الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلافة المطيع لله

لما ولي المستكفي بالله الخلافة ، خافه المطيع ، وهو أبو القاسم الفضل بن المقتدر ; لأنه كان بينهما منازعة ، وكان كل منهما يطلب الخلافة ، وهو يسعى فيها ، فلما ولي المستكفي ( خافه واستتر منه ، فطلبه المستكفي ) أشد الطلب ، فلم يظفر به ، فلما قدم معز الدولة بغداذ ، قيل : إن المطيع انتقل إليه ، واستتر عنده ، وأغراه بالمستكفي حتى قبض عليه وسمله ، فلما قبض المستكفي ، بويع للمطيع لله بالخلافة يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة ، ولقب المطيع لله ، وأحضر المستكفي عنده ، فسلم عليه بالخلافة ، وأشهد على نفسه بالخلع .

[ ص: 160 ] وازداد أمر الخلافة إدبارا ، ولم يبق لهم من الأمر شيء البتة ، وقد كانوا يراجعون ويؤخذ أمرهم فيما يفعل ، والحرمة قائمة بعض الشيء ، فلما كان أيام معز الدولة ، زال ذلك جميعه ، بحيث أن الخليفة لم يبق له وزير ، إنما كان له كاتب يدبر أقطاعه وإخراجاته لا غير ، وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من يريد .

وكان من أعظم الأسباب في ذلك أن الديلم كانوا يتشيعون ، ويغالون في التشيع ، ويعتقدون أن العباسيين قد غصبوا الخلافة وأخذوها من مستحقيها ، فلم يكن ( عندهم ) باعث ديني يحثهم على الطاعة ، حتى لقد بلغني أن معز الدولة استشار جماعة من خواص أصحابه في إخراج الخلافة من العباسيين والبيعة للمعز لدين الله العلوي ، أو لغيره من العلويين ، فكلهم أشار عليه بذلك ما عدا بعض خواصه ، فإنه قال : ليس هذا برأي فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة ، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه ( مستحلين دمه ) ، ومتى أجلست بعض العلويين خليفة ، كان معك من يعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته ، فلو أمرهم بقتلك لفعلوه ، فأعرض عن ذلك ، فهذا كان من أعظم الأسباب في زوال أمرهم ونهبهم مع حب الدنيا وطلب التفرد بها .

وتسلم معز الدولة العراق بأسره ، ولم يبق بيد الخليفة منه شيء البتة ، إلا ما أقطعه معز الدولة مما يقوم ببعض حاجته .

التالي السابق


الخدمات العلمية