[ ص: 367 ] 618
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وستمائة
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33880وفاة قتادة أمير مكة وملك ابنه الحسن وقتل أمير الحاج
في هذه السنة ، في جمادى الآخرة ، توفي
nindex.php?page=showalam&ids=16816قتادة بن إدريس العلوي ، ثم الحسني ، أمير
مكة ، حرسها الله ، بها ، وكان عمره نحو تسعين سنة ، وكانت ولايته قد اتسعت من حدود
اليمن إلى
مدينة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وله
قلعة ينبع بنواحي
المدينة ، وكثر عسكره ، واستكثر من المماليك ، وخافه العرب في تلك البلاد خوفا عظيما .
وكان ، في أول ملكه ، لما ملك
مكة ، حرسها الله ، حسن السيرة أزال عنها العبيد المفسدين ، وحمى البلاد ، وأحسن إلى الحجاج ، وأكرمهم ، وبقي كذلك مدة ، ثم إنه بعد ذلك أساء السيرة ، وجدد المكوس
بمكة ، وفعل أفعالا شنيعة ، ونهب الحاج في بعض السنين كما ذكرناه .
ولما مات ملك بعده ابنه
الحسن ، وكان له ابن آخر اسمه
راجح ، مقيم في العرب بظاهر
مكة ، يفسد ، وينازع أخاه في ملك
مكة ، فلما سار حاج
العراق كان الأمير عليهم مملوكا من مماليك
nindex.php?page=showalam&ids=15384الخليفة الناصر لدين الله اسمه
أقباش ، وكان حسن السيرة مع الحاج في الطريق ، كثير الحماية ، فقصده
راجح بن قتادة ، وبذل له وللخليفة مالا ليساعده على ملك
مكة ، فأجابه إلى ذلك ووصلوا إلى
مكة ، ونزلوا
[ ص: 368 ] بالزاهر ، وتقدم إلى
مكة مقاتلا لصاحبها
حسن .
وكان
حسن قد جمع جموعا كثيرة من العرب وغيرها ، فخرج إليه من
مكة وقاتله ، وتقدم أمير الحاج من بين يدي عسكره منفردا ، وصعد الجبل إدلالا بنفسه ، وأنه لا يقدم أحد عليه ، فأحاط به أصحاب
حسن ، وقتلوه ، وعلقوا رأسه ، فانهزم عسكر أمير المؤمنين ، وأحاط أصحاب
حسن بالحاج لينهبوهم ، فأرسل إليهم
حسن عمامته أمانا للحجاج ، فعاد أصحابه ولم ينهبوا منهم شيئا ، وسكن الناس ، وأذن لهم
حسن في دخول
مكة وفعل ما يريدونه من الحج والبيع وغير ذلك ، وأقاموا
بمكة عشرة أيام ، وعادوا ، فوصلوا إلى
العراق سالمين ، وعظم الأمر على الخليفة ، فوصلت رسل حسن يعتذرون ، ويطلبون العفو عنه ، فأجيب إلى ذلك .
وقيل في موت
قتادة : إن ابنه
حسنا خنقه فمات ، وسبب ذلك أن
قتادة جمع جموعا كثيرة وسار عن
مكة يريد
المدينة ، فنزل بوادي الفرع وهو مريض ، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه
الحسن بن قتادة ، فلما أبعدوا بلغ
الحسن أن عمه قال لبعض الجند : إن أخي مريض ، وهو ميت لا محالة وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة ، فحضر
الحسن عند عمه ، واجتمع إليه كثير من الأجناد والمماليك الذين لأبيه ، فقال
الحسن لعمه : قد فعلت كذا وكذا فقال : لم أفعل فأمر
حسن الحاضرين بقتله ، فلم يفعلوا ، وقالوا : أنت أمير وهذا أمير ، ولا نمد أيدينا إلى أحدكما . فقال له غلامان لقتادة : نحن عبيدك ، فمرنا بما شئت فأمرهما أن يجعلا عمامة عمه في عنقه ، ففعلا ، ثم قتله .
فسمع
قتادة الخبر ، فبلغ منه الغيظ كل مبلغ ، وحلف ليقتلن ابنه ، وكان على ما ذكرناه من المرض ، فكتب بعض أصحابه إلى
الحسن يعرفه الحال ، ويقول له : ابدأ به قبل أن يقتلك فعاد
الحسن إلى
مكة ، فلما وصلها قصد دار أبيه في نفر يسير ، فوجد على باب الدار جمعا كثيرا ، فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ، ففارقوا الدار ،
[ ص: 369 ] وعادوا إلى مساكنهم ، ودخل
الحسن إلى أبيه ، فلما رآه أبوه شتمه ، وبالغ في ذمه وتهديده ، فوثب إليه
الحسن فخنقه لوقته ، وخرج إلى
الحرم الشريف ، وأحضر
الأشراف ، وقال : إن أبي قد اشتد مرضه ، وقد أمركم أن تحلفوا لي أن أكون أنا أميركم . فحلفوا له ثم إنه أظهر تابوتا ودفنه ليظن الناس أنه مات ، وكان قد دفنه سرا .
فلما استقرت الإمارة
بمكة له أرسل إلى أخيه الذي
بقلعة الينبع على لسان أبيه يستدعيه ، وكتم موت أبيه عنه ، فلما حضر أخوه قتله أيضا ، واستقر أمره ، وثبت قدمه ، وفعل بأمير الحاج ما تقدم ذكره ، فارتكب عظيما : قتل أباه وعمه وأخاه في أيام يسيرة ، لا جرم لم يمهله الله ، سبحانه وتعالى ، نزع ملكه ، وجعله طريدا شريدا خائفا يترقب .
وقيل إن
قتادة كان يقول شعرا ، فمن ذلك أنه طلب ليحضر عند أمير الحاج ، كما جرت عادة أمراء
مكة ، فامتنع ، فعوتب من
بغداد ، فأجاب بأبيات شعر منها :
ولي كف ضرغام أدل ببطشها وأشري بها بين الورى وأبيع تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفي وسطها للمجدين ربيع أأجعلها تحت الرحا ثم أبتغي
خلاصا لها ؟ إني إذا لرقيع ! وما أنا إلا المسك في كل بلدة
يضوع ، وأما عندكم فيضيع
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة
nindex.php?page=treesubj&link=33882استعاد المسلمون مدينة دمياط بالديار المصرية من الفرنج ، وقد تقدم ذكرها مشروحا مفصلا .
[ ص: 370 ] وفيها ، في صفر ، ملك
التتر مراغة وخربوها وأحرقوها وقتلوا أكثر أهلها ، ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم .
وسار
التتر منها إلى
همذان ، وحاصروه ، فقاتلهم أهلها وظفر بها
التتر ، وقتلوا منهم ما لا يحصى ، ونهبوا البلد .
وساروا إلى
أذربيجان ، فأعادوا النهب ، ونهبوا ما بقي من البلاد ، ولم ينهبوه أولا .
ووصلوا إلى
بيلقان ، من بلاد
أران ، فحصروها وملكوها وقتلوا أهلها حتى كادوا يفنونهم ، ونهبوا أموالهم ، وساروا إلى
بلاد الكرج من
أذربيجان وأران ، ولقيهم خلق كثير من
الكرج ، فقاتلوهم فانهزم
الكرج ، وكثر القتل فيهم ، ونهب أكثر بلادهم وقتل أهلها ، وساروا من هناك إلى
دربند شروان ، وحصروا مدينة
شماخي ، وملوكها ، وقتلوا كثيرا من أهلها .
وساروا إلى بلد
اللان واللكز ومن عندهم من الأمم ، فأوقعوا ، ورحلوا عن قفجاق ، وأجلوهم عنها ، واستولوا عليها ، وساحوا في تلك الأرض حتى وصلوا إلى بلاد
الروس ، وقد تقدم ذكر جميعه مستقصى ، وإنما أوردناه هاهنا جملة ليعلم الذي كان في هذه السنة من حوادثهم .
