ذكر مدينة نصر الدولة بن مروان الرها ملك
وفي هذه السنة ملك ، صاحب نصر الدولة بن مروان ديار بكر ، مدينة الرها .
وكان سبب ملكها أن الرها كانت لرجل من بني نمير يسمى عطيرا ، وفيه شر وجهل ، واستخلف عليها نائبا له اسمه أحمد بن محمد ، فأحسن السيرة ، وعدل في الرعية ، فمالوا إليه .
وكان عطير يقيم بحلته ، ويدخل البلد في الأوقات المتفرقة ، فرأى أن نائبه [ ص: 689 ] يحكم في البلد ، ويأمر وينهى ، فحسده ، فقال له يوما : قد أكلت مالي ، واستوليت على بلدي ، وصرت الأمير وأنا النائب ، فاعتذر إليه ، فلم يقبل عذره وقتله . فأنكرت الرعية قتله ، وغضبوا على عطير ، وكاتبوا ليسلموا إليه البلد ، فسير إليهم نائبا كان له نصر الدولة بن مروان بآمد يسمى زنك ، فتسلمها وأقام بها ومعه جماعة من الأجناد ، ومضى عطير إلى ، وسأله الشفاعة له إلى صالح بن مرداس ، فشفع فيه ، فأعطاه نصف البلد ، ودخل نصر الدولة عطير إلى نصر الدولة بميافارقين ، فأشار أصحاب بقبضه ، فلم يفعل وقال : لا أغدر به وإن كان أفسد ، وأرجو أن أكف شره بالوفاء . نصر الدولة
وتسلم عطير نصف البلد ظاهرا وباطنا ، وأقام فيه مع نائب . نصر الدولة
ثم إن نائب عمل طعاما ودعاه فأكل وشرب ، واستدعى ولدا كان نصر الدولة لأحمد الذي قتله عطير ، وقال : تريد أن تأخذ بثأر أبيك ؟ قال : نعم ! قال : هذا عطير عندي في نفر يسير ، فإذا خرج فتعلق به في السوق وقل له : يا ظالم قتلت أبي فإنه سيجرد سيفه عليك ، فإذا فعل فاستنفر الناس عليه واقتله وأنا من ورائك . ففعل ما أمره ، وقتل عطيرا ومعه ثلاثة نفر من العرب . فاجتمع بنو نمير وقالوا : هذا فعل زنك ، ولا ينبغي لنا أن نسكت عن ثأرنا ، ولئن لم نقتله ليخرجنا من بلادنا . فاجتمعت نمير ، وكمنوا له بظاهر البلد كمينا ، وقصد فريق منهم البلد ، فأغاروا على ما يقاربه . فسمع زنك الخبر ، فخرج فيمن عنده من العساكر ، وطلب القوم ، فلما جاوز الكمناء خرجوا عليه ، فقاتلهم ، فأصابه حجر مقلاع فسقط وقتل ، وكان قتله سنة ثماني عشرة وأربعمائة في أولها ، وخلصت المدينة لنصر الدولة .
ثم إن شفع في صالح بن مرداس ابن عطير وابن شبل النميريين ليرد الرها إليهما ، فشفعه وسلمها إليهما ، وكان فيها برجان أحدهما أكبر من الآخر ، فأخذ ابن عطير البرج الكبير ، وأخذ ابن شبل البرج الصغير ، وأقاما في البلد ، إلى أن باعه ابن عطير من الروم ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .