ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29253_32626ملك كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور بن يزدجرد الأثيم
[ ص: 395 ] لما لبس التاج خطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ما ابتلوا به من فساد أمورهم ودينهم وأولادهم ، وأعلمهم أنه يصلح ذلك ، ثم أمر برءوس
المزدكية فقتلوا وقسمت أموالهم في أهل الحاجة .
وكان سبب قتلهم أن
قباذ كان ، كما ذكرنا ، قد اتبع
مزدك على دينه وما دعاه إليه ، وأطاعه في كل ما يأمره به من الزندقة وغيرها مما ذكرنا أيام
قباذ ، وكان
المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملا على
الحيرة ونواحيها ، فدعاه
قباذ إلى ذلك ، فأبى ، فدعا
الحارث بن عمرو الكندي ، فأجابه ، فسدد له ملكه وطرد
المنذر عن مملكته ، وكانت
أم أنوشروان يوما بين يدي
قباذ ، فدخل عليه
مزدك . فلما رأى
أم أنوشروان قال
لقباذ : ادفعها إلي لأقضي حاجتي منها . فقال دونكها . فوثب إليه
أنوشروان ، ولم يزل يسأله ويتضرع إليه أن يهب له أمه حتى قبل رجله ، فتركها فحاك ذلك في نفسه .
فهلك
قباذ على تلك الحال وملك
أنوشروان ، فجلس للملك ، ولما بلغ
المنذر هلاك
قباذ أقبل إلى
أنوشروان ، وقد علم خلافه على أبيه في مذهبه واتباع
مزدك ، فإن
أنوشروان كان منكرا لهذا المذهب كارها له ، ثم إن
أنوشروان أذن للناس إذنا عاما ، ودخل عليه
مزدك ، ثم دخل عليه
المنذر ، فقال
أنوشروان : إني كنت تمنيت أمنيتين ، أرجو أن يكون الله - عز وجل - قد جمعها إلي . فقال
مزدك : وما هما أيها الملك ؟ .
[ ص: 396 ] قال : تمنيت أن أملك وأستعمل هذا الرجل الشريف ، يعني
المنذر ، وأن أقتل هذه الزنادقة . فقال
مزدك : أوتستطيع أن تقتل الناس كلهم ؟ فقال : وإنك هاهنا يا ابن الزانية ! والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبلت رجلك إلى يومي هذا . وأمر به فقتل وصلب . وقتل منهم ما بين
جازر إلى
النهروان وإلى
المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم ، وسمي يومئذ
أنوشروان .
وطلب
أنوشروان الحارث بن عمرو ، فبلغه ذلك وهو
بالأنبار ، فخرج هاربا في صحابته وماله وولده ، فمر
بالثوية ، فتبعه
المنذر بالخيل من
تغلب وإياد وبهراء ، فلحق
بأرض كلب ونجا وانتهبوا ماله وهجائنه ، وأخذت
بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسا من
بني آكل المرار فقدموا بهم على
المنذر ، فضرب رقابهم
بجفر الأملاك في ديار
بني مرين العباديين بين
دير بني هند والكوفة ، فذلك قول
عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
.
وفيهم يقول
امرؤ القيس : ملوك من
بني حجر بن عمرو يساقون العشية يقتلونا
.
فلو في يوم معركة أصيبوا ولكن في ديار بني مرينا
ولم تغسل جماجمهم بغسل ولكن في الدماء مرملينا
تظل الطير عاكفة عليهم وتنتزع الحواجب والعيونا
[ ص: 397 ] ولما قتل
أنوشروان مزدك وأصحابه ، أمر بقتل جماعة ممن دخل على الناس في أموالهم ، ورد الأموال إلى أهلها ، وأمر بكل مولود اختلفوا فيه أن يلحق بمن هو منهم إذا لم يعرف أبوه ، وأن يعطى نصيبا من ملك الرجل الذي يسند إليه إذا قبله الرجل ، وبكل امرأة غلبت على نفسها أن يؤخذ مهرها من الغالب ، ثم تخير المرأة بين الإقامة عنده وبين فراقه إلا أن يكون لها زوج فترد إليه .
وأمر بعيال ذوي الأحساب الذين مات قيمهم فأنكح بناتهم الأكفاء ، وجهزهن من بيت المال ، وأنكح نساءهم من الأشراف ، واستعان بأبنائهم في أعماله ، وعمر الجسور والقناطر ، وأصلح الخراب ، وتفقد الأساورة وأعطاهم ، وبنى في الطرق القصور والحصون ، وتخير الولاة والعمال والحكام ، واقتدى بسيرة
أردشير ، وارتجع بلادا كانت مملكة
الفرس ، منها :
السند وسندوست والرخج وزابلستان وطخارستان ، وأعظم القتل في
البازر وأجلى بقيتهم عن بلاده .
واجتمع
أبخز وبنجر وبلنجر واللان على قصد بلاده ، فقصدوا
أرمينية للغارة على أهلها ، وكان الطريق سهلا ، فأمهلهم
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى حتى توغلوا في البلاد وأرسل إليهم جنودا ، فقاتلوهم فأهلكوهم ما خلا عشرة آلاف رجل أسروا فأسكنوا
أذربيجان .
وكان
لكسرى أنوشروان ولد هو أكبر أولاده اسمه أنوشزاد ، فبلغه عنه أنه زنديق ، فسيره إلى
جنديسابور وجعل معه جماعة يثق بدينهم ليصلحوا دينه وأدبه . فبينما هم عنده إذ بلغه خبر مرض والده لما دخل بلاد
الروم ، فوثب بمن عنده فقتلهم وأخرج أهل السجون فاستعان بهم وجمع عنده جموعا من الأشرار ، فأرسل إليهم نائب أبيه
بالمدائن عسكرا ، فحصروه
بجنديسابور ، وأرسل الخبر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ، فكتب إليه يأمره بالجد في أمره وأخذه أسيرا ، فاشتد الحصار حينئذ عليه ودخل العساكر المدينة عنوة فقتلوا بها خلقا كثيرا وأسروا
أنوشزاد ، فبلغه خبر جده لأمه
الداور الرازي ، فوثب بعامل
سجستان [ ص: 398 ] وقاتله ، فهزمه العامل ، فالتجأ إلى مدينة
الرخج وامتنع بها ، ثم كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى يعتذر ويسأله أن ينفذ إليه من يسلم له البلد ، ففعل وآمنه .
وكان الملك
فيروز قد بنى بناحية
صول واللان بناء يحصن به بلاده ، وبنى عليه ابنه
قباذ زيادة ، فلما ملك
كسرى أنوشروان بنى في ناحية
صول وجرجان بناء كثيرا وحصونا حصن بها بلاده جميعها .
وإن
سيجيور خاقان قصد بلاده ، وكان أعظم الترك ، واستمال
الخزر وأبخز وبلنجر ، فأطاعوه ، فأقبل في عدد كثير وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى يطلب منه الإتاوة ويتهدده إن لم يفعل ، فلم يجبه
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى إلى شيء مما طلب لتحصينه بلاده ، وإن ثغر
أرمينية قد حصنه ، فصار يكتفي بالعدد اليسير ، فقصده
خاقان فلم يقدر على شيء منه ، وعاد خائبا ، وهذا
خاقان هو الذي قتل ورد ملك
الهياطلة وأخذ كثيرا من بلادهم .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29253_32626مُلْكِ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ بْنِ قُبَاذَ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ بْنِ بَهْرَامَ جَوْرَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ الْأَثِيمِ
[ ص: 395 ] لَمَّا لَبِسَ التَّاجَ خَطَبَ النَّاسَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ مَا ابْتُلُوا بِهِ مِنْ فَسَادِ أُمُورِهِمْ وَدِينِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يُصْلِحُ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِرُءُوسِ
الْمَزْدَكِيَّةِ فَقُتِلُوا وَقُسِّمَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ .
وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِمْ أَنَّ
قُبَاذَ كَانَ ، كَمَا ذَكَرْنَا ، قَدِ اتَّبَعَ
مَزْدَكَ عَلَى دِينِهِ وَمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ ، وَأَطَاعَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَا أَيَّامَ
قُبَاذَ ، وَكَانَ
الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ يَوْمَئِذٍ عَامِلًا عَلَى
الْحِيرَةِ وَنَوَاحِيهَا ، فَدَعَاهُ
قُبَاذُ إِلَى ذَلِكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا
الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ ، فَأَجَابَهُ ، فَسَدَّدَ لَهُ مُلْكَهُ وَطَرَدَ
الْمُنْذِرَ عَنْ مَمْلَكَتِهِ ، وَكَانَتْ
أُمُّ أَنُوشِرْوَانَ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ
قُبَاذَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
مَزْدَكُ . فَلَمَّا رَأَى
أُمَّ أَنُوشِرْوَانَ قَالَ
لِقُبَاذَ : ادْفَعْهَا إِلَيَّ لِأَقْضِيَ حَاجَتِي مِنْهَا . فَقَالَ دُونَكَهَا . فَوَثَبَ إِلَيْهِ
أَنُوشِرْوَانُ ، وَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ أُمَّهُ حَتَّى قَبَّلَ رِجْلَهُ ، فَتَرَكَهَا فَحَاكَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ .
فَهَلَكَ
قُبَاذُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَمَلَكَ
أَنُوشِرْوَانُ ، فَجَلَسَ لِلْمُلْكِ ، وَلَمَّا بَلَغَ
الْمُنْذِرَ هَلَاكُ
قُبَاذَ أَقْبَلَ إِلَى
أَنُوشِرْوَانَ ، وَقَدْ عَلِمَ خِلَافَهُ عَلَى أَبِيهِ فِي مَذْهَبِهِ وَاتِّبَاعِ
مَزْدَكَ ، فَإِنَّ
أَنُوشِرْوَانَ كَانَ مُنْكِرًا لِهَذَا الْمَذْهَبِ كَارِهًا لَهُ ، ثُمَّ إِنَّ
أَنُوشِرْوَانَ أَذِنَ لِلنَّاسِ إِذْنًا عَامًّا ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ
مَزْدَكُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ
الْمُنْذِرُ ، فَقَالَ
أَنُوشِرْوَانُ : إِنِّي كُنْتُ تَمَنَّيْتُ أُمْنِيَتَيْنِ ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ جَمَعَهَا إِلَيَّ . فَقَالَ
مَزْدَكُ : وَمَا هُمَا أَيُّهَا الْمَلِكُ ؟ .
[ ص: 396 ] قَالَ : تَمَنَّيْتُ أَنْ أَمْلِكَ وَأَسْتَعْمِلَ هَذَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ ، يَعْنِي
الْمُنْذِرَ ، وَأَنْ أَقْتُلَ هَذِهِ الزَّنَادِقَةَ . فَقَالَ
مَزْدَكُ : أَوَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَقْتُلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ؟ فَقَالَ : وَإِنَّكَ هَاهُنَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ! وَاللَّهِ مَا ذَهَبَ نَتَنُ رِيحِ جَوْرَبِكَ مِنْ أَنْفِي مُنْذُ قَبَّلْتُ رِجْلَكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا . وَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ وَصُلِبَ . وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَا بَيْنَ
جَازِرَ إِلَى
النَّهْرَوَانِ وَإِلَى
الْمَدَائِنِ فِي ضَحْوَةٍ وَاحِدَةٍ مِائَةَ أَلْفِ زِنْدِيقٍ وَصَلَبَهُمْ ، وَسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ
أَنُوشِرْوَانُ .
وَطَلَبَ
أَنُوشِرْوَانُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَهُوَ
بِالْأَنْبَارِ ، فَخَرَجَ هَارِبًا فِي صَحَابَتِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ، فَمَرَّ
بِالثَّوِيَّةِ ، فَتَبِعَهُ
الْمُنْذِرُ بِالْخَيْلِ مِنْ
تَغْلِبَ وَإِيَادَ وَبَهْرَاءَ ، فَلَحِقَ
بِأَرْضِ كَلْبٍ وَنَجَا وَانْتَهَبُوا مَالَهُ وَهَجَائِنَهُ ، وَأَخَذَتْ
بَنُو تَغْلِبَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ نَفْسًا مِنْ
بَنِي آكِلِ الْمُرَارِ فَقَدِمُوا بِهِمْ عَلَى
الْمُنْذِرِ ، فَضَرَبَ رِقَابَهُمْ
بِجَفْرِ الْأَمْلَاكِ فِي دِيَارِ
بَنِي مَرِينَ الْعَبَّادِيِّينَ بَيْنَ
دَيْرِ بَنِي هِنْدٍ وَالْكُوفَةِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ
عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ :
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا
.
وَفِيهِمْ يَقُولُ
امْرُؤُ الْقَيْسِ : مُلُوكٌ مِنْ
بَنِي حُجْرِ بْنِ عَمْرٍو يُسَاقُونَ الْعَشِيَّةَ يَقْتُلُونَا
.
فَلَوْ فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا وَلَكِنْ فِي دِيَارِ بَنِي مَرِينَا
وَلَمْ تُغْسَلْ جَمَاجِمُهُمْ بِغُسْلٍ وَلَكِنْ فِي الدِّمَاءِ مُرَمَّلِينَا
تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ وَتَنْتَزِعُ الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
[ ص: 397 ] وَلَمَّا قَتَلَ
أَنُوشِرْوَانُ مَزْدَكَ وَأَصْحَابَهُ ، أَمَرَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَرَدَّ الْأَمْوَالَ إِلَى أَهْلِهَا ، وَأَمَرَ بِكُلِّ مَوْلُودٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنْ يَلْحَقَ بِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ أَبُوهُ ، وَأَنْ يُعْطَى نَصِيبًا مِنْ مِلْكِ الرَّجُلِ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ إِذَا قَبِلَهُ الرَّجُلُ ، وَبِكُلِّ امْرَأَةٍ غُلِبَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنْ يُؤْخَذَ مَهْرُهَا مِنَ الْغَالِبِ ، ثُمَّ تُخَيَّرَ الْمَرْأَةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَبَيْنَ فِرَاقِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ فَتُرَدَّ إِلَيْهِ .
وَأَمَرَ بِعِيَالِ ذَوِي الْأَحْسَابِ الَّذِينَ مَاتَ قَيِّمُهُمْ فَأَنْكَحَ بَنَاتِهِمُ الْأَكْفَاءَ ، وَجَهَّزَهُنَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَأَنْكَحَ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَشْرَافِ ، وَاسْتَعَانَ بِأَبْنَائِهِمْ فِي أَعْمَالِهِ ، وَعَمَّرَ الْجُسُورَ وَالْقَنَاطِرَ ، وَأَصْلَحَ الْخَرَابَ ، وَتَفَقَّدَ الْأَسَاوِرَةَ وَأَعْطَاهُمْ ، وَبَنَى فِي الطُّرُقِ الْقُصُورَ وَالْحُصُونَ ، وَتَخَيَّرَ الْوُلَاةَ وَالْعُمَّالَ وَالْحُكَّامَ ، وَاقْتَدَى بِسِيرَةِ
أَرْدَشِيرَ ، وَارْتَجَعَ بِلَادًا كَانَتْ مَمْلَكَةَ
الْفُرْسِ ، مِنْهَا :
السِّنْدُ وَسِنْدُوسِتْ وَالرُّخَّجُ وَزَابُلِسْتَانُ وَطَخَارِسْتَانُ ، وَأَعْظَمَ الْقَتْلَ فِي
الْبَازِرِ وَأَجْلَى بَقِيَّتَهُمْ عَنْ بِلَادِهِ .
وَاجْتَمَعَ
أَبْخَزُ وَبَنْجَرُ وَبَلَنْجَرُ وَاللَّانُ عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِ ، فَقَصَدُوا
أَرْمِينِيَّةَ لِلْغَارَةِ عَلَى أَهْلِهَا ، وَكَانَ الطَّرِيقُ سَهْلًا ، فَأَمْهَلَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى حَتَّى تَوَغَّلُوا فِي الْبِلَادِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جُنُودًا ، فَقَاتَلُوهُمْ فَأَهْلَكُوهُمْ مَا خَلَا عَشَرَةَ آلَافِ رَجُلٍ أُسِرُوا فَأُسْكِنُوا
أَذْرَبِيجَانَ .
وَكَانَ
لِكِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ وَلَدٌ هُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ اسْمُهُ أَنُوشَزَادَ ، فَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، فَسَيَّرَهُ إِلَى
جُنْدَيْسَابُورَ وَجَعَلَ مَعَهُ جَمَاعَةً يَثِقُ بِدِينِهِمْ لِيُصْلِحُوا دِينَهُ وَأَدَبَهُ . فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُ إِذْ بَلَغَهُ خَبَرُ مَرَضِ وَالِدِهِ لَمَّا دَخَلَ بِلَادَ
الرُّومِ ، فَوَثَبَ بِمَنْ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُمْ وَأَخْرَجَ أَهْلَ السُّجُونِ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ وَجَمَعَ عِنْدَهُ جُمُوعًا مِنَ الْأَشْرَارِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نَائِبَ أَبِيهِ
بِالْمَدَائِنِ عَسْكَرًا ، فَحَصَرُوهُ
بِجُنْدَيْسَابُورَ ، وَأَرْسَلَ الْخَبَرَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْجِدِّ فِي أَمْرِهِ وَأَخْذِهِ أَسِيرًا ، فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ وَدَخَلَ الْعَسَاكِرُ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً فَقَتَلُوا بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرُوا
أَنُوشَزَادَ ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ
الدَّاوُرِ الرَّازِيِّ ، فَوَثَبَ بِعَامِلِ
سِجِسْتَانَ [ ص: 398 ] وَقَاتَلَهُ ، فَهَزَمَهُ الْعَامِلُ ، فَالْتَجَأَ إِلَى مَدِينَةِ
الرُّخَّجِ وَامْتَنَعَ بِهَا ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى يَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُنْفِذَ إِلَيْهِ مَنْ يُسَلِّمُ لَهُ الْبَلَدَ ، فَفَعَلَ وَآمَنُهُ .
وَكَانَ الْمَلِكُ
فَيْرُوزُ قَدْ بَنَى بِنَاحِيَةِ
صُولٍ وَاللَّانِ بِنَاءً يُحَصِّنُ بِهِ بِلَادَهُ ، وَبَنَى عَلَيْهِ ابْنُهُ
قُبَاذُ زِيَادَةً ، فَلَمَّا مَلَكَ
كِسْرَى أَنُوشِرْوَانُ بَنَى فِي نَاحِيَةِ
صُولٍ وَجُرْجَانَ بِنَاءً كَثِيرًا وَحُصُونًا حَصَّنَ بِهَا بِلَادَهُ جَمِيعَهَا .
وَإِنَّ
سَيْجَيُورْ خَاقَانَ قَصَدَ بِلَادَهُ ، وَكَانَ أَعْظَمَ التُّرْكِ ، وَاسْتَمَالَ
الْخَزَرَ وَأَبْخَزَ وَبَلَنْجَرَ ، فَأَطَاعُوهُ ، فَأَقْبَلَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَكَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِتَاوَةَ وَيَتَهَدَّدُهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَلَمْ يُجِبْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى إِلَى شَيْءٍ مِمَّا طَلَبَ لِتَحْصِينِهِ بِلَادَهُ ، وَإِنَّ ثَغْرَ
أَرْمِينِيَّةَ قَدْ حَصَّنَهُ ، فَصَارَ يَكْتَفِي بِالْعَدَدِ الْيَسِيرِ ، فَقَصَدَهُ
خَاقَانُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ ، وَعَادَ خَائِبًا ، وَهَذَا
خَاقَانُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ وِرْدَ مَلِكِ
الْهَيَاطِلَةِ وَأَخَذَ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِمْ .