الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4984 - (صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد حسنة كتبها بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين: أمسك فيمسك ست ساعات، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شيئا، وإن لم يستغفر كتب عليه سيئة واحدة) (طب هب) عن أبي أمامة - (صح) .

التالي السابق


(صاحب اليمين) ؛ أي: الملك المتكفل بكتابة ما يكون من جند باعث الدين هو كاتب اليمين (أمير على صاحب الشمال) ؛ أي: الملك الموكل بما ينشأ عن جند باعث الشهوة المضاد لباعث الدين، قال الغزالي : وهذان الملكان وكلا بالآدمي عند كمال شخصه بمقاربة البلوغ؛ أحدهما وهو ذو اليمين يهديه، والآخر يقويه على رد جند باعث الشهوة فيتميز بمعونتهما عن البهائم، ورتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوي فلذلك كان أميرا عليه، وللعبد أطوار في الغفلة والفكر والاسترسال والمجاهدة فهو [ ص: 190 ] بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه، فيكتب أغراضا سيئة، وبالفكر يقبل هو عليه ليستفيد منه الهداية، وهو بذلك محسن فيكتب له بذلك حسنة، وبالاسترسال معرض عن صاحب الشمال تارك للاستمداد منه وهو بذلك مسيء إليه فيكتب عليه بذلك سيئة، وبالمجاهدة مستمد منه فيكتب له حسنة وإنما يكتب هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما فلذلك سميا كراما كاتبين، أما الكرام فلانتفاع العبد بهما؛ ولأن الملائكة كلهم بررة، وأما الكاتبين فلإثباتهما الحسنات والسيئات بالكتابة (فإذا عمل العبد) ؛ أي: البالغ العاقل، أما الصبي أو المجنون فلا يكتبان عليه شيئ،ا كما قال الغزالي (حسنة كتبها بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك) عن كتابتها (ست ساعات) يحتمل الفلكية ويحتمل الزمانية (فإن استغفر الله منها) ؛ أي: طلب منه أن يغفرها وتاب منها توبة صحيحة (لم يكتب عليه شيئا) فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له (وإن لم يستغفر الله كتب عليه سيئة واحدة) ظاهر كلام الغزالي أن هذه الكتابة خارجة عن نمط كتابة الدنيا حيث قال: وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب ومطوية عن سر القلب حتى لا تطلع في هذا العالم فإنهما وكتابتهما وخطهما وصحائفهما وجملة ما يتعلق بهما من عالم الغيب والملكوت لا من عالم الشهادة، وشيء من عالم الملكوت لا يدرك في هذا العالم؛ انتهى وقال في موضوع آخر: أكثر الخلق يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الوجود بخط إلهي لا حرف فيه ولا صوت وذلك إنما يدرك بعين البصيرة لا بعين البصر [تنبيه] ذكر الغزالي أيضا أن الكرام الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب، إنما يطلعون على الأعمال الظاهرة

(طب عن أبي أمامة) ، قال الهيثمي : رجاله وثقوا؛ انتهى، واعلم أن للطبراني هنا ثلاث روايات؛ إحداها: مرت في حرف الهمزة وهذه الثانية، وهما جيدتان وله طريق ثالثة فيها جعفر بن الزبير وهو كذاب كما بسطه الحافظ الهيثمي



الخدمات العلمية