ذكر عدة حوادث
في هذه السنة محمد بن ياقوت حاجب الخليفة رسولا إلى يدعوه إلى طاعة الخليفة ، ليقره على ما بيده من البلاد أبي طاهر القرمطي ، ويقلده بعد ذلك ما شاء من البلدان ، ويحسن إليه ، ويلتمس منه أن يكف عن الحاج جميعهم ، وأن يرد الحجر الأسود إلى موضعه أرسل بمكة ، فأجاب أبو طاهر إلى أنه لا يتعرض للحاج ، ولا يصيبهم بمكروه ، ولم يجب إلى رد الحجر الأسود إلى مكة ، وسأل أن يطلق له الميرة من البصرة ليخطب في أعمال هجر ، فسار الحاج إلى مكة وعاد ولم يتعرض لهم القرامطة .
[ ص: 30 ] وفيها في ذي القعدة محمد بن ياقوت على المسير إلى الأهواز ; لمحاربة عسكر مرداويج ، فتقدم إلى الجند الحجرية والساجية بالتجهز للمسير معه ، وبذل مالا يتجهزون به ، فامتنعوا وتجمعوا وقصدوا دار عزم محمد بن ياقوت ، فأغلظ لهم في الخطاب ، فسبوا ، ورموا داره بالحجارة ، ولما كان الغد قصدوا داره أيضا ، وأغلظوا له في الخطاب ، وقاتلوا من بداره من أصحابه ، فرماهم أصحابه وغلمانه بالنشاب ، فانصرفوا وبطلت الحركة إلى الأهواز .
وفيها سار جماعة من أصحاب إلى نواحي توج في مراكب ، وخرجوا منها إلى تلك الأعمال ، فلما بعدوا عن المراكب ، أرسل الوالي في البلاد إلى المراكب وأحرقها ، وجمع الناس وحارب أبي طاهر القرمطي القرامطة ، فقتل بعضا ، وأسر بعضا فيهم ابن الغمر ، وهو من أكابر دعاتهم ، وسيرهم إلى بغداذ ( أيام القاهر ) ، فدخلوها مشهورين ، وسجنوا ، وكان من أمرهم ما ذكرناه في خلع القاهر .
وفيها قتل القاهر بالله إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، وهو الذي أشار باستخلافه ، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه ، وقتل أيضا أبا السرايا بن حمدان ، وهو أصغر ولد أبيه ، وسبب قتلهما أنه أراد أن يشتري مغنيتين قبل أن يلي الخلافة ، فزاد عليه في ثمنهما ، فحقد ذلك عليهما ، فلما أراد قتلهما استدعاهما للمنادمة ، فتزينا وتطيبا ، وحضرا عنده ، فأمر بإلقائهما إلى بئر في الدار وهو حاضر ، فتضرعا وبكيا ، فلم يلتفت إليهما وألقاهما فيها وطمها عليهما .
وفيها أحضر أبو بكر بن مقسم ببغداذ في دار سلامة الحاجب ، وقيل له إنه قد ابتدع قراءة لم تعرف ، وأحضر ابن مجاهد والقضاة والقراء وناظروه ، فاعترف بالخطأ وتاب منه ، وأحرقت كتبه .
[ ص: 31 ] وفيها سار الدمستق قرقاش في خمسين ألفا من الروم ، فنازل ملطية وحصرها مدة طويلة ، وهلك أكثر أهلها بالجوع ، وضرب خيمتين على إحداهما صليب ، وقال : من أراد النصرانية ، انحاز إلى خيمة الصليب ليرد عليه أهله وماله ، ومن أراد الإسلام ، انحاز إلى الخيمة الأخرى ، وله الأمان على نفسه ، ونبلغه مأمنه ، فانحاز أكثر المسلمين إلى الخيمة التي عليها الصليب ، طمعا في أهليهم وأموالهم ، وسير مع الباقين بطريقا يبلغهم مأمنهم ، وفتحها بالأمان مستهل جمادى الآخرة يوم الأحد ، وملكوا سميساط ، وخربوا الأعمال وأكثروا القتل ، وفعلوا الأفاعيل الشنيعة ، وصار أكثر البلاد في أيديهم .