الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
5211 - (ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس! ادخلوا الصراط جميعا ولا تتعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن فتحته تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم) (حم ك) عن النواس - (صح) .

التالي السابق


(ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما) قال الطيبي : بدل من "مثلا" لا على إهدار المبدل كقوله زيد رأيت غلامه رجلا صالحا؛ إذ لو أسقط غلامه لم يتبين (وعلى جنبتي) بفتح النون والباء بضبط المصنف (الصراط) ؛ أي: جانبيه، وجنبة الوادي جانبه وناحيته، وهي بفتح النون، والجنبة بسكون النون الناحية، ذكره ابن الأثير (سوران) تثنية سور، قال الطيبي : [ ص: 254 ] سوران مبتدأ، وعلى جنبتي خبره، والجملة حال من "صراطا" وقوله (فيهما أبواب) الجملة صفة لسوران (مفتحة، وعلى الأبواب ستور) جمع ستر (مرخاة) ؛ أي: مسبلة (وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط) وفي رواية: استقيموا على الصراط (جميعا ولا تعوجوا) ؛ أي: لا تميلوا، يقال: عاج يعوج إذا مال عن الطريق (وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك) زجر له من تلك الهمة، وهي كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها (لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) ؛ أي: تدخل الباب وتقع في محارم الله، قال الطيبي : هذا يدل على أن قول (أبواب مفتحة) أنها مردودة غير مغلقة (فالصراط الإسلام والسوران حدود الله تعالى والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم) قال تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الآية، قال الطيبي : ونظير هذا حديث (ألا إن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في الأرض محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) فالسور بمنزلة الحمى، وحولها بمنزلة الباب، والستور حدود الله الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله، وواعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن، والأخرى لمة الشيطان وإنما جعل لمة الملك التي هي واعظ الله فوق داعي القرآن؛ لأنه إنما ينتفع به إذا كان المحل قابلا، ولهذا قال تعالى هدى للمتقين إنما ضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقريب ليصير المعقول محسوسا والمتخيل متحققا فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد ليساعد فيه الوهم العقل فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة الوهم؛ لأن طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء، قال النووي : سر هذا الحديث أنه أقام الصراط معنى للإسلام، وأقام الداعي معنى للكتاب، والداعي الآخر معنى للعظة في قلب كل مؤمن، فأنت على الصراط الدائم وهو الإسلام، وسامع النداء القائم وهو القرآن، فإن أنت أقمت حركاتك وسكناتك بمدبرك وخالقك بسقوط من سواه أقامك إليه به وقمت به إليه بسقوطك عنك فحينئذ يكشف لك اسمه الأعظم الذي لا يخيب من قصده به، قال القاضي : وضرب المثل احتماله من ضرب الخاتم، وأصله وقع الشيء على الشيء

(حم ك) في الإيمان، وكذا الطبراني (عن النواس) بن سمعان، قال الحاكم : على شرط مسلم، ولا علة له وأقره الذهبي ، وقضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة، والأمر بخلافه؛ فقد عزاه في الفردوس للترمذي في الأمثال



الخدمات العلمية