالَتْ أُمُّهُ : [ إِنِّي ] لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ عَزَائِي فِيكَ جَمِيلًا ، إِنْ تَقَدَّمْتَنِي احْتَسَبْتُكَ ، وَإِنْ ظَفَرْتَ سُرِرْتُ بِظَفَرِكَ ، اخْرُجْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُكَ . فَقَالَ : جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا ، فَلَا تَدَعِي الدُّعَاءَ لِي . قَالَتْ : لَا أَدَعُهُ لَكَ أَبَدًا ، فَمَنْ قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ فَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى حَقٍّ . ثُمَّ قَالَتْ : اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَاكَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ ، وَذَلِكَ النَّحِيبَ وَالظَّمَأَ فِي هَوَاجِرِ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ وَبِي ! اللَّهُمَّ قَدْ سَلَّمْتُهُ لِأَمْرِكَ فِيهِ ، وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ ، فَأَثِبْنِي فِيهِ ثَوَابَ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ ! .
فَتَنَاوَلَ يَدَيْهَا لِيُقَبِّلَهُمَا فَقَالَتْ : هَذَا وَدَاعٌ فَلَا تَبْعَدْ . فَقَالَ لَهَا : جِئْتُ مُوَدِّعًا ; لِأَنِّي أَرَى هَذَا آخِرَ أَيَّامِي مِنَ الدُّنْيَا . قَالَتْ : امْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ ، وَادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ . فَدَنَا مِنْهَا فَعَانَقَهَا وَقَبَّلَهَا ، فَوَقَعَتْ يَدُهَا عَلَى الدِّرْعِ فَقَالَتْ : مَا هَذَا صَنِيعُ مَنْ يُرِيدُ مَا تُرِيدُ . فَقَالَ : مَا لَبِسْتُهُ إِلَّا لِأَشُدَّ مِنْكِ . قَالَتْ : فَإِنَّهُ لَا يَشُدُّ مِنِّي . فَنَزَعَهَا ثُمَّ دَرَجَ كُمَّيْهِ ، وَشَدَّ أَسْفَلَ قَمِيصِهِ وُجَبَّةَ خَزٍّ تَحْتَ أَثْنَاءِ السَّرَاوِيلِ ، وَأَدْخَلَ أَسْفَلَهَا تَحْتَ الْمِنْطَقَةِ ، وَأُمُّهُ تَقُولُ لَهُ : الْبَسْ ثِيَابَكَ مُشَمَّرَةً . فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ : إِنِّي إِذَا أَعْرِفُ يَوْمِي أَصْبِرْ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ يَوْمَهُ الْحُرُّ
[ ص: 403 ] إِذْ بَعْضُهُمْ يَعْرِفُ ثُمَّ يُنْكِرْ
فَسَمِعَتْهُ فَقَالَتْ : تَصْبِرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَبَوَاكَ
أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ ، وَأُمُّكَ
nindex.php?page=showalam&ids=252صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ . فَحَمَلَ عَلَى أَهْلِ
الشَّامِ ( حَمْلَةً مُنْكَرَةً فَقَتَلَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ انْكَشَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : لَوْ لَحِقْتَ بِمَوْضِعِ كَذَا . قَالَ : بِئْسَ الشَّيْخُ أَنَا إِذًا فِي الْإِسْلَامِ لَئِنْ أَوْقَعْتُ قَوْمًا فَقُتِلُوا ثُمَّ فَرَرْتُ عَنْ مِثْلِ مَصَارِعِهِمْ . وَدَنَا أَهْلُ
الشَّامِ ) حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهُمُ الْأَبْوَابُ ، وَكَانُوا يَصِيحُونَ بِهِ : يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ ، فَيَقُولُ :
وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا
وَجَعَلَ أَهْلُ
الشَّامِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ ، فَكَانَ لِأَهْلِ
حِمْصٍ الْبَابُ الَّذِي يُوَاجِهُ بَابَ الْكَعْبَةِ ، وَلِأَهْلِ
دِمَشْقَ بَابُ بَنِي شَيْبَةَ ، وَلِأَهْلِ
الْأُرْدُنِّ بَابُ الصَّفَا ، وَلِأَهْلِ
فَلَسْطِينَ بَابُ بَنِي جُمَحٍ ، وَلِأَهْلِ
قِنَّسْرِينَ بَابُ بَنِي تَمِيمٍ ، وَكَانَ
الْحَجَّاجُ وَطَارِقٌ مِنْ نَاحِيَةِ
الْأَبْطَحِ إِلَى
الْمَرْوَةِ ، فَمَرَّةً يَحْمِلُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَمَرَّةً فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي أَجَمَةٍ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، يَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ ، ثُمَّ يَصِيحُ : أَبَا صَفْوَانَ ! وَيْلُ أُمِّهِ فَتْحًا لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ : لَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ !
فَيَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=16444أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ : إِي وَاللَّهِ وَأَلْفُ .
فَلَمَّا رَأَى
الْحَجَّاجُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى
ابْنِ الزُّبَيْرِ غَضِبَ وَتَرَجَّلَ ، وَأَقْبَلَ يَسُوقُ
[ ص: 404 ] النَّاسَ وَيَصْمُدُ بِهِمْ صَمْدَ صَاحِبِ عَلَمِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَتَقَدَّمُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى صَاحِبِ عَلَمِهِ وَضَارَبَهُمْ وَانْكَشَفُوا ، وَعَرَجَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ ، فَحَمَلُوا عَلَى صَاحِبِ عَلَمِهِ فَقَتَلُوهُ عِنْدَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ ، وَصَارَ الْعَلَمُ بِأَيْدِي أَصْحَابِ
الْحَجَّاجِ . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ بِغَيْرِ عَلَمٍ ، فَضَرَبَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ وَقَالَ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْحَوَارِيِّ ! وَضَرَبَ آخَرُ وَكَانَ حَبَشِيًّا ، فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَالَ : اصْبِرْ أَبَا حُمَمَةَ ، اصْبِرِ ابْنَ حَامٍ . وَقَاتَلَ مَعَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَهُوَ يَقُولُ :
أَنَا الَّذِي فَرَرْتُ يَوْمَ الْحَرَّهْ وَالْحُرُّ لَا يَفِرُّ إِلَّا مَرَّهْ
وَالْيَوْمَ أَجْزِي فَرَّةً بِكَرَّهْ
وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ أَصَابَتْهُ جِرَاحٌ فَمَاتَ مِنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ .
وَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ لِأَصْحَابِهِ وَأَهْلِهِ - يَوْمَ قُتِلَ - بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ : اكْشِفُوا وُجُوهَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكُمْ - وَعَلَيْهِمُ الْمَغَافِرُ - . فَفَعَلُوا . فَقَالَ : يَا
آلَ الزُّبَيْرِ ، لَوْ طِبْتُمْ بِي نَفْسًا عَنْ أَنْفُسِكُمْ كُنَّا أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ اصْطَلَحْنَا فِي اللَّهِ ، فَلَا يَرُعْكُمْ وَقْعُ السُّيُوفِ ، فَإِنَّ أَلَمَ الدَّوَاءِ لِلْجِرَاحِ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِ وَقْعِهَا ، صُونُوا سُيُوفَكُمْ كَمَا تَصُونُونَ وُجُوهَكُمْ ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ مِنَ الْبَارِقَةِ ، وَلْيَشْغَلْ كُلَّ امْرِئٍ قِرْنُهُ ، وَلَا تَسْأَلُوا عَنِّي ، فَمَنْ كَانَ سَائِلًا عَنِّي فَإِنِّي فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ ، احْمِلُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ . ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ بِهِمُ
الْحَجُونَ ، فَرُمِيَ بِآجُرَّةٍ ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنَ
السَّكُونِ ، فَأَصَابَتْهُ فِي وَجْهِهِ ، فَأُرْعِشَ لَهَا وَدَمِيَ وَجْهُهُ ، فَلَمَّا وَجَدَ الدَّمَ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ :
فَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تُدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا
وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَتَعَاوَرُوا عَلَيْهِ ، فَقَتَلُوهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَلَهُ
[ ص: 405 ] ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً ، وَتَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ
مُرَادٍ ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى
الْحَجَّاجِ فَسَجَدَ ، وَوَفَّدَ السَّكُونِيَّ وَالْمُرَادِيَّ إِلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْخَبَرِ ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ .
وَسَارَ
الْحَجَّاجُ وَطَارِقٌ حَتَّى وَقَفَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ
طَارِقٌ : مَا وَلَدَتِ النِّسَاءُ أَذْكَرَ مِنْ هَذَا . فَقَالَ
الْحَجَّاجُ : أَتَمْدَحُ مُخَالِفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ هُوَ أَعْذَرُ لَنَا ، وَلَوْلَا هَذَا لَمَا كَانَ لَنَا عُذْرٌ ، إِنَّا مُحَاصِرُوهُ مُنْذُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ جُنْدٍ وَلَا حِصْنٍ وَلَا مَنَعَةٍ ، فَيَنْتَصِفُ مِنَّا ، بَلْ يَفْضُلُ عَلَيْنَا . فَبَلَغَ كَلَامُهُمَا
عَبْدَ الْمَلِكِ ، فَصَوَّبَ
طَارِقًا .
وَلَمَّا قُتِلَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ كَبَّرَ أَهْلُ
الشَّامِ فَرَحًا بِقَتْلِهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ ، وَلَقَدْ كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِوِلَادَتِهِ ، وَهَؤُلَاءِ يُكَبِّرُونَ [ فَرَحًا ] بِقَتْلِهِ .
وَبَعَثَ
الْحَجَّاجُ بِرَأْسِهِ وَرَأْسِ
nindex.php?page=showalam&ids=16444عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَرَأْسِ
عِمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ ذُهِبَ بِهَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَأَخَذَ جُثَّتَهُ فَصَلَبَهَا عَلَى الثَّنِيَّةِ الْيُمْنَى
بِالْحَجُونِ . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ
أَسْمَاءُ : قَاتَلَكَ اللَّهُ ! عَلَى مَاذَا صَلَبْتَهُ ؟ قَالَ : اسْتَبَقْتُ أَنَا وَهُوَ إِلَى هَذِهِ الْخَشَبَةِ وَكَانَتْ لَهُ . فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي تَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ ، فَأَبَى وَوَكَّلَ بِالْخَشَبَةِ مَنْ يَحْرُسُهَا ، وَكَتَبَ إِلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِصَلْبِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ وَيَقُولُ : أَلَا خَلَّيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ ! فَأَذِنَ لَهَا
الْحَجَّاجُ ، فَدَفَنَتْهُ
بِالْحَجُونِ ، فَمَرَّ بِهِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا
أَبَا خُبَيْبٍ ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، وَلَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمًا أَنْتَ شَرُّهُمْ لَنِعْمَ الْقَوْمُ .
وَكَانَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ قَتْلِهِ بَقِيَ أَيَّامًا يَسْتَعْمِلُ الصَّبْرَ وَالْمِسْكَ لِئَلَّا يُنْتِنَ ، فَلَمَّا صُلِبَ ظَهَرَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ ، فَقِيلَ : ( إِنَّ
الْحَجَّاجَ صَلَبَ مَعَهُ كَلْبًا مَيِّتًا ، فَغَلَبَ عَلَى رِيحِ الْمِسْكِ ، وَقِيلَ : بَلْ صَلَبَ مَعَهُ سِنَّوْرًا ) .
وَلَمَّا قُتِلَ
عَبْدُ اللَّهِ رَكِبَ أَخُوهُ
عُرْوَةُ نَاقَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا ، فَسَارَ إِلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَدِمَ
الشَّامَ قَبْلَ وُصُولِ رُسُلِ
الْحَجَّاجِ بِقَتْلِ
عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَتَى بَابَ
عَبْدِ الْمَلِكِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ
[ ص: 406 ] لَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ
عَبْدُ الْمَلِكِ وَرَحَّبَ بِهِ وَعَانَقَهُ ، وَأَجْلَسَهُ عَلَى السَّرِيرِ ، فَقَالَ
عُرْوَةُ :
مَتَّتْ بِأَرْحَامٍ إِلَيْكَ قَرِيبَةٍ وَلَا قُرْبَ لِلْأَرْحَامِ مَا لَمْ تُقَرَّبِ
ثُمَّ تَحَدَّثَا حَتَّى جَرَى ذِكْرُ
عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ
عُرْوَةُ : إِنَّهُ كَانَ ، فَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ : وَمَا فَعَلَ ؟ قَالَ : قُتِلَ . فَخَرَّ سَاجِدًا ، فَقَالَ
عُرْوَةُ : إِنَّ
الْحَجَّاجَ صَلَبَهُ ، فَهَبْ جُثَّتَهُ لِأُمِّهِ . قَالَ : نَعَمْ . وَكَتَبَ إِلَى
الْحَجَّاجِ يُعَظِّمُ صَلْبَهُ . وَكَانَ
الْحَجَّاجُ لَمَّا فَقَدَ
عُرْوَةَ كَتَبَ إِلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ يَقُولُ لَهُ : إِنَّ
عُرْوَةَ كَانَ مَعَ أَخِيهِ ، فَلَمَّا قُتِلَ
عَبْدُ اللَّهِ أَخَذَ مَالًا مِنْ مَالِ اللَّهِ فَهَرَبَ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عَبْدُ الْمَلِكِ : إِنَّهُ لَمْ يَهْرَبْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي مُبَايِعًا وَقَدْ آمَنْتُهُ وَحَلَّلْتُهُ مِمَّا كَانَ ، وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكَ فَإِيَّاكَ
وَعُرْوَةَ . وَعَادَ
عُرْوَةُ إِلَى
مَكَّةَ ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا .
فَأَنْزَلَ
الْحَجَّاجُ جُثَّةَ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْخَشَبَةِ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ ، فَغَسَّلَتْهُ ، فَلَمَّا أَصَابَهُ الْمَاءُ تَقَطَّعَ ، فَغَسَّلَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا فَاسْتَمْسَكَ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
عُرْوَةُ ، فَدَفَنَتْهُ .
وَقِيلَ : إِنَّ
عُرْوَةَ لَمَّا كَانَ غَائِبًا عِنْدَ
عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ
الْحَجَّاجُ وَعَاوَدَهُ فِي إِنْفَاذِ
عُرْوَةَ إِلَيْهِ ، فَهَمَّ
عَبْدُ الْمَلِكِ بِإِنْفَاذِهِ فَقَالَ
عُرْوَةُ : لَيْسَ الذَّلِيلُ مَنْ قَتَلْتُمُوهُ ، وَلَكِنَّ الذَّلِيلَ مَنْ مَلَكْتُمُوهُ ، وَلَيْسَ بِمَلُومٍ مَنْ صَبَرَ فَمَاتَ ، وَلَكِنَّ الْمَلُومَ مَنْ فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ . فَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ ، فَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، لَنْ تَسْمَعَ مِنَّا شَيْئًا تَكْرَهُهُ .
وَإِنَّ
عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، مَنَعَ
الْحَجَّاجُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : إِنَّمَا أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِدَفْنِهِ ، وَقِيلَ : صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ
عُرْوَةَ ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أُلْقِيَ فِي مَقَابِرِ
الْيَهُودِ ، وَعَاشَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ قَلِيلًا وَمَاتَتْ ، وَكَانَتْ قَدْ أُضِرَّتْ ، وَهِيَ أُمُّ
عُرْوَةَ أَيْضًا .
فَلَمَّا فَرَغَ
الْحَجَّاجُ مِنْ أَمْرِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ دَخَلَ
مَكَّةَ ، فَبَايَعَهُ أَهْلُهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16491لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَأَمَرَ بِكَنْسِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالدَّمِ ، وَسَارَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ
عَبْدُ الْمَلِكِ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ ، فَأَسَاءَ إِلَى أَهْلِهَا وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ ، وَقَالَ : أَنْتُمْ قَتَلَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عُثْمَانَ ، وَخَتَمَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالرُّصَاصِ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ ، كَمَا يُفْعَلُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ،
[ ص: 407 ] nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=31وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى
مَكَّةَ ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْ ( أُمِّ نَتَنٍ ) ، أَهْلُهَا أَخْبَثُ بَلَدٍ وَأَغَشُّهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَحْسَدُهُمْ لَهُ عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَا كَانَتْ تَأْتِينِي كُتُبُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِمْ لَجَعَلْتُهَا مِثْلَ جَوْفِ الْحِمَارِ أَعْوَادًا يَعُودُونَ بِهَا ، وَرِمَّةً قَدْ بَلِيَتْ ، يَغُولُونَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَبَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ فَقَالَ : إِنَّ وَرَاءَهُ مَا يَسُوءُهُ ، قَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا قَالَ ، ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْظَرَهُ .
وَقِيلَ : إِنَّ وِلَايَةَ
الْحَجَّاجِ الْمَدِينَةَ وَمَا فَعَلَهُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ فِي صَفَرٍ .
(
خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَبِبَائَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ ، وَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ يُكَنَّى بِهِ وَبِأَبِي بَكْرٍ أَيْضًا ) .