[
nindex.php?page=treesubj&link=34064الوفيات ]
وفيها توفي صديقنا
أمين الدين ياقوت الكاتب الموصلي ، ولم يكن في زمانه من يكتب ما يقاربه ، ولا من يؤدي طريقة
ابن البواب مثله ; وكان ذا فضائل جمة من علم الأدب وغيره ، وكان كثير الخير ، نعم الرجل ، مشهورا في الدنيا ، والناس متفقون على الثناء الجميل عليه والمدح له ، ولهم فيه أقوال كثيرة نظما ونثرا ، فمن ذلك ما قاله
نجيب الدين الحسين بن علي الواسطي من قصيدة يمدحه بها :
جامع شارد العلوم ولولا ه لكانت أم الفضائل ثكلى
ذو يراع تخاف سطوته الأس د وتعنو له الكتائب ذلا
[ ص: 371 ] وإذا افتر ثغره عن سواد في بياض فالبيض والسمر خجلى
أنت بدر والكاتب ابن هلال كأبيه لا فخر فيمن تولى
ومنها :
إن يكن أولا ، فإنك بالتف ضيل أولى ، لقد سبقت وصلى
وهي طويلة ، والكاتب
ابن هلال هو ابن البواب الذي هو أشهر من أن يعرف .
وفيها توفي
جلال الدين الحسن ، وهو من أولاد
nindex.php?page=showalam&ids=14106الحسن بن الصباح ، الذي تقدم ذكره ، صاحب
ألموت وكردكوه ، وهو مقدم
الإسماعيلية ، وقد ذكرنا أنه كان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان والصلاة ، وولي بعد ابنه
علاء الدين محمد .
[ ص: 367 ] 618
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33880وَفَاةِ قَتَادَةَ أَمِيرِ مَكَّةَ وَمُلْكِ ابْنِهِ الْحَسَنِ وَقَتْلِ أَمِيرِ الْحَاجِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ ، تُوُفِّيَ
nindex.php?page=showalam&ids=16816قَتَادَةُ بْنُ إِدْرِيسَ الْعَلَوِيُّ ، ثُمَّ الْحَسَنِيُّ ، أَمِيرُ
مَكَّةَ ، حَرَسَهَا اللَّهُ ، بِهَا ، وَكَانَ عُمُرُهُ نَحْوَ تِسْعِينَ سَنَةً ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَدِ اتَّسَعَتْ مِنْ حُدُودِ
الْيَمَنِ إِلَى
مَدِينَةِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَهُ
قَلْعَةُ يَنْبُعَ بِنَوَاحِي
الْمَدِينَةِ ، وَكَثُرَ عَسْكَرُهُ ، وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْمَمَالِيكِ ، وَخَافَهُ الْعَرَبُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ خَوْفًا عَظِيمًا .
وَكَانَ ، فِي أَوَّلِ مُلْكِهِ ، لَمَّا مَلَكَ
مَكَّةَ ، حَرَسَهَا اللَّهُ ، حَسَنَ السِّيرَةِ أَزَالَ عَنْهَا الْعَبِيدَ الْمُفْسِدِينَ ، وَحَمَى الْبِلَادَ ، وَأَحْسَنَ إِلَى الْحُجَّاجِ ، وَأَكْرَمَهُمْ ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ مُدَّةً ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَسَاءَ السِّيرَةَ ، وَجَدَّدَ الْمُكُوسَ
بِمَكَّةَ ، وَفَعَلَ أَفْعَالًا شَنِيعَةً ، وَنَهْبَ الْحَاجَّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَلَمَّا مَاتَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ
الْحَسَنُ ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ آخَرُ اسْمُهُ
رَاجِحٌ ، مُقِيمٌ فِي الْعَرَبِ بِظَاهِرِ
مَكَّةَ ، يُفْسِدُ ، وَيُنَازِعُ أَخَاهُ فِي مُلْكِ
مَكَّةَ ، فَلَمَّا سَارَ حَاجُّ
الْعِرَاقِ كَانَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ مَمْلُوكًا مِنْ مَمَالِيكِ
nindex.php?page=showalam&ids=15384الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ اسْمُهُ
أَقْبَاشُ ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ مَعَ الْحَاجِّ فِي الطَّرِيقِ ، كَثِيرَ الْحِمَايَةِ ، فَقَصَدَهُ
رَاجِحُ بْنُ قَتَادَةَ ، وَبَذَلَ لَهُ وَلِلْخَلِيفَةِ مَالًا لِيُسَاعِدَهُ عَلَى مُلْكِ
مَكَّةَ ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَوَصَلُوا إِلَى
مَكَّةَ ، وَنَزَلُوا
[ ص: 368 ] بِالزَّاهِرِ ، وَتَقَدَّمَ إِلَى
مَكَّةَ مُقَاتِلًا لِصَاحِبِهَا
حَسَنٍ .
وَكَانَ
حَسَنٌ قَدْ جَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ
مَكَّةَ وَقَاتَلَهُ ، وَتَقَدَّمَ أَمِيرُ الْحَاجِّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ عَسْكَرِهِ مُنْفَرِدًا ، وَصَعِدَ الْجَبَلَ إِدْلَالًا بِنَفْسِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدَمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ ، فَأَحَاطَ بِهِ أَصْحَابُ
حَسَنٍ ، وَقَتَلُوهُ ، وَعَلَّقُوا رَأْسَهُ ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَحَاطَ أَصْحَابُ
حَسَنٍ بِالْحَاجِّ لِيَنْهَبُوهُمْ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
حَسَنٌ عِمَامَتَهُ أَمَانًا لِلْحُجَّاجِ ، فَعَادَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَنْهَبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا ، وَسَكَنَ النَّاسُ ، وَأَذِنَ لَهُمْ
حَسَنٌ فِي دُخُولِ
مَكَّةَ وَفِعْلِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَأَقَامُوا
بِمَكَّةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، وَعَادُوا ، فَوَصَلُوا إِلَى
الْعِرَاقِ سَالِمِينَ ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، فَوَصَلَتْ رُسُلُ حَسَنٍ يَعْتَذِرُونَ ، وَيَطْلُبُونَ الْعَفْوَ عَنْهُ ، فَأُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ .
وَقِيلَ فِي مَوْتِ
قَتَادَةَ : إِنَّ ابْنَهُ
حَسَنًا خَنَقَهُ فَمَاتَ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
قَتَادَةَ جَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَسَارَ عَنْ
مَكَّةَ يُرِيدُ
الْمَدِينَةَ ، فَنَزَلَ بِوَادِي الْفُرْعِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، وَسَيَّرَ أَخَاهُ عَلَى الْجَيْشِ وَمَعَهُ ابْنَهُ
الْحَسَنَ بْنَ قَتَادَةَ ، فَلَمَّا أَبْعَدُوا بَلَغَ
الْحَسَنَ أَنَّ عَمَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الْجُنْدِ : إِنَّ أَخِي مَرِيضٌ ، وَهُوَ مَيِّتٌ لَا مَحَالَةَ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا لَهُ لِيَكُونَ هُوَ الْأَمِيرَ بَعْدَ أَخِيهِ قَتَادَةَ ، فَحَضَرَ
الْحَسَنُ عِنْدَ عَمِّهِ ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَجْنَادِ وَالْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لِأَبِيهِ ، فَقَالَ
الْحَسَنُ لِعَمِّهِ : قَدْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ : لَمْ أَفْعَلْ فَأَمْرَ
حَسَنٌ الْحَاضِرِينَ بِقَتْلِهِ ، فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَالُوا : أَنْتَ أَمِيرٌ وَهَذَا أَمِيرٌ ، وَلَا نَمُدُّ أَيْدِيَنَا إِلَى أَحَدِكُمَا . فَقَالَ لَهُ غُلَامَانِ لِقَتَادَةَ : نَحْنُ عَبِيدُكُ ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا عِمَامَةَ عَمِّهِ فِي عُنُقِهِ ، فَفَعَلَا ، ثُمَّ قَتَلَهُ .
فَسَمِعَ
قَتَادَةُ الْخَبَرَ ، فَبَلَغَ مِنْهُ الْغَيْظُ كُلَّ مَبْلَغٍ ، وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ ابْنَهُ ، وَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَرَضِ ، فَكَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى
الْحَسَنِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ ، وَيَقُولُ لَهُ : ابْدَأْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَعَادَ
الْحَسَنُ إِلَى
مَكَّةَ ، فَلَمَّا وَصَلَهَا قَصْدَ دَارَ أَبِيهِ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ ، فَوَجَدَ عَلَى بَابِ الدَّارِ جَمْعًا كَثِيرًا ، فَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ، فَفَارَقُوا الدَّارَ ،
[ ص: 369 ] وَعَادُوا إِلَى مَسَاكِنِهِمْ ، وَدَخَلَ
الْحَسَنُ إِلَى أَبِيهِ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ شَتَمَهُ ، وَبَالَغَ فِي ذَمِّهِ وَتَهْدِيدِهِ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ
الْحَسَنُ فَخَنَقَهُ لِوَقْتِهِ ، وَخَرَجَ إِلَى
الْحَرَمِ الشَّرِيفِ ، وَأَحْضَرَ
الْأَشْرَافَ ، وَقَالَ : إِنَّ أَبِي قَدِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا لِي أَنْ أَكُونَ أَنَا أَمِيرُكُمْ . فَحَلَفُوا لَهُ ثُمَّ إِنَّهُ أَظْهَرَ تَابُوتًا وَدَفَنَهُ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُ مَاتَ ، وَكَانَ قَدْ دَفَنَهُ سِرًّا .
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْإِمَارَةُ
بِمَكَّةَ لَهُ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ الَّذِي
بِقَلْعَةِ الْيَنْبُعَ عَلَى لِسَانِ أَبِيهِ يَسْتَدْعِيهِ ، وَكَتَمَ مَوْتَ أَبِيهِ عَنْهُ ، فَلَمَّا حَضَرَ أَخُوهُ قَتَلَهُ أَيْضًا ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ ، وَثَبَتَ قَدَمُهُ ، وَفَعَلَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، فَارْتَكَبَ عَظِيمًا : قَتَلَ أَبَاهُ وَعَمَّهُ وَأَخَاهُ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ ، لَا جَرَمَ لَمْ يُمْهِلْهُ اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، نَزْعَ مُلْكَهُ ، وَجَعَلَهُ طَرِيدًا شَرِيدًا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ .
وَقِيلَ إِنَّ
قَتَادَةَ كَانَ يَقُولُ شِعْرًا ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ طُلِبَ لِيَحْضُرَ عِنْدَ أَمِيرِ الْحَاجِّ ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ أُمَرَاءِ
مَكَّةَ ، فَامْتَنَعَ ، فَعُوتِبَ مِنْ
بَغْدَادَ ، فَأَجَابَ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ مِنْهَا :
وَلِي كَفُّ ضِرْغَامٍ أَدُلُّ بِبَطْشِهَا وَأَشْرِي بِهَا بَيْنَ الْوَرَى وَأَبِيعُ تَظَلُّ مُلُوكُ الْأَرْضِ تَلْثُمُ ظَهْرَهَا
وَفِي وَسَطِهَا لِلْمُجِدِّينَ رَبِيعُ أَأَجْعَلُهَا تَحْتَ الرَّحَا ثُمَّ أَبْتَغِي
خَلَاصًا لَهَا ؟ إِنِّي إِذًا لِرَقِيعُ ! وَمَا أَنَا إِلَّا الْمِسْكُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
يَضُوعُ ، وَأَمَّا عِنْدُكُمْ فَيَضِيعُ
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33882اسْتَعَادَ الْمُسْلِمُونَ مَدِينَةَ دِمْيَاطَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِنَ الْفِرِنْجِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مَشْرُوحًا مُفَصَّلًا .
[ ص: 370 ] وَفِيهَا ، فِي صَفَرٍ ، مَلَكَ
التَّتَرُ مَرَاغَةَ وَخَرَّبُوهَا وَأَحْرَقُوهَا وَقَتَلُوا أَكْثَرَ أَهْلِهَا ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ وَسَبَوْا حَرِيمَهُمْ .
وَسَارَ
التَّتَرُ مِنْهَا إِلَى
هَمَذَانَ ، وَحَاصَرُوهُ ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُهَا وَظَفِرَ بِهَا
التَّتَرُ ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا لَا يُحْصَى ، وَنَهَبُوا الْبَلَدَ .
وَسَارُوا إِلَى
أَذْرَبِيجَانَ ، فَأَعَادُوا النَّهْبَ ، وَنَهَبُوا مَا بَقِيَ مِنَ الْبِلَادِ ، وَلَمْ يَنْهَبُوهُ أَوَّلًا .
وَوَصَلُوا إِلَى
بَيْلَقَانَ ، مِنْ بِلَادِ
أَرَّانَ ، فَحَصَرُوهَا وَمَلَكُوهَا وَقَتَلُوا أَهْلَهَا حَتَّى كَادُوا يُفْنُونَهُمْ ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَسَارُوا إِلَى
بِلَادِ الْكَرَجِ مِنْ
أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ ، وَلَقِيَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ
الْكَرَجِ ، فَقَاتَلُوهُمْ فَانْهَزَمَ
الْكَرَجُ ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ ، وَنُهِبَ أَكْثَرُ بِلَادِهِمْ وَقُتِلَ أَهْلُهَا ، وَسَارُوا مِنْ هُنَاكَ إِلَى
دَرْبَنْدَ شِرَوَانَ ، وَحَصَرُوا مَدِينَةَ
شَمَاخِي ، وَمُلُوكَهَا ، وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا .
وَسَارُوا إِلَى بَلَدِ
اللَّانَ وَاللِّكْزِ وَمَنْ عِنْدِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ، فَأَوْقَعُوا ، وَرَحَلُوا عَنْ قُفْجَاقَ ، وَأَجْلَوْهُمْ عَنْهَا ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا ، وَسَاحُوا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى بِلَادِ
الرُّوسِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ جَمِيعِهِ مُسْتَقْصًى ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ هَاهُنَا جُمْلَةً لِيُعْلَمَ الَّذِي كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ حَوَادِثِهِمْ .
[
nindex.php?page=treesubj&link=34064الْوَفَيَاتُ ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ صَدِيقُنَا
أَمِينُ الدِّينِ يَاقُوتُ الْكَاتِبُ الْمَوْصِلِيُّ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يَكْتُبُ مَا يُقَارِبُهُ ، وَلَا مَنْ يُؤَدِّي طَرِيقَةَ
ابْنِ الْبَوَّابِ مِثْلُهُ ; وَكَانَ ذَا فَضَائِلَ جَمَّةٍ مِنْ عِلْمِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ ، وَكَانَ كَثِيرَ الْخَيْرِ ، نِعْمَ الرَّجُلُ ، مَشْهُورًا فِي الدُّنْيَا ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَيْهِ وَالْمَدْحِ لَهُ ، وَلَهُمْ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ نَظْمًا وَنَثْرًا ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ
نَجِيبُ الدِّينِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ مِنْ قَصِيدَةٍ يَمْدَحُهُ بِهَا :
جَامِعٌ شَارِدَ الْعُلُومِ وَلَوْلَا هُ لَكَانَتْ أُمُّ الْفَضَائِلِ ثَكْلَى
ذُو يَرَاعٍ تَخَافُ سَطْوَتَهُ الْأُسْ دُ وَتَعْنُو لَهُ الْكَتَائِبُ ذُلًّا
[ ص: 371 ] وَإِذَا افْتَرَّ ثَغْرُهُ عَنْ سَوَادٍ فِي بَيَاضٍ فَالْبِيضُ وَالسُّمْرُ خَجْلَى
أَنْتَ بَدْرٌ وَالْكَاتِبُ ابْنُ هِلَالٍ كَأَبِيهِ لَا فَخْرَ فِيمَنْ تَوَلَّى
وَمِنْهَا :
إِنْ يَكُنْ أَوَّلًا ، فَإِنَّكَ بِالتَّفْ ضِيلِ أَولَى ، لَقَدْ سَبَقْتَ وَصَلَّى
وَهِيَ طَوِيلَةٌ ، وَالْكَاتِبُ
ابْنُ هِلَالٍ هُوَ ابْنُ الْبَوَّابِ الَّذِي هُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُعَّرَفَ .
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
جَلَالُ الدِّينِ الْحَسَنُ ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ
nindex.php?page=showalam&ids=14106الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَاحِ ، الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، صَاحِبُ
أَلَمَوْتَ وَكَرْدَكُوهْ ، وَهُوَ مُقَدَّمُ
الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ ، وَوَلِيَ بَعْدُ ابْنُهُ
عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ .