ذكر لجلال الدولة ببغداذ وإصعاده إليها الخطبة
في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، ( خطب للملك جلال الدولة ) أبي طاهر بن بهاء الدولة ببغداذ ، وأصعد إليها من البصرة فدخلها ثالث شهر رمضان .
وكان سبب ذلك أن الأتراك لما رأوا أن البلاد تخرب ، وأن العامة والعرب والأكراد قد طمعوا ، وأنهم ليس عندهم سلطان يجمع كلمتهم ، قصدوا دار الخلافة ، وأرسلوا يعتذرون إلى الخليفة من انفرادهم بالخطبة لجلال الدولة أولا ، ثم برده ثانيا ، وبالخطبة ، ويشكرون الخليفة حيث لم يخالفهم في شيء من ذلك ، وقالوا : إن أمير المؤمنين صاحب الأمر ، ونحن العبيد ، وقد أخطأنا ونسأل العفو ، وليس عندنا الآن من يجمع كلمتنا ، ونسأل أن ترسل إلى لأبي كاليجار جلال الدولة ليصعد إلى بغداذ ، ويملك الأمر ، ويجمع الكلمة ، ويخطب له فيها ، ويسألون أن يحلفه الرسول السائر لإحضاره لهم . فأجابهم الخليفة إلى ما سألوا ، وراسله هو وقواد الجند في الإصعاد واليمين للخليفة والأتراك ، فحلف لهم ، وأصعد إلى بغداذ ، وانحدر الأتراك إليه ، فلقوه في الطريق ، وأرسل الخليفة إليه ، فأعاد تجديد العهد عليه للخليفة القاضي أبا جعفر السمناني والأتراك ، ففعل .
ولما وصل إلى بغداذ نزل النجمي ، فركب الخليفة في الطيار وانحدر يلتقيه [ ص: 702 ] فلما رآه جلال الدولة قبل الأرض بين يديه ، وركب في زبزبه ، ووقف قائما ، فأمره الخليفة بالجلوس ، فخدم وجلس ودخل إلى دار المملكة بعد أن مضى إلى مشهد موسى بن جعفر فزار ، وقصد الدار فدخلها ، وأمر بضرب الطبل أوقات الصلوات الخمس ، فراسله الخليفة في منعه ، فقطعه غضبا ، حتى أذن له في إعادته ففعل .
وأرسل جلال الدولة إلى مؤيد الملك أبا عالي الرخجي الأثير عنبر الخادم . وهو عند قرواش ، وقد ذكرنا ذلك ، يعرفه اعتضاده به ، واعتماده عليه ، ومحبته له ، ويعتذر إليه عن الأتراك ، فعذرهم وقال : هم أولاد وإخوة .