ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=32626_29253ملك كسرى أبرويز بن هرمز
وكان من أشد ملوكهم بطشا ، وأنفذهم رأيا ، وبلغ من البأس والنجدة وجمع الأموال ومساعدة الأقدار ما لم يبلغه ملك قبله ، ولذلك لقب
أبرويز ، ومعناه المظفر ، وكان في حياة أبيه قد سعى به
بهرام جوبين إلى أبيه أنه يريد الملك لنفسه ، فلما علم ذلك سار إلى
أذربيجان سرا ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدم ، فلما وصلها بايعه من كان بها من العظماء ، واجتمع من
بالمدائن على خلع أبيه ، فلما سمع
أبرويز بادر الوصول إلى
المدائن قبل
بهرام جوبين ، فدخلها قبله ولبس التاج وجلس على السرير ، ثم دخل على أبيه ، وكان قد سمل ، فأعلمه أنه بريء مما فعل به ، وإنما كان هربه للخوف منه ، فصدقه وسأله أن يرسل إليه كل يوم من يؤنسه ، وأن ينتقم ممن خلعه وسمل عينيه ، فاعتذر بقرب
بهرام منه في العساكر وأنه لا يقدر على أن ينتقم ممن فعل به ذلك إلا بعد الظفر
ببهرام .
وسار
بهرام إلى
النهروان وسار
أبرويز إليه ، فالتقيا هناك ، ورأى
أبرويز من أصحابه فتورا في القتال فانهزم ، ودخل على أبيه وعرفه الحال ، فاستشاره فأشار عليه بقصد
موريق ملك
الروم ، وجهز ثانيا وسار في عدة يسيرة ، فيهم خالاه
بندويه وبسطام وكردي أخو بهرام ، فلما خرجوا من
المدائن خاف من معه أن
بهرام يرد
هرمز إلى الملك
[ ص: 429 ] ويرسل إلى ملك
الروم في ردهم فيردهم إليه ، فاستأذنوا
أبرويز في قتل أبيه
هرمز فلم يحر جوابا ، فانصرف
بندويه وبسطام وبعض من معهم إلى
هرمز فقتلوه خنقا ، ثم رجعوا إلى
أبرويز وساروا مجدين إلى أن جاوزوا
الفرات ، ودخلوا ديرا يستريحون فيه ، فلما دخلوا غشيتهم خيل
بهرام جوبين ومقدمها رجل اسمه
بهرام بن سياوش ، فقال
بندويه لأبرويز : احتل لنفسك . قال : ما عندي حيلة ! قال
بندويه : أنا أبذل نفسي دونك ، وطلب منه بزته فلبسها ، وخرج
أبرويز ومن معه من الدير وتواروا بالجبل ، ووافى
بهرام الدير فرأى
بندويه فوق الدير وعليه بزة
أبرويز ، فاعتقده هو وسأله أن ينظره إلى غد ليصير إليه سلما ، ففعل ، ثم ظهر من الغد على حيلته فحمله إلى
بهرام جوبين فحبسه ، ودخل
بهرام جوبين دار الملك وقعد على السرير ولبس التاج ، فانصرفت الوجوه عنه ، لكن الناس أطاعوه خوفا ، وواطأ
بهرام بن سياوش بندويه على الفتك
ببهرام جوبين ، فعلم
بهرام جوبين بذلك فقتل بهرام وأفلت
بندويه فلحق
بأذربيجان .
وسار
أبرويز إلى
أنطاكية ، وأرسل أصحابه إلى الملك ، فوعده النصرة وتزوج
أبرويز ابنة الملك
موريق ، واسمها
مريم ، وجهز معه العساكر الكثيرة ، فبلغت عدتهم سبعين ألفا فيهم رجل يعد بألف مقاتل ، فرتبهم
أبرويز وسار بهم إلى
أذربيجان ، فوافاه
بندويه وغيره من المقدمين والأساورة في أربعين ألف فارس من
أصبهان وفارس وخراسان ، وسار إلى
المدائن . وخرج
بهرام جوبين نحوه ، فجرى بينهما حرب شديدة ، فقتل فيها الفارس الرومي الذي يعد بألف فارس .
ثم انهزم
بهرام جوبين ، وسار إلى الترك ، وسار
أبرويز من المعركة ودخل
المدائن وفرق الأموال في
الروم ، فبلغت جملتها عشرين ألف ألف فأعادهم إلى بلادهم .
وأقام
بهرام جوبين عند الترك مكرما ، فأرسل
أبرويز إلى زوجة الملك ، وأجزل لها الهدية من الجواهر وغيرها ، وطلب منها قتل
بهرام ، فوضعت عليه من قتله ، فاشتد قتله على ملك الترك ، ثم علم أن زوجته قتلته فطلقها . ثم إن
أبرويز قتل
بندويه ، وأراد قتل
بسطام فهرب منه إلى
طبرستان لحصانتها ، فوضع
أبرويز عليه فقتله .
وأما
الروم فإنهم خلعوا ملكهم
موريق بعد أربع عشرة سنة من ملك
أبرويز ، وقتلوه وملكوا عليهم بطريقا اسمه
فوقاس ، فأباد ذرية
موريق سوى ابن له هرب إلى
[ ص: 430 ] nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى أبرويز ، فأرسل معه العساكر وتوجه وملكه على
الروم وجعل على عساكره ثلاثة نفر من قواده وأساورته .
أما أحدهم فكان يقال له
بوران ، وجهه في جيش منها إلى
الشام ، فدخلها حتى دخل إلى
البيت المقدس ، فأخذ خشبة الصليب التي تزعم
النصارى أن
المسيح - عليه السلام - صلب عليها فأرسلها إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى أبرويز .
وأما القائد الثاني فكان يقال له
شاهين ، فسيره في جيش آخر إلى
مصر ، فافتتحها وأرسل مفاتيح
الإسكندرية إلى
أبرويز .
وأما القائد الثالث ، وهو أعظمهم ، فكان يقال له
فرخان ، وتدعى مرتبته
شهربراز ، وجعل مرجع القائدين الأولين إليه .
وكانت والدته منجبة لا تلد إلا نجيبا ، فأحضرها
أبرويز وقال لها : إني أريد أن أوجه جيشا إلى
الروم ، أستعمل عليه بعض بنيك ، فأشيري علي أيهم أستعمل ؟ . فقالت : أما
فلان فأروغ من ثعلب ، وأحذر من صقر ، وأما
فرخان فهو أنفذ من
سنان ، وأما
شهربراز فهو أحلم من كذا .
فقال : قد استعملت الحليم ، فولاه أمر الجيش ، فسار إلى
الروم فقتلهم ، وخرب مدائنهم ، وقطع أشجارهم ، وسار في بلادهم إلى
القسطنطينية ، حتى نزل على خليجها القريب منها ينهب ويغير ويخرب ، فلم يخضع
لابن موريق أحد ولا أطاعه ، غير أن
الروم قتلوا
فوقاس لفساده وملكوا عليهم بعده
هرقل ، وهو الذي أخذ المسلمون
الشام منه .
فلما رأى
هرقل ما أهم
الروم من النهب والقتل والبلاء تضرع إلى الله تعالى ودعاه ، فرأى في منامه رجلا كث اللحية رفيع المجلس عليه بزة حسنة ، فدخل عليهما داخل فألقى ذلك الرجل عن مجلسه وقال
لهرقل : إني قد أسلمته في يدك ، فاستيقظ ، فلم
[ ص: 431 ] يقص رؤياه ، فرأى في الليلة الثانية ذلك الرجل جالسا في مجلسه ، وقد دخل الرجل الثالث وبيده سلسلة ، فألقاها في عنق ذلك الرجل وسلمه إلى
هرقل وقال : قد دفعت إليك
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى برمته فاغزه ، فإنك مدال عليه ، وبالغ أمنيتك في أعدائك . فقص حينئذ هذه الرؤيا على عظماء
الروم ، فأشاروا عليه أن يغزوه ، فاستعد
هرقل وأخلف ابنا له على
القسطنطينية ، وسلك غير الطريق الذي عليه
شهربراز ، وسار حتى أوغل في بلاد
أرمينية ، وقصد الجزيرة فنزل
نصيبين ، فأرسل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى جندا وأمرهم بالمقام
بالموصل ، وأرسل إلى
شهربراز يستحثه على القدوم ليتضافرا على قتال
هرقل .
وقيل في مسيره غير هذا ، وهو أن
شهربراز سار إلى بلاد
الروم فوطئ
الشام حتى وصل إلى
أذرعات ، ولقي جيوش
الروم بها فهزمها وظفر بها وسبى وغنم وعظم شأنه .
ثم إن
فرخان أخا
شهربراز شرب الخمر يوما وقال : لقد رأيت في المنام كأني جالس على سرير
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ، فبلغ الخبر
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى فكتب إلى أخيه
شهربراز يأمره بقتله ، فعاوده وأعلمه شجاعته ونكايته في العدو ، فعاد
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى وكتب إليه بقتله ، فراجعه ، فكتب إليه الثالثة ، فلم يفعل ، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى بعزل
شهربراز وولاية
فرخان العسكر ، فأطاع
شهربراز فلما جلس على سرير الإمارة ألقى إليه القاصد بولايته كتابا صغيرا من
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى يأمره بقتل
شهربراز فعزم على قتله ، فقال له
شهربراز : أمهلني حتى أكتب وصيتي ، فأمهله ، فأحضر درجا وأخرج منه كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى الثلاثة وأطلعه عليها وقال : أنا راجعت فيك ثلاث مرات ولم أقتلك ، وأنت تقتلني في مرة واحدة ، فاعتذر أخوه إليه وأعاده إلى الإمارة واتفقا على موافقة ملك
الروم على
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ، فأرسل
شهربراز إلى
هرقل : إن لي إليك حاجة لا يبلغها البريد ولا تسعها الصحف ، فالقني في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا ، فأقبل
قيصر في جيوشه جميعها ، ووضع عيونه تأتيه بخبر
شهربراز ، وخاف أن يكون مكيدة ، فأتته عيونه فأخبروه أنه في خمسين فارسيا ، فحضر عنده في مثلها ، واجتمعا وبينهما ترجمان فقال له : أنا وأخي خربنا بلادك وفعلنا ما علمت ، وقد حسدنا
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى وأراد قتلنا ، وقد خلعناه ونحن نقاتل معك . ففرح
هرقل بذلك واتفقا
[ ص: 432 ] عليه وقتلا الترجمان لئلا يفشي سرهما ، وسار
هرقل في جيشه إلى
نصيبين .
وبلغ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى أبرويز الخبر وأرسل لمحاربة
هرقل قائدا من قواده اسمه
راهزار في اثني عشر ألفا ، وأمره أن يقيم
بنينوى من أرض
الموصل على
دجلة يمنع
هرقل من أن يجوزها ، وأقام هو
بدسكرة الملك ، فأرسل
راهزار العيون ، فأخبروه أن
هرقل في سبعين ألف مقاتل ، فأرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى يعرفه ذلك ، وأنه يعجز عن قتال هذا الجمع الكثير ، فلم يعذره وأمره بقتاله ، فأطاع وعبى جنده ، وسار
هرقل نحو جنود
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ، وقطع
دجلة من غير الموضع الذي فيه
راهزار ، فقصده
راهزار ولقيه ، فاقتتلوا ، فقتل
راهزار وستة آلاف من أصحابه وانهزم الباقون .
وبلغ الخبر
أبرويز وهو بدسكرة الملك ، فهده ذلك وعاد إلى
المدائن ، وتحصن بها لعجزه عن محاربة
هرقل ، وكتب إلى قواد الجند الذين انهزموا يتهددهم بالعقوبة فأحوجهم إلى الخلاف عليه ، على ما نذكره إن شاء الله . وسار
هرقل حتى قارب
المدائن ثم عاد إلى بلاده .
وكان سبب عوده أن
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى لما عجز عن
هرقل أعمل الحيلة ، فكتب كتابا إلى
شهربراز يشكره ويثني عليه ويقول له : أحسنت في فعل ما أمرتك به من مواصلة ملك
الروم وتمكينه من البلاد ، والآن قد أوغل وأمكن من نفسه ، فتجيء أنت من خلفه وأنا من بين يديه ، ويكون اجتماعنا عليه يوم كذا فلا يفلت منهم أحد . ثم جعل الكتاب في عكاز أبنوس ، وأحضر راهبا كان في دير عند
المدائن وقال له : لي إليك حاجة . فقال الراهب : الملك أكبر من أن يكون له إلي حاجة ولكنني عبده . قال : إن
الروم قد نزلوا قريبا منا ، وقد حفظوا الطرق عنا ، ولي إلى أصحابي الذين
بالشام حاجة ، وأنت نصراني إذا جزت على
الروم لا ينكرونك ، وقد كتبت كتابا وهو في هذه العكازة فتوصله إلى
شهربراز ، وأعطاه مائتي دينار . فأخذ الكتاب وفتحه وقرأه ثم أعاده وسار ، فلما صار بالعسكر ورأى
الروم والرهبان والنواقيس رق قلبه وقال : أنا شر الناس إن أهلكت النصرانية ! فأقبل إلى سرادق الملك وأنهى حاله وأوصل الكتاب إليه . فقرأه ثم أحضر أصحابه رجلا قد أخذوه من طريق
الشام قد واطأه
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ومعه كتاب
[ ص: 433 ] قد افتعله على لسان
شهربراز إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى يقول : إنني مازلت أخادع ملك
الروم ، حتى اطمأن إلي ، وجاز إلى البلاد كما أمرتني ، فيعرفني الملك في أي يوم يكون لقاؤه ، حتى أهجم أنا عليه من ورائه والملك من بين يديه ، فلا يسلم هو ولا أصحابه ، وآمره أن يتعمد طريقا يؤخذ فيها .
فلما قرأ ملك
الروم الكتاب الثاني تحقق الخبر ، فعاد شبه المنهزم مبادرا إلى بلاده ، ووصل خبر عودة ملك
الروم إلى
شهربراز ، فأراد أن يستدرك ما فرط منه ، فعارض
الروم فقتل منهم قتلا ذريعا وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى : إنني عملت الحيلة على
الروم حتى صاروا في
العراق ، وأنفذ من رءوسهم شيئا كثيرا .
وفي هذه الحادثة أنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) ، يعني بأدنى الأرض
أذرعات ، وهي أدنى أرض
الروم إلى العرب ، وكانت
الروم قد هزمت بها في بعض حروبها .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون قد ساءهم ظفر
الفرس أولا
بالروم ; لأن
الروم أهل كتاب ، وفرح الكفار لأن المجوس أميون مثلهم ، فلما نزلت هذه الآيات راهن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق أبي بن خلف على أن الظفر يكون
للروم إلى تسع سنين ، والرهن مائة بعير ، فغلبه
أبو بكر ، ولم يكن الرهن ذلك الوقت حراما ، فلما ظفرت
الروم أتى الخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
الحديبية .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=32626_29253مُلْكِ كِسْرَى أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ
وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ مُلُوكِهِمْ بَطْشًا ، وَأَنْفَذِهِمْ رَأْيًا ، وَبَلَغَ مِنَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَمُسَاعَدَةِ الْأَقْدَارِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ مَلِكٌ قَبْلَهُ ، وَلِذَلِكَ لُقِّبَ
أَبْرَوِيزَ ، وَمَعْنَاهُ الْمُظَفَّرُ ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ قَدْ سَعَى بِهِ
بَهْرَامُ جُوبِينَ إِلَى أَبِيهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُلْكَ لِنَفْسِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ سَارَ إِلَى
أَذْرَبِيجَانَ سِرًّا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، فَلَمَّا وَصَلَهَا بَايَعَهُ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْعُظَمَاءِ ، وَاجْتَمَعَ مَنْ
بِالْمَدَائِنِ عَلَى خَلْعِ أَبِيهِ ، فَلَمَّا سَمِعَ
أَبْرَوِيزُ بَادَرَ الْوُصُولَ إِلَى
الْمَدَائِنِ قَبْلَ
بَهْرَامَ جُوبِينَ ، فَدَخَلَهَا قَبْلَهُ وَلَبِسَ التَّاجَ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ ، وَكَانَ قَدْ سُمِلَ ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا فُعِلَ بِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ هَرَبُهُ لِلْخَوْفِ مِنْهُ ، فَصَدَّقَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَنْ يُؤْنِسُهُ ، وَأَنْ يَنْتَقِمَ مِمَّنْ خَلَعَهُ وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ ، فَاعْتَذَرَ بِقُرْبِ
بَهْرَامَ مِنْهُ فِي الْعَسَاكِرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْتَقِمَ مِمَّنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الظَّفَرِ
بِبَهْرَامَ .
وَسَارَ
بَهْرَامُ إِلَى
النَّهْرَوَانِ وَسَارَ
أَبْرَوِيزُ إِلَيْهِ ، فَالْتَقَيَا هُنَاكَ ، وَرَأَى
أَبْرَوِيزُ مِنْ أَصْحَابِهِ فُتُورًا فِي الْقِتَالِ فَانْهَزَمَ ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعَرَّفَهُ الْحَالَ ، فَاسْتَشَارَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَصْدِ
مُورِيقَ مَلِكِ
الرُّومِ ، وَجَهَّزَ ثَانِيًا وَسَارَ فِي عِدَّةٍ يَسِيرَةٍ ، فِيهِمْ خَالَاهُ
بِنْدَوَيْهِ وَبِسْطَامٌ وَكُرْدِيٌّ أَخُو بَهْرَامَ ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ
الْمَدَائِنِ خَافَ مَنْ مَعَهُ أَنَّ
بَهْرَامَ يَرُدُّ
هُرْمُزَ إِلَى الْمُلْكِ
[ ص: 429 ] وَيُرْسِلُ إِلَى مَلِكِ
الرُّومِ فِي رَدِّهِمْ فَيَرُدُّهُمْ إِلَيْهِ ، فَاسْتَأْذَنُوا
أَبْرَوِيزَ فِي قَتْلِ أَبِيهِ
هُرْمُزَ فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا ، فَانْصَرَفَ
بِنْدَوَيْهِ وَبِسْطَامٌ وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُمْ إِلَى
هُرْمُزَ فَقَتَلُوهُ خَنْقًا ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى
أَبْرَوِيزَ وَسَارُوا مُجِدِّينَ إِلَى أَنْ جَاوَزُوا
الْفُرَاتَ ، وَدَخَلُوا دَيْرًا يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ ، فَلَمَّا دَخَلُوا غَشِيَتْهُمْ خَيْلُ
بَهْرَامَ جُوبِينَ وَمُقَدِّمُهَا رَجُلٌ اسْمُهُ
بَهْرَامُ بْنُ سِيَاوِشَ ، فَقَالَ
بِنْدَوَيْهِ لِأَبْرَوِيزَ : احْتَلْ لِنَفْسِكَ . قَالَ : مَا عِنْدِي حِيلَةٌ ! قَالَ
بِنْدَوَيْهِ : أَنَا أَبْذُلُ نَفْسِي دُونَكَ ، وَطَلَبَ مِنْهُ بَزَّتَهُ فَلَبِسَهَا ، وَخَرَجَ
أَبْرَوِيزُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدَّيْرِ وَتَوَارَوْا بِالْجَبَلِ ، وَوَافَى
بَهْرَامُ الدَّيْرَ فَرَأَى
بِنْدَوَيْهِ فَوْقَ الدَّيْرِ وَعَلَيْهِ بَزَّةُ
أَبْرَوِيزَ ، فَاعْتَقَدَهُ هُوَ وَسَأَلَهُ أَنْ يُنْظِرَهُ إِلَى غَدٍ لِيَصِيرَ إِلَيْهِ سِلْمًا ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنَ الْغَدِ عَلَى حِيلَتِهِ فَحَمَلَهُ إِلَى
بَهْرَامَ جُوبِينَ فَحَبَسَهُ ، وَدَخَلَ
بَهْرَامُ جُوبِينَ دَارَ الْمُلْكِ وَقَعَدَ عَلَى السَّرِيرِ وَلَبِسَ التَّاجَ ، فَانْصَرَفَتِ الْوُجُوهُ عَنْهُ ، لَكِنَّ النَّاسَ أَطَاعُوهُ خَوْفًا ، وَوَاطَأَ
بَهْرَامُ بْنُ سِيَاوِشَ بِنْدَوَيْهِ عَلَى الْفَتْكِ
بِبَهْرَامَ جُوبِينَ ، فَعَلِمَ
بَهْرَامُ جُوبِينَ بِذَلِكَ فَقَتَلَ بَهْرَامَ وَأَفْلَتَ
بِنْدَوَيْهِ فَلَحِقَ
بِأَذْرَبِيجَانَ .
وَسَارَ
أَبْرَوِيزُ إِلَى
أَنْطَاكِيَّةَ ، وَأَرْسَلَ أَصْحَابَهُ إِلَى الْمَلِكِ ، فَوَعَدَهُ النُّصْرَةَ وَتَزَوَّجَ
أَبْرَوِيزُ ابْنَةَ الْمَلِكِ
مُورِيقَ ، وَاسْمُهَا
مَرْيَمُ ، وَجَهَّزَ مَعَهُ الْعَسَاكِرَ الْكَثِيرَةَ ، فَبَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا فِيهِمْ رَجُلٌ يُعَدُّ بِأَلْفِ مُقَاتِلٍ ، فَرَتَّبَهُمْ
أَبْرَوِيزُ وَسَارَ بِهِمْ إِلَى
أَذْرَبِيجَانَ ، فَوَافَاهُ
بِنْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُقَدَّمِينَ وَالْأَسَاوِرَةِ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ
أَصْبَهَانَ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ ، وَسَارَ إِلَى
الْمَدَائِنِ . وَخَرَجَ
بَهْرَامُ جُوبِينَ نَحْوَهُ ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا حَرْبٌ شَدِيدَةٌ ، فَقُتِلَ فِيهَا الْفَارِسُ الرُّومِيُّ الَّذِي يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ .
ثُمَّ انْهَزَمَ
بَهْرَامُ جُوبِينَ ، وَسَارَ إِلَى التُّرْكِ ، وَسَارَ
أَبْرَوِيزُ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَدَخَلَ
الْمَدَائِنَ وَفَرَّقَ الْأَمْوَالَ فِي
الرُّومِ ، فَبَلَغَتْ جُمْلَتُهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ فَأَعَادَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ .
وَأَقَامَ
بَهْرَامُ جُوبِينَ عِنْدَ التُّرْكِ مُكَرَّمًا ، فَأَرْسَلَ
أَبْرَوِيزُ إِلَى زَوْجَةِ الْمَلِكِ ، وَأَجْزَلَ لَهَا الْهَدِيَّةَ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا ، وَطَلَبَ مِنْهَا قَتْلَ
بَهْرَامَ ، فَوَضَعَتْ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ ، فَاشْتَدَّ قَتْلُهُ عَلَى مَلِكِ التُّرْكِ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَتَلَتْهُ فَطَلَّقَهَا . ثُمَّ إِنَّ
أَبْرَوِيزَ قَتَلَ
بِنْدَوَيْهِ ، وَأَرَادَ قَتْلَ
بِسْطَامٍ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى
طَبَرِسْتَانَ لِحَصَانَتِهَا ، فَوَضَعَ
أَبْرَوِيزُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ .
وَأَمَّا
الرُّومُ فَإِنَّهُمْ خَلَعُوا مَلِكَهُمْ
مُورِيقَ بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ
أَبْرَوِيزَ ، وَقَتَلُوهُ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بَطْرِيقًا اسْمُهُ
فُوقَاسُ ، فَأَبَادَ ذُرِّيَّةَ
مُورِيقَ سِوَى ابْنٍ لَهُ هَرَبَ إِلَى
[ ص: 430 ] nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى أَبْرَوِيزَ ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ الْعَسَاكِرَ وَتَوَجَّهَ وَمَلَّكَهُ عَلَى
الرُّومِ وَجَعَلَ عَلَى عَسَاكِرِهِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ قُوَّادِهِ وَأَسَاوِرَتِهِ .
أَمَّا أَحَدُهُمْ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ
بُورَانُ ، وَجَّهَهُ فِي جَيْشٍ مِنْهَا إِلَى
الشَّامِ ، فَدَخَلَهَا حَتَّى دَخَلَ إِلَى
الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ ، فَأَخَذَ خَشَبَةَ الصَّلِيبِ الَّتِي تَزْعُمُ
النَّصَارَى أَنَّ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صُلِبَ عَلَيْهَا فَأَرْسَلَهَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى أَبْرَوِيزَ .
وَأَمَّا الْقَائِدُ الثَّانِي فَكَانَ يُقَالُ لَهُ
شَاهِينُ ، فَسَيَّرَهُ فِي جَيْشٍ آخَرَ إِلَى
مِصْرَ ، فَافْتَتَحَهَا وَأَرْسَلَ مَفَاتِيحَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى
أَبْرَوِيزَ .
وَأَمَّا الْقَائِدُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ
فَرُّخَانُ ، وَتُدْعَى مَرْتَبَتُهُ
شَهْرَبَرَازْ ، وَجَعَلَ مَرْجِعَ الْقَائِدَيْنِ الْأَوَّلِينَ إِلَيْهِ .
وَكَانَتْ وَالِدَتُهُ مُنْجِبَةً لَا تَلِدُ إِلَّا نَجِيبًا ، فَأَحْضَرَهَا
أَبْرَوِيزُ وَقَالَ لَهَا : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوَجِّهَ جَيْشًا إِلَى
الرُّومِ ، أَسْتَعْمِلُ عَلَيْهِ بَعْضَ بَنِيكِ ، فَأَشِيرِي عَلَيَّ أَيَّهُمْ أَسْتَعْمِلُ ؟ . فَقَالَتْ : أَمَّا
فُلَانٌ فَأَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ ، وَأَحْذَرُ مِنْ صَقْرٍ ، وَأَمَّا
فَرُّخَانُ فَهُوَ أَنْفَذُ مِنْ
سِنَانٍ ، وَأَمَّا
شَهْرَبَرَازْ فَهُوَ أَحْلَمُ مِنْ كَذَا .
فَقَالَ : قَدِ اسْتَعْمَلْتُ الْحَلِيمَ ، فَوَلَّاهُ أَمْرَ الْجَيْشِ ، فَسَارَ إِلَى
الرُّومِ فَقَتَلَهُمْ ، وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ ، وَقَطَعَ أَشْجَارَهُمْ ، وَسَارَ فِي بِلَادِهِمْ إِلَى
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى خَلِيجِهَا الْقَرِيبِ مِنْهَا يَنْهَبُ وَيُغِيرُ وَيُخَرِّبُ ، فَلَمْ يَخْضَعْ
لِابْنِ مُورِيقَ أَحَدٌ وَلَا أَطَاعَهُ ، غَيْرَ أَنَّ
الرُّومَ قَتَلُوا
فُوقَاسَ لِفَسَادِهِ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ
هِرَقْلَ ، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ
الشَّامَ مِنْهُ .
فَلَمَّا رَأَى
هِرَقْلُ مَا أَهَمَّ
الرُّومَ مِنَ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالْبَلَاءِ تَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَدَعَاهُ ، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ رَجُلًا كَثَّ اللِّحْيَةِ رَفِيعَ الْمَجْلِسِ عَلَيْهِ بَزَّةٌ حَسَنَةٌ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا دَاخِلٌ فَأَلْقَى ذَلِكَ الرَّجُلَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَقَالَ
لِهِرَقْلَ : إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُهُ فِي يَدِكَ ، فَاسْتَيْقَظَ ، فَلَمْ
[ ص: 431 ] يَقُصَّ رُؤْيَاهُ ، فَرَأَى فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَالِسًا فِي مَجْلِسِهِ ، وَقَدْ دَخَلَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ وَبِيَدِهِ سِلْسِلَةٌ ، فَأَلْقَاهَا فِي عُنُقِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَسَلَّمَهُ إِلَى
هِرَقْلَ وَقَالَ : قَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى بِرُمَّتِهِ فَاغْزُهُ ، فَإِنَّكَ مُدَالٌ عَلَيْهِ ، وَبَالِغْ أُمْنِيَّتَكَ فِي أَعْدَائِكَ . فَقَصَّ حِينَئِذٍ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى عُظَمَاءِ
الرُّومِ ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَغْزُوَهُ ، فَاسْتَعَدَّ
هِرَقْلُ وَأَخْلَفَ ابْنًا لَهُ عَلَى
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَسَلَكَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الَّذِي عَلَيْهِ
شَهْرَبَرَازْ ، وَسَارَ حَتَّى أَوْغَلَ فِي بِلَادِ
أَرْمِينِيَّةَ ، وَقَصَدَ الْجَزِيرَةَ فَنَزَلَ
نَصِيبِينَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى جُنْدًا وَأَمَرَهُمْ بِالْمُقَامِ
بِالْمَوْصِلِ ، وَأَرْسَلَ إِلَى
شَهْرَبَرَازْ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْقُدُومِ لِيَتَضَافَرَا عَلَى قِتَالِ
هِرَقْلَ .
وَقِيلَ فِي مَسِيرِهِ غَيْرُ هَذَا ، وَهُوَ أَنَّ
شَهْرَبَرَازْ سَارَ إِلَى بِلَادِ
الرُّومِ فَوَطِئَ
الشَّامَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى
أَذْرُعَاتٍ ، وَلَقِيَ جُيُوشَ
الرُّومِ بِهَا فَهَزَمَهَا وَظَفِرَ بِهَا وَسَبَى وَغَنِمَ وَعَظُمَ شَأْنُهُ .
ثُمَّ إِنَّ
فَرُّخَانَ أَخَا
شَهْرَبَرَازْ شَرِبَ الْخَمْرَ يَوْمًا وَقَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى فَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ
شَهْرَبَرَازْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ ، فَعَاوَدَهُ وَأَعْلَمَهُ شَجَاعَتَهُ وَنِكَايَتَهُ فِي الْعَدُوِّ ، فَعَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِقَتْلِهِ ، فَرَاجَعَهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى بِعَزْلِ
شَهْرَبَرَازْ وَوِلَايَةِ
فَرُّخَانَ الْعَسْكَرَ ، فَأَطَاعَ
شَهْرَبَرَازْ فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْإِمَارَةِ أَلْقَى إِلَيْهِ الْقَاصِدُ بِوِلَايَتِهِ كِتَابًا صَغِيرًا مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ
شَهْرَبَرَازَ فَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ
شَهْرَبَرَازُ : أَمْهِلْنِي حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي ، فَأَمْهَلَهُ ، فَأَحْضَرَ دُرْجًا وَأَخْرَجَ مِنْهُ كُتُبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى الثَّلَاثَةَ وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ : أَنَا رَاجَعْتُ فِيكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ أَقْتُلْكَ ، وَأَنْتَ تَقْتُلُنِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَاعْتَذَرَ أَخُوهُ إِلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى الْإِمَارَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى مُوَافَقَةِ مَلِكِ
الرُّومِ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى ، فَأَرْسَلَ
شَهْرَبَرَازْ إِلَى
هِرَقْلَ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لَا يَبْلُغُهَا الْبَرِيدُ وَلَا تَسَعُهَا الصُّحُفُ ، فَالْقَنِي فِي خَمْسِينَ رُومِيًّا ، فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا ، فَأَقْبَلَ
قَيْصَرُ فِي جُيُوشِهِ جَمِيعِهَا ، وَوَضَعَ عُيُونَهُ تَأْتِيهِ بِخَبَرِ
شَهْرَبَرَازْ ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ مَكِيدَةً ، فَأَتَتْهُ عُيُونُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ فِي مِثْلِهَا ، وَاجْتَمَعَا وَبَيْنَهُمَا تُرْجُمَانٌ فَقَالَ لَهُ : أَنَا وَأَخِي خَرَّبْنَا بِلَادَكَ وَفَعَلْنَا مَا عَلِمْتَ ، وَقَدْ حَسَدَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى وَأَرَادَ قَتْلَنَا ، وَقَدْ خَلَعْنَاهُ وَنَحْنُ نُقَاتِلُ مَعَكَ . فَفَرِحَ
هِرَقْلُ بِذَلِكَ وَاتَّفَقَا
[ ص: 432 ] عَلَيْهِ وَقَتَلَا التُّرْجُمَانَ لِئَلَّا يُفْشِيَ سِرَّهُمَا ، وَسَارَ
هِرَقْلُ فِي جَيْشِهِ إِلَى
نَصِيبِينَ .
وَبَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى أَبْرَوِيزَ الْخَبَرُ وَأَرْسَلَ لِمُحَارَبَةِ
هِرَقْلَ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِهِ اسْمُهُ
رَاهَزَارُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ
بِنِينَوَى مِنْ أَرْضِ
الْمَوْصِلِ عَلَى
دِجْلَةَ يَمْنَعُ
هِرَقْلَ مِنْ أَنْ يَجُوزَهَا ، وَأَقَامَ هُوَ
بِدَسْكَرَةِ الْمُلْكِ ، فَأَرْسَلَ
رَاهَزَارُ الْعُيُونَ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ
هِرَقْلَ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ قِتَالِ هَذَا الْجَمْعِ الْكَثِيرِ ، فَلَمْ يَعْذُرْهُ وَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِ ، فَأَطَاعَ وَعَبَّى جُنْدَهُ ، وَسَارَ
هِرَقْلُ نَحْوَ جُنُودِ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى ، وَقَطَعَ
دِجْلَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ
رَاهَزَارُ ، فَقَصَدَهُ
رَاهَزَارُ وَلَقِيَهُ ، فَاقْتَتَلُوا ، فَقُتِلَ
رَاهَزَارُ وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ .
وَبَلَغَ الْخَبَرُ
أَبْرَوِيزَ وَهُوَ بِدَسْكَرَةِ الْمُلْكِ ، فَهَدَّهُ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، وَتَحَصَّنَ بِهَا لِعَجْزِهِ عَنْ مُحَارَبَةِ
هِرَقْلَ ، وَكُتَبَ إِلَى قُوَّادِ الْجُنْدِ الَّذِينَ انْهَزَمُوا يَتَهَدَّدُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ فَأَحْوَجَهُمْ إِلَى الْخِلَافِ عَلَيْهِ ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَسَارَ
هِرَقْلُ حَتَّى قَارَبَ
الْمَدَائِنَ ثُمَّ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ .
وَكَانَ سَبَبَ عَوْدِهِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى لَمَّا عَجِزَ عَنْ
هِرَقْلَ أَعْمَلَ الْحِيلَةَ ، فَكَتَبَ كِتَابًا إِلَى
شَهْرَبَرَازْ يَشْكُرُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ : أَحْسَنْتَ فِي فِعْلِ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ مِنْ مُوَاصَلَةِ مَلِكِ
الرُّومِ وَتَمْكِينِهِ مِنَ الْبِلَادِ ، وَالْآنَ قَدْ أَوْغَلَ وَأَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ ، فَتَجِيءُ أَنْتَ مِنْ خَلْفِهِ وَأَنَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَيَكُونُ اجْتِمَاعُنَا عَلَيْهِ يَوْمَ كَذَا فَلَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ أَحَدٌ . ثُمَّ جَعَلَ الْكِتَابَ فِي عُكَّازِ أَبَنُوسَ ، وَأَحْضَرَ رَاهِبًا كَانَ فِي دَيْرٍ عِنْدَ
الْمَدَائِنِ وَقَالَ لَهُ : لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ . فَقَالَ الرَّاهِبُ : الْمَلِكُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِلَيَّ حَاجَةٌ وَلَكِنَّنِي عَبْدُهُ . قَالَ : إِنَّ
الرُّومَ قَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنَّا ، وَقَدْ حَفِظُوا الطُّرُقَ عَنَّا ، وَلِي إِلَى أَصْحَابِي الَّذِينَ
بِالشَّامِ حَاجَةٌ ، وَأَنْتَ نَصْرَانِيٌّ إِذَا جُزْتَ عَلَى
الرُّومِ لَا يُنْكِرُونَكَ ، وَقَدْ كَتَبْتُ كِتَابًا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْعُكَّازَةِ فَتُوصِلُهُ إِلَى
شَهْرَبَرَازْ ، وَأَعْطَاهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ . فَأَخَذَ الْكِتَابِ وَفَتَحَهُ وَقَرَأَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ وَسَارَ ، فَلَمَّا صَارَ بِالْعَسْكَرِ وَرَأَى
الرُّومَ وَالرُّهْبَانَ وَالنَّوَاقِيسَ رَقَّ قَلْبُهُ وَقَالَ : أَنَا شَرُّ النَّاسِ إِنْ أَهْلَكْتُ النَّصْرَانِيَّةَ ! فَأَقْبَلَ إِلَى سُرَادِقِ الْمَلِكِ وَأَنْهَى حَالَهُ وَأَوْصَلَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ . فَقَرَأَهُ ثُمَّ أَحْضَرَ أَصْحَابُهُ رَجُلًا قَدْ أَخَذُوهُ مِنْ طَرِيقِ
الشَّامِ قَدْ وَاطَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى وَمَعَهُ كِتَابٌ
[ ص: 433 ] قَدِ افْتَعَلَهُ عَلَى لِسَانِ
شَهْرَبَرَازْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى يَقُولُ : إِنَّنِي مَازِلْتُ أُخَادِعُ مَلِكَ
الرُّومِ ، حَتَّى اطْمَأَنَّ إِلَيَّ ، وَجَازَ إِلَى الْبِلَادِ كَمَا أَمَرْتَنِي ، فَيُعَرِّفُنِي الْمَلِكُ فِي أَيِّ يَوْمٍ يَكُونُ لِقَاؤُهُ ، حَتَّى أَهْجُمَ أَنَا عَلَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ وَالْمَلِكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَلَا يَسْلَمُ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ ، وَآمَرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ طَرِيقًا يُؤْخَذُ فِيهَا .
فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ
الرُّومِ الْكِتَابَ الثَّانِيَ تَحَقَّقَ الْخَبَرَ ، فَعَادَ شِبْهَ الْمُنْهَزِمِ مُبَادِرًا إِلَى بِلَادِهِ ، وَوَصَلَ خَبَرُ عَوْدَةِ مَلِكِ
الرُّومِ إِلَى
شَهْرَبَرَازْ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ مَا فَرَّطَ مِنْهُ ، فَعَارَضَ
الرُّومَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا وَكَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى : إِنَّنِي عَمِلْتُ الْحِيلَةَ عَلَى
الرُّومِ حَتَّى صَارُوا فِي
الْعِرَاقِ ، وَأَنْفَذَ مِنْ رُءُوسِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا .
وَفِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) ، يَعْنِي بِأَدْنَى الْأَرْضِ
أَذْرُعَاتٍ ، وَهِيَ أَدْنَى أَرْضِ
الرُّومِ إِلَى الْعَرَبِ ، وَكَانَتِ
الرُّومُ قَدْ هُزِمَتْ بِهَا فِي بَعْضِ حُرُوبِهَا .
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ سَاءَهُمْ ظَفَرُ
الْفُرْسِ أَوَّلًا
بِالرُّومِ ; لِأَنَّ
الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَفَرِحَ الْكُفَّارُ لِأَنَّ الْمَجُوسَ أُمِّيُّونَ مِثْلُهُمْ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ رَاهَنَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ عَلَى أَنَّ الظَّفَرَ يَكُونُ
لِلرُّومِ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ ، وَالرَّهْنُ مِائَةُ بَعِيرٍ ، فَغَلَبَهُ
أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَرَامًا ، فَلَمَّا ظَفِرَتِ
الرُّومُ أَتَى الْخَبَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ .