[ ص: 266 ] ذكر الأحداث أيام ملوك الطوائف ، فمن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31977_31978ذكر المسيح عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكرياء عليه السلام
إنما جمعنا هذين الأمرين العظيمين في هذه الترجمة لتعلق أحدهما بالآخر ، فنقول كان
عمران بن ماثان من ولد
سليمان بن داود ، وكان
آل ماثان رءوس
بني إسرائيل وأحبارهم ، وكان متزوجا
بحنة بنت فاقود ، وكان
زكرياء بن برخيا متزوجا بأختها
إيشاع ، وقيل : كانت
إيشاع أخت
مريم بنت عمران ، وكانت
حنة قد كبرت وعجزت ولم تلد ولدا ، فبينما هي في ظل شجرة أبصرت طائرا يزق فرخا له فاشتهت الولد فدعت الله أن يهب لها ولدا ونذرت إن يرزقها ولدا أن تجعله من سدنة
بيت المقدس وخدمه ، فحررت ما في بطنها ، ولم تعلم ما هو ، وكان النذر المحرر عندهم أن يجعل للكنيسة يقوم بخدمتها ولا يبرح منها حتى يبلغ الحلم ، فإذا بلغ خير ، فإن أحب أن يقيم فيها أقام ، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء . ولم يكن يحرر إلا الغلمان ، لأن الإناث لا يصلحن لذلك لما يصيبهن من الحيض والأذى .
ثم هلك
عمران وحنة حامل
بمريم ، فلما وضعتها إذا [ هي ] أنثى فقالت عند ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى في
[ ص: 267 ] خدمة الكنيسة والعباد الذين فيها ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وإني سميتها مريم ، وهي بلغتهم العبادة .
ثم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء
هارون ، وهم يلون من
بيت المقدس ما يلي
بنو شيبة من
الكعبة . فقالت : دونكم هذه المنذورة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم وصاحب قربانهم . فقال
زكرياء : أنا أحق بها لأن خالتها عندي . فقالوا لكنا نقترع عليها . فألقوا أقلامهم في نهر جار ، قيل هو
نهر الأردن ، فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة ، فارتفع قلم
زكرياء فوق الماء ورسبت أقلامهم ، فأخذها وكفلها وضمها إلى خالتها
أم يحيى واسترضع لها حتى كبرت ، فبنى لها غرفة في المسجد لا يرقى إليها إلا بسلم ولا يصعد إليها غيره ، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، فيقول : أنى لك هذا ؟ فتقول : هو من عند الله . فلما رأى
زكرياء ذلك منها دعا الله تعالى ورجا الولد حيث رأى فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ، فقال : إن الذي فعل هذا
بمريم قادر على أن يصلح زوجتي حتى تلد . فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=38قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
فبينما هو يصلي في المذبح الذي لهم إذا هو برجل شاب ، وهو
جبرائيل ، ففزع
زكرياء منه ، فقال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله ، يعني
عيسى ابن مريم - عليه السلام -
ويحيى أول من آمن
بعيسى وصدقه ، وذلك أن أمه كانت حاملا به فاستقبلت
مريم وهي حامل
بعيسى فقالت لها : يا
مريم أحامل أنت ؟ فقالت : لماذا تسأليني ؟ فقالت إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك ، فذلك تصديقه .
وقيل : صدق
المسيح - عليه السلام - وله ثلاث سنين ، وسماه الله تعالى [
يحيى ] ولم يكن قبله من تسمى هذا الاسم ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=7لم نجعل له من قبل سميا . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا . قيل : أوحش ما يكون ابن آدم في هذه الأيام الثلاثة ، فسلمه الله تعالى من وحشتها ، وإنما ولد
يحيى قبل
المسيح بثلاث سنين ، وقيل بستة أشهر ، وكان لا يأتي
[ ص: 268 ] النساء ، ولا يلعب مع الصبيان .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ؟ وكان عمره اثنتين وتسعين سنة ، وقيل : مائة وعشرين سنة ، وكانت امرأته ابنة ثمان وتسعين سنة . فقيل له :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40كذلك الله يفعل ما يشاء . وإنما قال ذلك استخبارا هل يرزق الولد من امرأته العاقر أم غيرها ، لا إنكارا لقدرة الله تعالى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=41قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا . قال : أمسك الله لسانه عقوبة لسؤاله الآية ، والرمز الإشارة .
فلما ولد رآه أبوه حسن الصورة ، قليل الشعر ، قصير الأصابع ، مقرون الحاجبين ، دقيق الصوت ، قويا في طاعة الله مذ كان صبيا ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا .
قيل : إنه قال له يوما الصبيان أمثاله : يا
يحيى اذهب بنا نلعب . فقال لهم : ما للعب خلقت . وكان يأكل العشب وأوراق الشجر ، وقيل كان يأكل خبز الشعير ، ومر به إبليس ومعه رغيف شعير فقال : أنت تزعم أنك زاهد وقد ادخرت رغيف شعير ؟ فقال
يحيى : يا ملعون هو القوت ، فقال إبليس : إن الأقل من القوت يكفي لمن يموت . فأوحى الله إليه : اعقل ما يقول لك .
ونبئ صغيرا فكان يدعو الناس إلى عبادة الله ، ولبس الشعر ، فلم يكن له دينار ولا درهم ولا مسكن يسكن إليه ، أينما جنه الليل أقام ، ولم يكن له عبد ولا أمة ، واجتهد في العبادة ، فنظر يوما إلى بدنه وقد نحل فبكى ، فأوحى الله إليه يا
يحيى أتبكي لما نحل من جسمك ؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت في النار اطلاعة لتدرعت الحديد عوض الشعر ! فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه وبدت أضراسه للناظرين . فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل
زكرياء ومعه الأحبار فقال : يا بني ما يدعوك إلى هذا ؟ قال : أنت أمرتني بذلك حيث قلت : إن بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها إلا الباكون من خشية
[ ص: 269 ] الله . فقال : فابك واجتهد إذن . فصنعت له أمه قطعتي لبد على خديه تواريان أضراسه ، فكان يبكي حتى يبلهما ، وكان
زكرياء إذا أراد يعظ الناس نظر فإن كان
يحيى حاضرا لم يذكر جنة ولا نارا .
وبعث الله
عيسى رسولا نسخ بعض أحكام التوراة ، فكان مما نسخ أنه حرم
nindex.php?page=treesubj&link=10976نكاح بنت الأخ ، وكان لملكهم - واسمه
هيرودس - بنت أخ تعجبه يريد أن يتزوجها ، فنهاه
يحيى عنها ، وكان لها كل يوم حاجة يقضيها لها فلما بلغ ذلك أمها قالت لها : إذا سألك الملك ما حاجتك فقولي أن تذبح
يحيى بن زكرياء . فلما دخلت عليه وسألها ما حاجتك ؟ قالت : أريد أن تذبح
يحيى بن زكرياء . فقال : اسألي غير هذا . قالت : ما أسألك غيره . فلما أبت دعا
بيحيى ودعا بطست فذبحه ، فلما رأت الرأس قالت : اليوم قرت عيني ! فصعدت إلى سطح قصرها فسقطت منه إلى الأرض ولها كلاب ضارية تحته ، فوثبت الكلاب عليها وأكلتها وهي تنظر ، وكان آخر ما أكل منها عيناها لتعتبر . فلما قتل بذرت قطرة من دمه على الأرض ، فلم تزل تغلي حتى بعث الله
بختنصر عليهم فجاءته امرأة فدلته على ذلك الدم ، فألقى الله في قلبه أن يقتل منهم على ذلك الدم حتى يسكن ، فقتل منهم سبعين ألفا حتى سكن الدم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي نحو هذا ، غير أنه قال : أراد الملك أن يتزوج بنت امرأة له ، فنهاه
يحيى عن ذلك ، فطلبت المرأة من الملك قتل
يحيى ، فأرسل إليه فقتله وأحضر رأسه في طست وهو يقول له : لا تحل لك ، فبقي دمه يغلي ، فطرح عليه تراب حتى بلغ سور المدينة ، فلم يسكن الدم . فسلط الله عليهم
بختنصر في جمع عظيم فحصرهم فلم يظفر بهم ، فأراد الرجوع فأتته امرأة من
بني إسرائيل فقالت : بلغني أنك تريد العود ! قال : نعم ، قد طال المقام وجاع الناس وقلت الميرة بهم وضاق عليهم ، فقالت : إن فتحت لك المدينة أتقتل من آمرك بقتله وتكف إذا أمرتك ؟ قال : نعم . قالت : اقسم جندك أربعة أقسام على نواحي المدينة ، ثم ارفعوا أيديكم إلى السماء وقولوا : اللهم إنا نستفتحك على دم
يحيى بن زكرياء ، ففعلوا ، فخرب سور المدينة ، فدخلوها ، فأمرتهم العجوز أن يقتلوا على دم
يحيى بن زكرياء حتى يسكن ، فلم يزل يقتل حتى قتل سبعين
[ ص: 270 ] ألفا وسكن الدم ، فأمرته بالكف ، وكف .
وخرب
بيت المقدس ، وأمر أن تلقى فيه الجيف ، وعاد ومعه
دانيال وغيره من وجوه
بني إسرائيل ، منهم
عزريا ،
وميشائيل ،
ورأس الجالوت . فكان
دانيال أكرم الناس عليه ، فحسدهم المجوس وسعوا بهم إلى
بختنصر ، وذكر نحو ما تقدم من إلقائهم إلى السبع ونزول الملك عليهم ومسخ
بختنصر ومقامه في الوحش سبع سنين .
وهذا القول وما لم نذكره من الروايات من أن
بختنصر هو الذي خرب
بيت المقدس ، وقتل
بني إسرائيل عند قتلهم
يحيى بن زكرياء باطل عند أهل السير والتاريخ وأهل العلم بأمور الماضين ، وذلك أنهم أجمعين مجمعون على أن
بختنصر غزا
بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم
شعيا في عهد
إرميا بن حلقيا ، وبين عهد
إرميا وقتل
يحيى أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة عند
اليهود والنصارى ، ويذكرون أن ذلك في كتبهم وأسفارهم مبين ، وتوافقهم المجوس في مدة غزو
بختنصر بني إسرائيل إلى موت
الإسكندر ، وتخالفهم في مدة ما بين موت
الإسكندر ومولد
يحيى ، فيزعمون أن مدة ذلك كانت إحدى وخمسين سنة .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق فإنه قال : الحق أن
بني إسرائيل عمروا
بيت المقدس بعد مرجعهم من
بابل وكثروا ، ثم عادوا يحدثون الأحداث ويعود الله سبحانه عليهم ويبعث فيهم الرسل ، ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون ، حتى كان آخر من بعث الله فيهم
زكرياء وابنه
يحيى وعيسى ابن مريم - عليهم السلام - فقتلوا
يحيى وزكرياء ، فابتعث
[ ص: 271 ] الله عليهم ملكا من ملوك
بابل يقال له
جودرس ، فسار إليهم حتى دخل عليهم
الشام ، فلما دخل عليهم
بيت المقدس قال لقائد عظيم من عسكره اسمه
نبوزاذان ، وهو صاحب الفيل : إني كنت حلفت لئن أنا ظفرت
ببني إسرائيل لأقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري إلى أن أجد من لا أقتله ، وأمره أن يدخل المدينة ويقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم ، فدخل
نبوزاذان المدينة فأقام في المدينة التي يقربون فيها قربانهم ، فوجد فيها دما يغلي ، فقال : يا
بني إسرائيل ، ما شأن هذا الدم يغلي ؟ فقالوا : هذا دم قربان لنا لم يقبل فلذلك هو يغلي . فقال : ما صدقتموني الخبر ! فقالوا : إنه قد انقطع منا الملك والنبوة فلذلك لم يقبل منا . فذبح منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رءوسهم ، فلم يهدأ ، فأمر بسبعمائة من علمائهم فذبحوا على الدم ، فلم يهدأ . فلما رأى الدم لا يبرد قال لهم : يا
بني إسرائيل اصدقوني واصبروا على أمر ربكم ، فقد طال ما ملكتم في الأرض تفعلون ما شئتم ، قبل أن لا أدع منكم نافخ نار أنثى ولا ذكرا إلا قتلته .
فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر وقالوا : هذا [ دم ] نبي كان ينهانا عن كثير مما يسخط الله ، ويخبرنا بخبركم ، فلم نصدقه ، وقتلناه فهذا دمه . فقال : ما كان اسمه ؟ قالوا :
يحيى بن زكرياء . قال : الآن صدقتموني ، لمثل هذا انتقم ربكم منكم ، وخر ساجدا ، وقال لمن حوله : أغلقوا أبواب المدينة ، وأخرجوا من ههنا من جيش
جودرس . ففعلوا ، وخلا في
بني إسرائيل ثم قال للدم : يا
يحيى ، قد علم ربي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم ، فاهدأ بإذن الله قبل أن لا يبقى من قومك أحد . فسكن الدم ، ورفع
نبوزاذان القتل ، وقال : آمنت بما آمنت به
بنو إسرائيل وصدقت به وأيقنت أنه لا رب غيره . ثم قال
لبني إسرائيل : إن
جودرس أمرني أن
[ ص: 272 ] أقتل فيكم حتى تسيل دماؤكم في عسكره ، ولست أستطيع أن أعصيه . قالوا : افعل . فأمرهم أن يحفروا حفيرة ، وأمر بالخيل ، والبغال ، والحمير ، والبقر ، والغنم ، والإبل فذبحها حتى كثر الدم وأجرى عليه ماء ، فسار الدم في العسكر ، فأمر بالقتلى الذين كان قتلهم ، فألقوا فوق المواشي ، فلما نظر
جودرس إلى الدم قد بلغ عسكره أرسل إلى
نبوزاذان : أن ارفع القتل عنهم فقد انتقمت منهم بما فعلوا .
