في هذه السنة قوي أمر باذ الكردي ، واسمه أبو عبد الله الحسين بن دوستك [ ص: 402 ] وهو من الأكراد الحميدية ، وكان ابتداء أمره أنه كان يغزو بثغور ديار بكر كثيرا ، وكان عظيم الخلقة ، له بأس وشدة ، فلما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده ، فلما رأى عضد الدولة خافه وقال : ما أظنه يبقي علي فهرب حين خرج من عنده ، وطلبه عضد الدولة بعد خروجه ليقبض عليه ، وقال : له بأس وشدة ، وفيه شر ، ويجوز الإبقاء على مثله فأخبر بهربه فكف عن طلبه .
وحصل بثغور ديار بكر ، وأقام بها إلى أن استفحل أمره وقوي ، وملك ميافارقين وكثيرا من ديار بكر بعد موت عضد الدولة ، ووصل بعض أصحابه إلى نصيبين ، فاستولى عليها ، فجهز صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعد بهرام بن أردشير ، فواقعه ، فانهزم بهرام وأسر جماعة من أصحابه ، وقوي أمر باذ ، فأرسل صمصام الدولة إليه أبا القاسم سعد بن محمد الحاجب في عسكر كثير ، فالتقوا بباجلايا على خابور الحسينية ، من بلد كواشى ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم سعد وأصحابه ، واستولى باذ على كثير من الديلم ، فقتل وأسر ، ثم قتل الأسرى صبرا . وفي هذه الوقعة يقول أبو الحسن البشنوي :
بباجلايا جلونا عنه غمته ، و نحن في الروع جلاءون للكرب
( يعني باذا ) ، ( وسنذكر سببه سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ، إن شاء الله تعالى .
ولما هزم باذ الديلم وسعدا ، وفعل بهم ما تقدم ذكره ، سبقه سعد فدخل الموصل ، وسار باذ في أثره ، فثار العامة بسعد لسوء سيرة الديلم فيهم ، فنجا منهم بنفسه ، ودخل باذ إلى الموصل واستولى عليها ، وقويت شوكته ، وحدث نفسه بالتغلب على بغداذ وإزالة الديلم عنها ، وخرج من حد المتطرفين ، وصار في عداد أصحاب [ ص: 403 ] الأطراف . فخافه صمصام الدولة ، وأهمه أمره ، وشغله عن غيره ، وجمع العساكر ليسيرها إليه ، فانقضت السنة .
وقد حدثني بعض أصدقائنا من الأكراد الحميدية ممن يعتني بأخبار باذ أن باذا كنيته أبو شجاع ، واسمه باذ ، وأن أبا عبد الله هو الحسين بن دوستك ، وهو أخو باذ ، وكان ابتداء أمره أنه ، كان يرعى الغنم ، وكان كريما جوادا ، وكان يذبح الغنم التي له ويطعم الناس ، فظهر عنه اسم الجود ، فاجتمع عليه الناس ، وصار يقطع الطريق ، وكلما حصل له شيء أخرجه ، فكثر جمعه ، وصار يغزو ، ثم إنه دخل أرمينية ، فملك مدينة أرجيش ، وهي أول مدينة ملكها ، فقوي بها ، وسار منها إلى ديار بكر ، فملك مدينة آمد ، ثم ملك مدينة ميافارقين وغيرها من ديار بكر ، وسار إلى الموصل فملكها كما ذكرناه .