الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
5585 - ( عليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ) (طب) عن عمران بن حصين - (صح) .

التالي السابق


(عليكم من الأعمال بما) لفظ رواية مسلم ما بدون حرف جر ورواية البخاري بإثباته (تطيقون) ؛ أي: الزموا ما تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ولا تحملوا أنفسكم أورادا كثيرة لا تقدرون على أدائها فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق، وهذا وإن ورد في الصلاة لكن اللفظ عام وهو المعتبر والخطاب للرجال والنساء ولكنه غلب الذكور، قال ابن الحاج : فليحذر أن يتكلف من العمل ما عليه فيه مشقة أو يخل باشتغاله بالعلم؛ لأن اشتغاله به أفضل، وهذا باب كثيرا ما يدخل منه الشيطان على المشتغلين بالعلم إذا عجز عن تركهم له يأمرهم بكثرة الأوراد حتى ينقص اشتغالهم؛ لأن العلم هو العدة التي يتلقى بها ويحذر منه بها، فإذا عجز عن الترك رجع إلى باب النقص وهو باب قد غمض على كثير من طلبة العلم؛ لأنه باب خير وعادة الشيطان ألا يأمر بخير فيلتبس الأمر على الطالب فيخل بحاله، وكان المرجاني يقول: ينبغي لطالب العلم أن يكون عمله في علمه كالملح في العجين إذا عدم منه لم ينتفع به والقليل منه يصلحه (فإن الله) ولفظ رواية فوالله (لا يمل) بمثناة تحتية وميم مفتوحتين؛ أي: لا يترك الثواب عنكم (حتى تملوا) بفتح أوليه؛ أي: تتركوا عبادته فإن من مل شيئا تركه وأتى بهذا اللفظ للمشاكلة كقوله وجزاء سيئة سيئة وأفاد أفضلية المداومة على الطاعة وإن قلت، وشفقته على أمته ورأفته بهم وكراهة التشديد في العبادة، والناس في العبادة على طبقات أعلاها وأفضلها طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أنه كان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ولا نائما إلا رأيته نائما، وأصل الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال عليه تعالى، فأول بما مر، وهذا الحديث رواه مسلم بأتم من هذا ولفظه (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل) وكان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه، ورواه البخاري عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها، قال: (مه، عليكم من الأعمال بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا) قال البيضاوي: الملل فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه وأمثال ذلك إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من تنزه عنه فيستحيل تصوره في حقه فإذا أسند إليه أول بما هو منتهاه وغاية معناه كإسناد الرحمة والغضب والحياء والضحك إليه تعالى، فالمعنى اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإنه لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط، فإذا فترتم فاقعدوا؛ فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم، وقال التوربشتي : إسناد الملال إلى الله على طريق الازدواج والمشاكلة، والعرب تذكر أحد اللفظين موافقة للأخرى وإن خالفتها، قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال الشاعر:


ألا لا يجهلن أحد علينا . . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ولا يفتخر ذو عقل بجهل وإنما أراد: فنجازيه بجهله ونعاقبه على سوء صنيعه

(طب عن عمران بن حصين ) ، قال الهيثمي: إسناده حسن



الخدمات العلمية