[ ص: 325 ] ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=32007أصحاب الكهف ، وكانوا أيام ملوك الطوائف
كان
أصحاب الكهف أيام ملك اسمه
دقيوس ، ويقال
دقيانوس ، وكانوا بمدينة
للروم اسمها
أفسوس ، وملكهم يعبد الأصنام ، وكانوا فتية آمنوا بربهم كما ذكر الله - تعالى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) ، والرقيم خبرهم كتب في لوح ، وجعل على باب الكهف الذي أووا إليه ، وقيل : كتبه بعض أهل زمانهم وجعله في البناء وفيه أسماؤهم وفي أيام من كانوا وسبب وصولهم إلى الكهف .
وكانت عدتهم ، فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، سبعة وثامنهم كلبهم ، وقال : إنا من القليل الذين تعلمونهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : كانوا ثمانية ، فعلى قوله يكون تاسعهم كلبهم .
وكانوا من
الروم ، وكانوا يعبدون الأوثان ، فهداهم الله ، وكانت شريعتهم شريعة
عيسى ، عليه السلام .
وزعم بعضهم أنهم كانوا قبل
المسيح ، وأن
المسيح أعلم قومه بهم ، وأن الله بعثهم من رقدتهم بعد رفع
المسيح ، والأول أصح .
وكان سبب إيمانهم أنه جاء حواري من أصحاب
عيسى إلى مدينتهم فأراد أن يدخلها ، فقيل له : إن على بابها صنما لا يدخلها أحد حتى يسجد له ، فلم يدخلها وأتى حماما قريبا من المدينة ، فكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام البركة وعلقه
[ ص: 326 ] الفتية ، فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه . فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام ، فعيره الحواري فاستحيا ، ثم رجع مرة أخرى فعيره فسبه وانتهره ودخل الحمام ومعه المرأة ، فماتا في الحمام ، فقيل للملك : إن الذي بالحمام قتلهما ، فطلب فلم يوجد ، فقيل : من كان يصحبه ؟ فذكر الفتية ، فطلبوا فهربوا ، فمروا بصاحب لهم على حالهم في زرع له فذكروا له أمرهم . فسار معهم وتبعهم الكلب الذي له ، حتى آواهم الليل إلى الكهف ، فقالوا : نبيت ههنا حتى نصبح ثم نرى رأينا ، فدخلوه فرأوا عنده عين ماء وثمارا ، فأكلوا من الثمار وشربوا من الماء ، فلما جنهم الليل ضرب الله على آذانهم ووكل بهم ملائكة يقلبونهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تأكل الأرض أجسادهم ، وكانت الشمس تطلع عليهم .
وسمع الملك
دقيانوس خبرهم فخرج في أصحابه يتبعون أثرهم حتى وجدهم قد دخلوا الكهف ، وأمر أصحابه بالدخول إليهم وإخراجهم . فكلما أراد رجل أن يدخل فأرعب فعاد ، فقال بعضهم : أليس لو كنت ظفرت بهم قتلتهم ؟ قال : بلى . قال : فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعا وعطشا . ففعل ، فبقوا زمانا بعد زمان .
ثم إن راعيا أدركه المطر فقال : لو فتحت باب هذا الكهف فأدخلت غنمي فيه ، ففتحه ، فرد الله إليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا ، فبعثوا أحدهم بورق ليشتري لهم طعاما ، واسمه
تمليخا ، فلما أتى باب المدينة رأى ما أنكره حتى دخل على رجل فقال : بعني بهذه الدراهم طعاما . فقال : فمن أين لك هذه الدراهم ؟ قال : خرجت أنا وأصحاب لي أمس ثم أصبحوا فأرسلوني . فقال : هذه الدراهم كانت على عهد الملك الفلاني . فرفعه إلى الملك ، وكان ملكا صالحا ، فسأله عنها ، فأعاد عليه حالهم . فقال الملك : أين أصحابك ؟ قال : انطلقوا معي . فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف ، فقال : دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم لئلا يسمعوا أصواتكم فيخافوا ظنا منهم أن
دقيانوس قد علم بهم ، فدخل عليهم وأخبرهم الخبر ، فسجدوا شكرا لله وسألوه أن يتوفاهم ، فاستجاب لهم . فضرب على أذنه وآذانهم ، وأراد الملك الدخول عليهم فكانوا كلما دخل عليهم رجل أرعب ، فلم يقدروا أن يدخلوا عليهم ، فعاد عنهم ، فبنوا عليهم كنيسة يصلون فيها .
[ ص: 327 ] قال
عكرمة : لما بعثهم الله كان الملك حينئذ مؤمنا ، وكان قد اختلف أهل مملكته في الروح والجسد وبعثهما ، فقال قائل : يبعث الله الروح دون الجسد . وقال قائل : يبعثان جميعا ، فشق ذلك على الملك فلبس المسوح وسأل الله أن يبين له الحق ، فبعث الله أصحاب الكهف بكرة ، فلما بزغت الشمس قال بعضهم لبعض : قد غفلنا هذه الليلة عن العبادة ، فقاموا إلى الماء ، وكان عند الكهف عين وشجرة ، فإذا العين قد غارت والأشجار قد يبست ، فقال بعضهم لبعض : إن أمرنا لعجب ! هذه العين غارت وهذه الأشجار يبست في ليلة واحدة ! وألقى الله عليهم الجوع ، فقالوا أيكم يذهب (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ) .
فدخل أحدهم يشتري الطعام ، فلما رأى السوق عرف طرقها وأنكر الوجوه ورأى الإيمان ظاهرا بها ، فأتى رجلا يشتري منه ، فأنكر الدراهم ، فرفعه إلى الملك ، فقال الفتى : أليس ملككم فلان ؟ فقال الرجل : لا بل فلان فعجب لذلك . فلما أحضر عند الملك أخبره بخبر أصحابه ، فجمع الملك الناس وقال لهم : إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد ، وإن الله قد بعث لكم آية هذا الرجل من قوم فلان ، يعني الملك الذي مضى . فقال الفتى : انطلقوا بي إلى أصحابي ، فركب الملك والناس معه ، فلما انتهى إلى الكهف قال الفتى للملك : ذروني أسبقكم إلى أصحابي أعرفهم خبركم لئلا يخافوا إذا سمعوا وقع حواف دوابكم وأصواتكم فيظنوكم
دقيانوس . فقال : افعل ، فسبقهم إلى أصحابه ودخل على أصحابه فأخبرهم الخبر ، فعلموا حينئذ مقدار لبثهم في الكهف وبكوا فرحا ودعوا الله أن يميتهم ولا يراهم أحد ممن جاءهم ، فماتوا لساعتهم ، فضرب الله على أذنه وآذانهم معه . فلما استبطأوه دخلوا إلى الفتية فإذا أجسادهم لا ينكرون منها شيئا غير أنها لا أرواح فيها ، فقال الملك : هذه آية لكم . ورأى الملك تابوتا من نحاس مختوما بخاتم ، ففتحه ، فرأى فيه لوحا من رصاص مكتوبا فيه أسماء الفتية ، وأنهم هربوا من
دقيانوس الملك مخافة على نفوسهم ودينهم فدخلوا هذا الكهف . فلما علم
دقيانوس بمكانهم بالكهف سده عليهم . فليعلم من يقرأ كتابنا هذا شأنهم .
فلما قرأوه عجبوا وحمدوا الله تعالى الذي أراهم هذه الآية للبعث ورفعوا أصواتهم بالتحميد والتسبيح .
[ ص: 328 ] وقيل : إن الملك ومن معه دخلوا على الفتية فرأوهم أحياء مشرقة وجوههم وألوانهم لم تبل ثيابهم ، وأخبرهم الفتية بما لقوا من ملكهم
دقيانوس ، واعتنقهم الملك ، وقعدوا معه يسبحون الله ويذكرونه . ثم قالوا له : نستودعك الله . ورجعوا إلى مضاجعهم كما كانوا ، فعمل الملك لكل رجل منهم تابوتا من الذهب ، فلما نام رآهم في منامه وقالوا : إننا لم نخلق من الذهب إنما خلقنا من التراب وإليه نصير ، فعمل لهم حينئذ توابيت من خشب ، فحجبهم الله بالرعب ، وبنى الملك على باب الكهف مسجدا وجعل لهم عيدا عظيما .
وأسماء الفتية :
مكسلمينيا ويمليخا ومرطوس ونيرويس وكسطومس ودينموس وريطوفس وقالوس ومخسيلمينيا ، وهذه تسعة أسماء ، وهي أتم الروايات ، والله أعلم ، وكلبهم قطمير .
[ ص: 325 ] ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=32007أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَكَانُوا أَيَّامَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ
كَانَ
أَصْحَابُ الْكَهْفِ أَيَّامَ مَلِكٍ اسْمُهُ
دِقْيُوسْ ، وَيُقَالُ
دِقْيَانُوسْ ، وَكَانُوا بِمَدِينَةٍ
لِلرُّومِ اسْمُهَا
أَفْسُوسْ ، وَمَلِكَهُمْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَكَانُوا فَتِيَّةً آمَنُوا بِرَبِّهِمْ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) ، وَالرَّقِيمُ خَبَرُهُمْ كُتِبَ فِي لَوْحٍ ، وَجُعِلَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ الَّذِي أَوَوْا إِلَيْهِ ، وَقِيلَ : كَتَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ وَجَعَلَهُ فِي الْبِنَاءِ وَفِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَفِي أَيَّامِ مَنْ كَانُوا وَسَبَبُ وُصُولِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ .
وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ ، فِيمَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ، وَقَالَ : إِنَّا مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِينَ تَعْلَمُونَهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : كَانُوا ثَمَانِيَةً ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ تَاسِعُهُمْ كَلْبَهُمْ .
وَكَانُوا مِنَ
الرُّومِ ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ، فَهَدَاهُمُ اللَّهُ ، وَكَانَتْ شَرِيعَتُهُمْ شَرِيعَةَ
عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ
الْمَسِيحِ ، وَأَنَّ
الْمَسِيحَ أَعْلَمُ قَوْمِهِ بِهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ مِنْ رَقْدَتِهِمْ بَعْدَ رَفْعِ
الْمَسِيحِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
وَكَانَ سَبَبَ إِيمَانِهِمْ أَنَّهُ جَاءَ حَوَارِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ
عِيسَى إِلَى مَدِينَتِهِمْ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ عَلَى بَابِهَا صَنَمًا لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ حَتَّى يَسْجُدَ لَهُ ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا وَأَتَى حَمَّامًا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَعْمَلُ فِيهِ ، فَرَأَى صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْبَرَكَةَ وَعَلِقَهُ
[ ص: 326 ] الْفِتْيَةُ ، فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَخَبَرَ الْآخِرَةِ حَتَّى آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ . فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ ابْنُ الْمَلِكِ بِامْرَأَةٍ فَدَخَلَ بِهَا الْحَمَّامَ ، فَعَيَّرَهُ الْحِوَارِيُّ فَاسْتَحْيَا ، ثُمَّ رَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَيَّرَهُ فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَمَعَهُ الْمَرْأَةُ ، فَمَاتَا فِي الْحَمَّامِ ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ : إِنَّ الَّذِي بِالْحَمَّامِ قَتَلَهُمَا ، فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ ، فَقِيلَ : مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ ؟ فَذُكِرَ الْفِتْيَةُ ، فَطُلِبُوا فَهَرَبُوا ، فَمَرُّوا بِصَاحِبٍ لَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فِي زَرْعٍ لَهُ فَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُمْ . فَسَارَ مَعَهُمْ وَتَبِعَهُمُ الْكَلْبُ الَّذِي لَهُ ، حَتَّى آوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى الْكَهْفِ ، فَقَالُوا : نَبِيتُ هَهُنَا حَتَّى نُصْبِحَ ثُمَّ نَرَى رَأْيَنَا ، فَدَخَلُوهُ فَرَأَوْا عِنْدَهُ عَيْنَ مَاءٍ وَثِمَارًا ، فَأَكَلُوا مِنَ الثِّمَارِ وَشَرِبُوا مِنَ الْمَاءِ ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ وَوَكَّلَ بِهِمْ مَلَائِكَةً يُقَلِّبُونَهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ ، وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ عَلَيْهِمْ .
وَسَمِعَ الْمَلِكُ
دِقْيَانُوسْ خَبَرَهُمْ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَتْبَعُونَ أَثَرَهُمْ حَتَّى وَجَدَهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْكَهْفَ ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالدُّخُولِ إِلَيْهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ . فَكُلَّمَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَدْخُلَ فَأُرْعِبَ فَعَادَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَيْسَ لَوْ كُنْتَ ظَفِرْتَ بِهِمْ قَتَلْتَهُمْ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ وَدَعْهُمْ يَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا . فَفَعَلَ ، فَبَقُوا زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ .
ثُمَّ إِنَّ رَاعِيًا أَدْرَكَهُ الْمَطَرُ فَقَالَ : لَوْ فَتَحْتُ بَابَ هَذَا الْكَهْفِ فَأَدْخَلْتُ غَنَمِي فِيهِ ، فَفَتَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ مِنَ الْغَدِ حِينَ أَصْبَحُوا ، فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ بِوَرِقٍ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا ، وَاسْمُهُ
تَمْلِيخَا ، فَلَمَّا أَتَى بَابَ الْمَدِينَةِ رَأَى مَا أَنْكَرَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ : بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا . فَقَالَ : فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ ؟ قَالَ : خَرَجْتُ أَنَا وَأَصْحَابٌ لِي أَمْسِ ثُمَّ أَصْبَحُوا فَأَرْسَلُونِي . فَقَالَ : هَذِهِ الدَّرَاهِمُ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ الْمَلِكِ الْفُلَانِيِّ . فَرَفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ ، وَكَانَ مَلِكًا صَالِحًا ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَالَهُمْ . فَقَالَ الْمَلِكُ : أَيْنَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : انْطَلِقُوا مَعِي . فَانْطَلَقُوا مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا بَابَ الْكَهْفِ ، فَقَالَ : دَعُونِي أَدْخُلْ إِلَى أَصْحَابِي قَبْلَكُمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَيَخَافُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ
دِقْيَانُوسْ قَدْ عَلِمَ بِهِمْ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ ، فَسَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتَوَفَّاهُمْ ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ . فَضَرَبَ عَلَى أُذُنِهِ وَآذَانِهِمْ ، وَأَرَادَ الْمَلِكُ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ أُرْعِبَ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، فَعَادَ عَنْهُمْ ، فَبَنَوْا عَلَيْهِمْ كَنِيسَةً يُصَلُّونَ فِيهَا .
[ ص: 327 ] قَالَ
عِكْرِمَةُ : لَمَّا بَعَثَهُمُ اللَّهُ كَانَ الْمَلِكُ حِينَئِذٍ مُؤْمِنًا ، وَكَانَ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ فِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ وَبَعْثِهِمَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَبْعَثُ اللَّهُ الرُّوحَ دُونَ الْجَسَدِ . وَقَالَ قَائِلٌ : يُبْعَثَانِ جَمِيعًا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِكِ فَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْحَقَّ ، فَبَعَثَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْكَهْفِ بُكْرَةً ، فَلَمَّا بَزَغَتِ الشَّمْسُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : قَدْ غَفَلْنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَنِ الْعِبَادَةِ ، فَقَامُوا إِلَى الْمَاءِ ، وَكَانَ عِنْدَ الْكَهْفِ عَيْنٌ وَشَجَرَةٌ ، فَإِذَا الْعَيْنُ قَدْ غَارَتْ وَالْأَشْجَارُ قَدْ يَبِسَتْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ أَمْرَنَا لَعَجَبٌ ! هَذِهِ الْعَيْنُ غَارَتْ وَهَذِهِ الْأَشْجَارُ يَبِسَتْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ! وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجُوعَ ، فَقَالُوا أَيُّكُمْ يَذْهَبُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) .
فَدَخَلَ أَحَدُهُمْ يَشْتَرِي الطَّعَامَ ، فَلَمَّا رَأَى السُّوقَ عَرَفَ طُرُقَهَا وَأَنْكَرَ الْوُجُوهَ وَرَأَى الْإِيمَانَ ظَاهِرًا بِهَا ، فَأَتَى رَجُلًا يَشْتَرِي مِنْهُ ، فَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ ، فَرَفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ الْفَتَى : أَلَيْسَ مَلِكَكُمْ فُلَانٌ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : لَا بَلْ فُلَانٌ فَعَجِبَ لِذَلِكَ . فَلَمَّا أُحْضِرَ عِنْدَ الْمَلِكِ أَخْبَرَهُ بِخَبَرِ أَصْحَابِهِ ، فَجَمَعَ الْمَلِكُ النَّاسَ وَقَالَ لَهُمْ : إِنَّكُمْ قَدِ اخْتَلَفْتُمْ فِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ آيَةً هَذَا الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِ فُلَانٍ ، يَعْنِي الْمَلِكَ الَّذِي مَضَى . فَقَالَ الْفَتَى : انْطَلِقُوا بِي إِلَى أَصْحَابِي ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْكَهْفِ قَالَ الْفَتَى لِلْمَلِكِ : ذَرُونِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى أَصْحَابِي أُعَرِّفُهُمْ خَبَرَكُمْ لِئَلَّا يَخَافُوا إِذَا سَمِعُوا وَقْعَ حَوَافِّ دَوَابِّكُمْ وَأَصْوَاتَكُمْ فَيَظُنُّوكُمْ
دِقْيَانُوسْ . فَقَالَ : افْعَلْ ، فَسَبَقَهُمْ إِلَى أَصْحَابِهِ وَدَخَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ ، فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ مِقْدَارَ لَبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ وَبَكَوْا فَرَحًا وَدَعَوُا اللَّهَ أَنْ يُمِيتَهُمْ وَلَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَهُمْ ، فَمَاتُوا لِسَاعَتِهِمْ ، فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أُذُنِهِ وَآذَانِهِمْ مَعَهُ . فَلَمَّا اسْتَبْطَأُوهُ دَخَلُوا إِلَى الْفِتْيَةِ فَإِذَا أَجْسَادُهُمْ لَا يُنْكِرُونَ مِنْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهَا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا ، فَقَالَ الْمَلِكُ : هَذِهِ آيَةٌ لَكُمْ . وَرَأَى الْمَلِكُ تَابُوتًا مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومًا بِخَاتَمٍ ، فَفَتَحَهُ ، فَرَأَى فِيهِ لَوْحًا مِنْ رَصَاصٍ مَكْتُوبَا فِيهِ أَسْمَاءُ الْفِتْيَةِ ، وَأَنَّهُمْ هَرَبُوا مِنْ
دِقْيَانُوسْ الْمَلِكِ مَخَافَةً عَلَى نُفُوسِهِمْ وَدِينِهِمْ فَدَخَلُوا هَذَا الْكَهْفَ . فَلَمَّا عَلِمَ
دِقْيَانُوسْ بِمَكَانِهِمْ بِالْكَهْفِ سَدَّهُ عَلَيْهِمْ . فَلْيَعْلَمْ مَنْ يَقْرَأُ كِتَابَنَا هَذَا شَأْنَهُمْ .
فَلَمَّا قَرَأُوهُ عَجِبُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي أَرَاهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ لِلْبَعْثِ وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ .
[ ص: 328 ] وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلِكَ وَمَنْ مَعَهُ دَخَلُوا عَلَى الْفِتْيَةِ فَرَأَوْهُمْ أَحْيَاءً مُشْرِقَةً وُجُوهُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ لَمْ تُبْلَ ثِيَابُهُمْ ، وَأَخْبَرَهُمُ الْفِتْيَةُ بِمَا لَقُوا مِنْ مَلِكِهِمْ
دِقْيَانُوسْ ، وَاعْتَنَقَهُمُ الْمَلِكُ ، وَقَعَدُوا مَعَهُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَيَذْكُرُونَهُ . ثُمَّ قَالُوا لَهُ : نَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ . وَرَجَعُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ كَمَا كَانُوا ، فَعَمِلَ الْمَلِكُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَابُوتًا مِنَ الذَّهَبِ ، فَلَمَّا نَامَ رَآهُمْ فِي مَنَامِهِ وَقَالُوا : إِنَّنَا لَمْ نُخْلَقْ مِنَ الذَّهَبِ إِنَّمَا خُلِقْنَا مِنَ التُّرَابِ وَإِلَيْهِ نَصِيرُ ، فَعَمِلَ لَهُمْ حِينَئِذٍ تَوَابِيتَ مِنْ خَشَبٍ ، فَحَجَبَهُمُ اللَّهُ بِالرُّعْبِ ، وَبَنَى الْمَلِكُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ مَسْجِدًا وَجَعَلَ لَهُمْ عِيدًا عَظِيمًا .
وَأَسْمَاءُ الْفِتْيَةِ :
مَكْسِلْمِينْيَا وَيَمْلِيخَا وَمَرْطُوسْ وَنِيرُوِيسْ وَكَسْطُومَسْ وَدَيْنَمُوسْ وَرِيطُوفَسْ وَقَالُوسْ وَمَخْسِيلْمِينْيَا ، وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ ، وَهِيَ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَكَلْبُهُمْ قِطْمِيرُ .