وهي الوقعة الأخيرة التي أنزل الله
ببني إسرائيل ، يقول الله تعالى لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ، و " عسى " [ وعد ] من الله حق .
وكانت الوقعة الأولى
بختنصر وجنوده ، ثم رد الله سبحانه لهم الكرة ، ثم كانت الوقعة الأخيرة
جودرس وجنوده ، وكانت أعظم الوقعتين ، فبها كان خراب بلادهم وقتل رجالهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، يقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليتبروا ما علوا تتبيرا .
وزعم بعض أهل العلم أن قتل
يحيى كان أيام
أردشير بن بابك ، وقيل : كان قتله قبل رفع
المسيح - عليه السلام - بسنة ونصف ، والله أعلم .
[ ص: 266 ] ذِكْرُ الْأَحْدَاثِ أَيَّامَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ ، فَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31977_31978ذِكْرُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِنَّمَا جَمَعْنَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِتَعَلُّقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، فَنَقُولُ كَانَ
عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ مِنْ وَلَدِ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَكَانَ
آلُ مَاثَانَ رُءُوسَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ ، وَكَانَ مُتَزَوِّجًا
بِحَنَّةَ بَنْتِ فَاقُودَ ، وَكَانَ
زَكَرِيَّاءُ بْنُ بَرْخِيَّا مُتَزَوِّجًا بِأُخْتِهَا
إِيشَاعَ ، وَقِيلَ : كَانَتْ
إِيشَاعُ أُخْتَ
مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ، وَكَانَتْ
حَنَّةُ قَدْ كَبِرَتْ وَعَجَزَتْ وَلَمْ تَلِدْ وَلَدًا ، فَبَيْنَمَا هِيَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ أَبْصَرَتْ طَائِرًا يَزُقُّ فَرْخًا لَهُ فَاشْتَهَتِ الْوَلَدَ فَدَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَهَبَ لَهَا وَلَدًا وَنَذَرَتْ إِنْ يَرْزُقْهَا وَلَدًا أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ سَدَنَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَخَدَمِهِ ، فَحَرَّرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَلَمْ تَعْلَمْ مَا هُوَ ، وَكَانَ النَّذْرُ الْمُحَرَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُجْعَلَ لِلْكَنِيسَةِ يَقُومُ بِخِدْمَتِهَا وَلَا يَبْرَحُ مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ ، فَإِذَا بَلَغَ خُيِّرَ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَامَ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ . وَلَمْ يَكُنْ يُحَرَّرُ إِلَّا الْغِلْمَانُ ، لِأَنَّ الْإِنَاثَ لَا يَصْلُحْنَ لِذَلِكَ لِمَا يُصِيبُهُنَّ مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى .
ثُمَّ هَلَكَ
عِمْرَانُ وَحَنَّةُ حَامِلٌ
بِمَرْيَمَ ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا إِذَا [ هِيَ ] أُنْثَى فَقَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى فِي
[ ص: 267 ] خِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ وَالْعِبَادِ الَّذِينَ فِيهَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ، وَهِيَ بِلُغَتِهِمُ الْعِبَادَةُ .
ثُمَّ لَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمَلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ
هَارُونَ ، وَهُمْ يَلُونَ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَلِي
بَنُو شَيْبَةَ مِنَ
الْكَعْبَةِ . فَقَالَتْ : دُونَكُمْ هَذِهِ الْمَنْذُورَةَ فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ إِمَامِهِمْ وَصَاحِبِ قُرْبَانِهِمْ . فَقَالَ
زَكَرِيَّاءُ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّ خَالَتَهَا عِنْدِي . فَقَالُوا لَكِنَّا نَقْتَرِعُ عَلَيْهَا . فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فِي نَهْرٍ جَارٍ ، قِيلَ هُوَ
نَهْرُ الْأُرْدُنِّ ، فَأَلْقَوْا فِيهِ أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بِهَا التَّوْرَاةَ ، فَارْتَفَعَ قَلَمُ
زَكَرِيَّاءَ فَوْقَ الْمَاءِ وَرَسَبَتْ أَقْلَامُهُمْ ، فَأَخَذَهَا وَكَفَّلَهَا وَضَمَّهَا إِلَى خَالَتِهَا
أُمِّ يَحْيَى وَاسْتَرْضَعَ لَهَا حَتَّى كَبِرَتْ ، فَبَنَى لَهَا غُرْفَةً فِي الْمَسْجِدِ لَا يُرْقَى إِلَيْهَا إِلَّا بِسُلَّمٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا غَيْرُهُ ، وَكَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ ، فَيَقُولُ : أَنَّى لَكِ هَذَا ؟ فَتَقُولُ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . فَلَمَّا رَأَى
زَكَرِيَّاءُ ذَلِكَ مِنْهَا دَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَرَجَا الْوَلَدَ حَيْثُ رَأَى فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا
بِمَرْيَمَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُصْلِحَ زَوْجَتِي حَتَّى تَلِدَ . فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=38قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ .
فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي فِي الْمَذْبَحِ الَّذِي لَهُمْ إِذَا هُوَ بَرْجَلٍ شَابٍّ ، وَهُوَ
جَبْرَائِيلُ ، فَفَزِعَ
زَكَرِيَّاءُ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ، يَعْنِي
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
وَيَحْيَى أَوَّلُ مَنْ آمَنَ
بِعِيسَى وَصَدَّقَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ فَاسْتَقْبَلَتْ
مَرْيَمَ وَهِيَ حَامِلٌ
بِعِيسَى فَقَالَتْ لَهَا : يَا
مَرْيَمُ أَحَامِلٌ أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : لِمَاذَا تَسْأَلِينِي ؟ فَقَالَتْ إِنِّي أَرَى مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ ، فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ .
وَقِيلَ : صَدَّقَ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى [
يَحْيَى ] وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَنْ تَسَمَّى هَذَا الِاسْمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=7لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا . قِيلَ : أَوْحَشُ مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَحْشَتِهَا ، وَإِنَّمَا وُلِدَ
يَحْيَى قَبْلَ
الْمَسِيحِ بِثَلَاثِ سِنِينَ ، وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَكَانَ لَا يَأْتِي
[ ص: 268 ] النِّسَاءَ ، وَلَا يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ؟ وَكَانَ عُمُرُهُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً ، وَقِيلَ : مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ ابْنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً . فَقِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِخْبَارًا هَلْ يُرْزَقُ الْوَلَدَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْعَاقِرِ أَمْ غَيْرِهَا ، لَا إِنْكَارًا لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=41قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا . قَالَ : أَمْسَكَ اللَّهُ لِسَانَهُ عُقُوبَةً لِسُؤَالِهِ الْآيَةَ ، وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ .
فَلَمَّا وُلِدَ رَآهُ أَبُوهُ حَسَنَ الصُّورَةِ ، قَلِيلَ الشَّعَرِ ، قَصِيرَ الْأَصَابِعِ ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ ، دَقِيقَ الصَّوْتِ ، قَوِيًّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ مُذْ كَانَ صَبِيًّا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .
قِيلَ : إِنَّهُ قَالَ لَهُ يَوْمًا الصِّبْيَانُ أَمْثَالُهُ : يَا
يَحْيَى اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبْ . فَقَالَ لَهُمْ : مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ . وَكَانَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ وَأَوْرَاقَ الشَّجَرِ ، وَقِيلَ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ ، وَمَرَّ بِهِ إِبْلِيسُ وَمَعَهُ رَغِيفُ شَعِيرٍ فَقَالَ : أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ زَاهِدٌ وَقَدِ ادَّخَرْتَ رَغِيفَ شَعِيرٍ ؟ فَقَالَ
يَحْيَى : يَا مَلْعُونُ هُوَ الْقُوتُ ، فَقَالَ إِبْلِيسُ : إِنَّ الْأَقَلَّ مِنَ الْقُوتِ يَكْفِي لِمَنْ يَمُوتُ . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : اعْقِلْ مَا يَقُولُ لَكَ .
وَنُبِّئَ صَغِيرًا فَكَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَلُبْسِ الشَّعَرِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ وَلَا مَسْكَنٌ يَسْكُنُ إِلَيْهِ ، أَيْنَمَا جَنَّهُ اللَّيْلُ أَقَامَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ ، وَاجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ ، فَنَظَرَ يَوْمًا إِلَى بَدَنِهِ وَقَدْ نَحَلَ فَبَكَى ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا
يَحْيَى أَتَبْكِي لِمَا نَحَلَ مِنْ جِسْمِكَ ؟ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَوِ اطَّلَعْتَ فِي النَّارِ اطِّلَاعَةً لَتَدَرَّعْتَ الْحَدِيدَ عِوَضَ الشَّعَرِ ! فَبَكَى حَتَّى أَكَلَتِ الدُّمُوعُ لَحْمَ خَدَّيْهِ وَبَدَتْ أَضْرَاسُهُ لِلنَّاظِرِينَ . فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهُ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ
زَكَرِيَّاءُ وَمَعَهُ الْأَحْبَارُ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا ؟ قَالَ : أَنْتَ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ حَيْثُ قُلْتَ : إِنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ عَقْبَةً لَا يَجُوزُهَا إِلَّا الْبَاكُونَ مِنْ خَشْيَةِ
[ ص: 269 ] اللَّهِ . فَقَالَ : فَابْكِ وَاجْتَهِدْ إِذَنْ . فَصَنَعَتْ لَهُ أُمُّهُ قِطْعَتَيْ لِبْدٍ عَلَى خَدَّيْهِ تُوَارِيَانِ أَضْرَاسَهُ ، فَكَانَ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّهُمَا ، وَكَانَ
زَكَرِيَّاءُ إِذَا أَرَادَ يَعِظُ النَّاسَ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ
يَحْيَى حَاضِرًا لَمْ يَذْكُرْ جَنَّةً وَلَا نَارًا .
وَبَعَثَ اللَّهُ
عِيسَى رَسُولًا نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ ، فَكَانَ مِمَّا نَسَخَ أَنَّهُ حَرَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=10976نِكَاحَ بِنْتِ الْأَخِ ، وَكَانَ لِمَلِكِهِمْ - وَاسْمُهُ
هِيرُودَسُ - بِنْتُ أَخٍ تُعْجِبُهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، فَنَهَاهُ
يَحْيَى عَنْهَا ، وَكَانَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَةٌ يَقْضِيهَا لَهَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا قَالَتْ لَهَا : إِذَا سَأَلَكِ الْمَلِكُ مَا حَاجَتُكِ فَقُولِي أَنْ تَذْبَحَ
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ . فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَسَأَلَهَا مَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ : أُرِيدُ أَنْ تَذْبَحَ
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ . فَقَالَ : اسْأَلِي غَيْرَ هَذَا . قَالَتْ : مَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَلَمَّا أَبَتْ دَعَا
بِيَحْيَى وَدَعَا بِطَسْتٍ فَذَبَحَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ الرَّأْسَ قَالَتِ : الْيَوْمَ قَرَّتْ عَيْنِي ! فَصَعِدَتْ إِلَى سَطْحِ قَصْرِهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ وَلَهَا كِلَابٌ ضَارِيَةٌ تَحْتَهُ ، فَوَثَبَتِ الْكِلَابُ عَلَيْهَا وَأَكَلَتْهَا وَهِيَ تَنْظُرُ ، وَكَانَ آخِرَ مَا أُكِلَ مِنْهَا عَيْنَاهَا لِتَعْتَبِرَ . فَلَمَّا قُتِلَ بُذِرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِهِ عَلَى الْأَرْضِ ، فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ
بُخْتُنَصَّرَ عَلَيْهِمْ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَدَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ ، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ حَتَّى يَسْكُنَ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا حَتَّى سَكَنَ الدَّمُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ نَحْوَ هَذَا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : أَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةٍ لَهُ ، فَنَهَاهُ
يَحْيَى عَنْ ذَلِكَ ، فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَلِكَ قَتْلَ
يَحْيَى ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَحْضَرَ رَأْسَهُ فِي طَسْتٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ : لَا تَحِلُّ لَكَ ، فَبَقِيَ دَمُهُ يَغْلِي ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ تُرَابٌ حَتَّى بَلَغَ سُورَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمْ يَسْكُنِ الدَّمُ . فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بُخْتُنَصَّرَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ فَحَصَرَهُمْ فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ ، فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَتْ : بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْعَوْدَ ! قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ طَالَ الْمُقَامُ وَجَاعَ النَّاسُ وَقَلَّتِ الْمِيرَةُ بِهِمْ وَضَاقَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَتْ : إِنْ فَتَحْتُ لَكَ الْمَدِينَةَ أَتَقْتُلُ مَنْ آمُرُكَ بِقَتْلِهِ وَتَكُفُّ إِذَا أَمَرْتُكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَتِ : اقْسِمْ جُنْدَكَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ عَلَى نَوَاحِي الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَقُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَفْتِحُكَ عَلَى دَمِ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ ، فَفَعَلُوا ، فَخَرِبَ سُورُ الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلُوهَا ، فَأَمَرَتْهُمُ الْعَجُوزُ أَنْ يَقْتُلُوا عَلَى دَمِ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَتَّى يَسْكُنَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ حَتَّى قَتَلَ سَبْعِينَ
[ ص: 270 ] أَلْفًا وَسَكَنَ الدَّمُ ، فَأَمَرَتْهُ بِالْكَفِّ ، وَكَفَّ .
وَخَرَّبَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَأَمَرَ أَنْ تُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ ، وَعَادَ وَمَعَهُ
دَانْيَالُ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوهِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مِنْهُمْ
عِزْرِيَا ،
وَمِيشَائِيلُ ،
وَرَأْسُ الْجَالُوتِ . فَكَانَ
دَانْيَالُ أَكْرَمَ النَّاسِ عَلَيْهِ ، فَحَسَدَهُمُ الْمَجُوسُ وَسَعَوْا بِهِمْ إِلَى
بُخْتُنَصَّرَ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِلْقَائِهِمْ إِلَى السَّبُعِ وَنُزُولِ الْمَلَكِ عَلَيْهِمْ وَمَسْخِ
بُخْتُنَصَّرَ وَمُقَامِهِ فِي الْوَحْشِ سَبْعَ سِنِينَ .
وَهَذَا الْقَوْلُ وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّ
بُخْتُنَصَّرَ هُوَ الَّذِي خَرَّبَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَقَتَلَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِأُمُورِ الَمَاضِينَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ
بُخْتُنَصَّرَ غَزَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ نَبِيَّهُمْ
شَعْيَا فِي عَهْدِ
إِرْمِيَا بْنِ حَلْقِيًّا ، وَبَيْنَ عَهْدِ
إِرْمِيَا وَقَتْلِ
يَحْيَى أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً عِنْدَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مُبَيَّنٌ ، وَتُوَافِقُهُمُ الْمَجُوسُ فِي مُدَّةِ غَزْوِ
بُخْتُنَصَّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَوْتِ
الْإِسْكَنْدَرِ ، وَتُخَالِفُهُمْ فِي مُدَّةِ مَا بَيْنَ مَوْتِ
الْإِسْكَنْدَرِ وَمَوْلِدِ
يَحْيَى ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ مُدَّةَ ذَلِكَ كَانَتْ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ : الْحَقُّ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَمَرُوا
بَيْتَ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مَرْجِعِهِمْ مِنْ
بَابِلَ وَكَثُرُوا ، ثُمَّ عَادُوا يُحْدِثُونَ الْأَحْدَاثَ وَيَعُودُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ وَيَبْعَثُ فِيهِمُ الرُّسُلَ ، فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ، حَتَّى كَانَ آخِرَ مَنْ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ
زَكَرِيَّاءُ وَابْنُهُ
يَحْيَى وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فَقَتَلُوا
يَحْيَى وَزَكَرِيَّاءَ ، فَابْتَعَثَ
[ ص: 271 ] اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ
بَابِلَ يُقَالُ لَهُ
جُودَرْسُ ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمُ
الشَّامَ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ لِقَائِدٍ عَظِيمٍ مِنْ عَسْكَرِهِ اسْمُهُ
نُبُوزَاذَانُ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْفِيلِ : إِنِّي كُنْتُ حَلَفْتُ لَئِنْ أَنَا ظَفِرْتُ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَأَقْتُلَنَّهُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُهُمْ فِي وَسَطِ عَسْكَرِي إِلَى أَنْ أَجِدَ مَنْ لَا أَقْتُلُهُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ وَيَقْتُلَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَدَخَلَ
نُبُوزَاذَانُ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي يُقَرِّبُونَ فِيهَا قُرْبَانَهُمْ ، فَوَجَدَ فِيهَا دَمًا يَغْلِي ، فَقَالَ : يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مَا شَأْنُ هَذَا الدَّمِ يَغْلِي ؟ فَقَالُوا : هَذَا دَمُ قُرْبَانٍ لَنَا لَمْ يُقْبَلْ فَلِذَلِكَ هُوَ يَغْلِي . فَقَالَ : مَا صَدَقْتُمُونِي الْخَبَرَ ! فَقَالُوا : إِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ مِنَّا الْمُلْكُ وَالنُّبُوَّةُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنَّا . فَذَبَحَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ سَبْعَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ رُءُوسِهِمْ ، فَلَمْ يَهْدَأْ ، فَأَمَرَ بِسَبْعِمِائَةٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَذُبِحُوا عَلَى الدَّمِ ، فَلَمْ يَهْدَأْ . فَلَمَّا رَأَى الدَّمَ لَا يَبْرُدُ قَالَ لَهُمْ : يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ اصْدُقُونِي وَاصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّكُمْ ، فَقَدْ طَالَ مَا مَلَكْتُمْ فِي الْأَرْضِ تَفْعَلُونَ مَا شِئْتُمْ ، قَبْلَ أَنْ لَا أَدَعَ مِنْكُمْ نَافِخَ نَارٍ أُنْثَى وَلَا ذَكَرًا إِلَّا قَتَلْتُهُ .
فَلَمَّا رَأَوُا الْجَهْدَ وَشِدَّةَ الْقَتْلِ صَدَقُوهُ الْخَبَرَ وَقَالُوا : هَذَا [ دَمُ ] نَبِيٍّ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ ، وَيُخْبِرُنَا بِخَبَرِكُمْ ، فَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَقَتَلْنَاهُ فَهَذَا دَمُهُ . فَقَالَ : مَا كَانَ اسْمُهُ ؟ قَالُوا :
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ . قَالَ : الْآنَ صَدَقْتُمُونِي ، لِمِثْلِ هَذَا انْتَقَمَ رَبُّكُمْ مِنْكُمْ ، وَخَرَّ سَاجِدًا ، وَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ : أَغْلِقُوا أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ ، وَأَخْرِجُوا مَنْ هَهُنَا مِنْ جَيْشِ
جُودَرْسَ . فَفَعَلُوا ، وَخَلَا فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ قَالَ لِلدَّمِ : يَا
يَحْيَى ، قَدْ عَلِمَ رَبِّي وَرَبُّكَ مَا قَدْ أَصَابَ قَوْمَكَ مِنْ أَجْلِكَ وَمَا قُتِلَ مِنْهُمْ ، فَاهْدَأْ بِإِذْنِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ قَوْمِكَ أَحَدٌ . فَسَكَنَ الدَّمُ ، وَرَفَعَ
نُبُوزَاذَانُ الْقَتْلَ ، وَقَالَ : آمَنْتُ بِمَا آمَنَتْ بِهِ
بَنُو إِسْرَائِيلَ وَصَدَّقْتُ بِهِ وَأَيْقَنْتُ أَنَّهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ . ثُمَّ قَالَ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : إِنَّ
جُودَرْسَ أَمَرَنِي أَنْ
[ ص: 272 ] أَقْتُلَ فِيكُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُكُمْ فِي عَسْكَرِهِ ، وَلَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْصِيَهُ . قَالُوا : افْعَلْ . فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا حُفَيْرَةً ، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ ، وَالْبِغَالِ ، وَالْحَمِيرِ ، وَالْبَقَرِ ، وَالْغَنَمِ ، وَالْإِبِلِ فَذَبَحَهَا حَتَّى كَثُرَ الدَّمُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ مَاءً ، فَسَارَ الدَّمُ فِي الْعَسْكَرِ ، فَأَمَرَ بِالْقَتْلَى الَّذِينَ كَانَ قَتَلَهُمْ ، فَأُلْقُوا فَوْقَ الْمَوَاشِي ، فَلَمَّا نَظَرَ
جُودَرْسُ إِلَى الدَّمِ قَدْ بَلَغَ عَسْكَرَهُ أَرْسَلَ إِلَى
نُبُوزَاذَانَ : أَنِ ارْفَعِ الْقَتْلَ عَنْهُمْ فَقَدِ انْتَقَمْتُ مِنْهُمْ بِمَا فَعَلُوا .
وَهِيَ الْوَقْعَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ، وَ " عَسَى " [ وَعْدٌ ] مِنَ اللَّهِ حَقٌّ .
وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ الْأُولَى
بُخْتُنَصَّرَ وَجُنُودَهُ ، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمُ الْكَرَّةَ ، ثُمَّ كَانَتِ الْوَقْعَةُ الْأَخِيرَةُ
جُودَرْسَ وَجُنُودَهُ ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ الْوَقْعَتَيْنِ ، فَبِهَا كَانَ خَرَابُ بِلَادِهِمْ وَقَتْلُ رِجَالِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا .
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَتْلَ
يَحْيَى كَانَ أَيَّامَ
أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ ، وَقِيلَ : كَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ رَفْعِ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .